رواية سفينة نوح الفصل التاسع عشر 19 بقلم سلمي خالد ابراهيم

       

رواية سفينة نوح الفصل التاسع عشر 19 بقلم سلمي خالد إبراهيم 

لا سلامًا على من جعل أطيب ما فينا هو الأسوأ! 

"فُلة" 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ أفصل الكهربا دلوقتي... لسه فاضل شوية على التحميل وأنا مش همشي قبل ما أحمل الفيديوهات دي كلها.

رغبة في الانتقام واضحة بين ثنايا كلماته، ليقلق سعدي مما يريده فإن أنقطعت الكهرباء  لن يستطيع مراقبة الطريق مجددًا: 

_ مش هتعرف تخرج..  الأبليكشن هيخرجني من الكاميرات!! 

علا همس نوح المتشدد:

_ ســــــــعدي أنجز مفيش وقت.. أنا هعرف أخرج لوحدي.

أسرع سعدي يضغط على ذلك الزر الذي أخبره به نوح، ليفصل التحكم بالشركة ولكن عينيه تلتمعان بالقلق عليه، ليغادر السيارة تاركًا هذا الحاسوب الذي أضحى قطعة حديدة، يراقب الطريق جيدًا، يحرك رأسه بيأسٍ من حاله لقد أثرت به الأيام بينهما، أيقن أنه كان ينكر إدراكه لأصل نوح الطيب.


أنفصلت الكهرباء عن المكان بشكلٍ مفاجئ ابتسم نوح برضٍ، يتأمل الشاشة التي ترسم رقم 98%.. لقد تبقى 2%! 


أنغمس جسده بظلام حالك وسط رجال الأمن، لتتسع عينيه بشراسة من ذلك الدخيل،  لقد شك بدخوله ولكن الآن أصبح اليقين يتخلل قلبه،  صرخ برجاله بعنفٍ مخيف: 


_ شغلــوا المولّـــــد يا بهـــــــايم بسرعة.. تقلبوا الشركة في دخيل علينا.. تجيبوه بسرعة..


أنفض رجاله سريعًا بينما أشعل محفوظ فلاش هاتفه يسرع نحو مكتبه ثم بسرعةٍ دفع الباب بقوةٍ يتأمل ذلك الفراغ الذي يحيط به،  لا يوجد شيء!!! 


تقدم نحو المكتب،  ينظر للحاسوب بقوةٍ ثم دفع أحد الأدراج ليخرج منها بودر الفلورسنت المسؤولة عن كشف البصمات باستخدام الأشعة فوق بنفسجية بوضوح في الظلام وقلم صغير وفرشاة،  وضع بعض البودر على الحاسوب ثم نفضها بتلك الفرشة وأخيرًا أمسك بالقلم وضغط على الزر ليشتعل ضوء الأشعة فوق بنفسجية تأمل الحاسوب جيدًا ثم ضم شفتيه بحقدٍ،  فلا يوجد أي بصمة عليها. 


أغلق هذا الضوء ثم جلس مكانه ينتظر عودة تلك الكهرباء ثم همس بنبرة تحمل فحيح الأفاعي: 


_ مش هسيبك يا نوح.. أنا متأكد إنك أنت اللي هنا!!! 


ــــــــــــــــــــــــ


ضم ساعديه لصدره والقلق يتضخم داخله حتى أصبح يتصبب عرقًا تلقائيًا، يلتفت حوله ليرى إن كان سيأتي من جهة أخرى أم لا، غمس يده داخل جيب سرواله يخرج منديلًا ورقيًا يزيح حبات العرق ثم فجأة استمع لصوت خطوات تأتي من خلفه استدار سريعًا ليجد نوح واقفًا أمامه ينظر له بهدوءٍ ثم باغته  متسائلًا: 


_ خرجت ليه من العربية؟؟ 


شعر ببعض الحرج من التفوه بالحقيقة، ليهتف بنبرة متوترة: 


_ عملت إيه طمني؟  قدرت تجيب المعلومات؟؟ 


أومأ دون أن يضيف معلومة أو سؤال كأنه يحاول الهروب،  راقبه بشدةٍ ثم عاد يسأله مجددًا بهدوءٍ عندما علم برغبته في الهروب من الإجابة: 


_ خرجت برة العربية ليه يا سعدي مقعدتش فيها؟؟ 


_ كنت محصور وبفك. 


ضيق نوح عينيه من كذبته الواضحة،  يحرك رأسه بإشارة أن ينطق الحقيقة،  ليزفر سعدي بمضضٍ يجيبه بعبوسٍ حانق: 


_ كنت قلقان عليك يا عم.. الكاميرات فصلت وأنا قلقت يحصلك حاجة ومعرفش أساعدك. 


_ ليه؟ 


تعجب سعدي من سؤاله وملامحه الهادئة،  عينيه التي تراقب كل حركاته وانفعالاته، ليهتف بهدوءٍ مماثل: 


_ العشرة متهونش إلا على ولاد الحرام يا نوح دا اللي أتربيت عليه.. وأنا كلت معاك على ترابيزة واحدة فمش هيهون عليا أسيبك حتى لو بينا خلاف بس في النهاية أنا زميلك في القضية وهدفنا واحد. 


زحفت بسمة طفيفة على شفتي نوح،  ليتقدم نحو سعدي ثم رفع ذراعه يضمه نحوه أسفل نظرات سعدي المندهشة المصدومة، فهتف نوح بنبرة لينة: 


_ أهو أنت يا زميل القضية أثبت حاجة صاحب عمري خانها. 


إزداد تعجب سعدي ولكن رفع ذراعه يربت على ظهر نوح يغمغم بهدوءٍ: 


_ صوابعك مش زي بعضها يا نوح.. وفي النهاية هتتأكد إني عمري ما أفرط في صاحبي لو أتعرض عليا كنوز الدنيا. 


استمع لزفيره العالي ليبتعد عنه قليلًا يرفع كفه نحو نوح قائلًا ببسمة طيبة: 


_ إيه رأيك نبدأ من جديد بشكل صافي والمواقف بينا هتثبتلك إني صاحب صحبي ولا يمكن أغدر وأسيبك. 


نظر نوح لكفه الممدودة بصراعٍ يحاول لجمه،  يتذكر تلك الجملة جيدًا 


" الصراع هيبدأ لما يظهر الشخص الصح يا نوح وقتها هتحاربه لحد ما تخسره وتندم.. حارب نفسك وماضيك من تاني ومتسبش نفسك تغرق " 


رفع كفه ليضمها نحو سعدي الذي ابتسم برضٍ، ليعلق بنبرة جادة: 


_ بقينا صحاب جداد.. تعالي بقى أحكيلك ليه أبوي سماني سعدي عشان دي قصة مأساوية عشتها في طفولتي. 


نظر له نوح بتعجبٍ ولكن سرعان ما ضحك بخفة عليه،  ثم ركب السيارة معه ليستمع لقصته العجيبة عن لماذا سُمي بـ "سعدي السعد". 


ـــــــــــــــــــــــــــــ


فتحت عينيها بإرهاقٍ، لا يزال النعاس يتملك منها، حاولت فتح عينيها ولكن ذلك الضوء القوي النابع من النافذة جعلها تغلق عينيها سريعًا لتحميها من ذلك الضوء،  أعادة الكرّة حتى فتحتهما لتنظر حولها بتعجبٍ شديد،  تتأمل تلك الغرفة بتمعنٍ ثم تذكرت أخر ما حدث كأنها رأت سفيان.. نعم لقد رأته هل رأى رسالتها؟؟ 


انتفضت بقوةٍ تتكئ على يديها تحاول الإعتدال بصعوبة تنظر حولها بخوفٍ ممزوج بتوترٍ حتى استمعت لصوت خطوات قادمة، اتجه بصرها نحو الباب لتجد سفيان يطل عليها ببسمة هادئة يغمغم بهدوءٍ: 


_ مساء الخير. 


قطبت جبينها بدهشة تعود بنظرها للنافذة ثم لسفيان الذي فطن نظراتها ليجيب ولا تزال الابتسامة تزين ثغره: 


_ ما إحنا حضرتك بقينا بعد الضهر والعصر هيأذن. 


عادت تنظر له بدهشةٍ، ثم تذكرت أمر الرسالة لتسرع تسأله بتلهف: 


_ هو أنت شوفت المسدجات بتاعتي؟؟ 


أومأ سفيان يجلس على المقعد المقابل لها،  لتتسع ابتسامتها وتصبح أكثر إشراقًا، فاندفعت تردف بنبرة فرحة: 


_ جيت تنقذني منه.. جيت عشاني!! 


دُهش من ردها المندفع والذي يسقطه في اتجاه أخر لم يتصور الوصول إليه،  حاول تعديل جملته بشكلٍ هادئ حتى لا يزعجها: 


_ جيت عشان تتجمعي مع أختك هي محتجالك وأنتِ محتجالها. 


استمعت لتصحيحه وشعرت بالحرج من إندفاعها،  لتومئ بهدوءٍ تتحاشى النظر له،  لتعود بنظرها نحو النافذة تتأمل الشكل الخارجي ثم أتت نسمة هواء قوية تلفح وجهها لتستنشقها بعمقٍ قائلة بهمسٍ: 


_ دي مصر..  رجعت مصر تاني. 


_ بكرة بإذن الله هوديكِ لأختك أتمنى متنزعجيش من وجودي هنا.. وفي حد هيجي يساعدك في أي حاجة تطلبيها


لم ترغب بالتحدث مجددًا فيكفي ذلك الموقف الحرج الذي وضعت به، توافق على حديثه بصمت كي يتركها وحدها، نظر لها سفيان بصمتٍ فلم يحبذ صمتها هذا ليتمتم ببسمة لطيفة: 


_ مفيش حتى شكرًا.. شوية فضول وتسألي هجيبلك مين.. حاجة من بتوع البنات دي!! 


رفعت بصرها فجأة تنظر له باقتضاب قائلة: 


_ قصدك إني مش بنت!! 


جحظت عينيه بصدمةٍ يغمغم بتبرير: 


_ نهار مش فايت هو أنا قُلت حاجة!! 


أومأت تشير بكفها عليه قائلة بهجوم: 


_ أيوة أنت قُلت حاجة من بتاعت البنات.. وأنا معملتش حاجة من اللي قُلت عليها يبقى أنت قصدك إني مش بنت!! 


حرك رأسه بنفيٍ سريع قبل أن تندفع الدموع التي باتت تهدد بالنزول من عينيها، يهتف سريعًا باعتذار: 


_ لالالا والله مش كده أنا كنت بنكشك مش قصدي اللي فهمتيه. 


نظرت له بعدم فهم، ترفع أناملها لتزيح تلك الدمعة التي علقت برموشها، ليردف سفيان بحسن نية: 


_ كنت عايز أضحك وندردش لإنك هتقعدي يوم كامل ساكتة ولوحدك!! 


ابتسمت بسخرية على حديثه، تعود دموعها بالتجمع مجددًا حتى سالت بصمتٍ، وما أن شعرت بدلوفها في نوبة بكاء هتفت بصوتٍ مختنق: 


_ ممكن تسبني لوحدي لو سمحت. 


_ لا مش ممكن... أنا قُلت إيه زعلك؟ 


رددها بلطفٍ محاولًا مص غضبها،  ولكن رفضت وجوده قائلة بصوتٍ تزداد بحته ورجفته: 


_ بقولك سبني لوحدي مش عايزة أقعد معاك أنا.. كده كده أنا واخدة على الوحدة وعارفاها كويس فمش محتاجة لشفقتك عليا. 


أدرك المعنى الذي وصلها، ليقرب المقعد من الفراش حتى أصبح جانبها، يهتف بنبرة هادئة صافية: 


_ بصيلي يا هند.. 


رفضت حديثه ولا تزال عينيها بالجهة الأخرى، ليتنهد قليلًا يسترسل حديثه بهدوءٍ: 


_ طيب أنا عايزك تبصيلي عشان تشوفي شكل وشي هل أنا فعلًا بشفق عليكِ زي ما بتقولي ولا لاء!  أنا طبيعتي مبحبش الوحدة وأنا اللي محتاج ونس عشان أنا قاعد لوحدي.. فلو هنشوف الموضوع صح يبقى مفيش شفقة في حد طلب حاجة صغيرة لو موافقة ماشي لو مش موافقة يبقى خلاص بس ميكنش رافضك للموضوع عشان حاجة مش موجودة!! 


هدأت رجفتها وتبخرت دموعها ما أن فهمت مقصده، لتدير وجهها تنظر ببعض الحيرة والحزن، لقد أصبحت تأخذ الأمور بحساسة غريبة ومفرطة، تملكتها غصة عندما شعرت أنها ستصبح حملًا ثقيل على الجميع بسبب حساسيتها تلك لينتشلها سفيان بكلماتٍ حنونة: 


_ على فكرة من حقك تفكري كده لإنك متعرفنيش بس اللي المفروض تعمليه متحكميش عليا غير لما تسأليني وتفهمي مني عشان يبقى ليكِ حق تزعلي ولا لاء. 


نبض قلبها ببعض الراحة وهي تستمع لحديثه الذي احتواها بلطفٍ، لتشعر بنبضات قلبها تدق بمشاعرٍ جديدة غريبة، ذلك الحنان والاهتمام بها  جعلها تريد المزيد،  لا تريد الابتعاد، تمنت لو بيدها أمتلك قلبه لوضعت حبه لها داخله ليصبح أسيرها هي فقط،  وتحظى بحبه وحدها ولكن لا تستطيع امتلاكه،  فاقت من غفلتها على صوت الجرس الباب لينهض سفيان يفتحه يستقبل الطارق. 


أرهفت سمعها تحاول معرفة من الطارق لتستمع لحديث بصياغة المؤنث، شحب لونها بقلقٍ أن تكون زوجته أو خطيبته، لم يدم تفكريها الأسود كثيرًا حيث دلفت الأخرى ببسمة مشرقة تردف بنبرة لينة: 


_ مساء الخير عليكِ.


أتى سفيان خلفها يهتف ببسمة تزين ثغره دائمًا: 


_ دي يا ستي منى شغالة معايا في العيادة والممرضة اللي هتساعدك في أي حاجة محتاجاها.. هخرج برة و أسيبكم. 


انسحب بهدوءٍ  ليمنح هند حرية الطلب من منى،  بينما تقدمت منى ببسمة مرحة لتزيح توتر هند قليلًا وسرعان ما أندمجت معها هند لتطلب منها مساعدتها على الجلوس بدل من وضعيتها النصف جلسه تلك. 


ــــــــــــــــــــــــــــ


مدت يدها بالنقود للسائق سيارة الأجرة،  ثم استدارت لذلك المنزل الذي ولدت به وتربت فيه طفولتها،  ولكن تدمر كل هذا أصبحت لا تملك شيء بعد ما فعله خالها.. لم يراعِ يُتم ولا صلة القرابة!! 


حاولت السيطرة على دموعها بصعوبة تحرك قدميها الهشتان لتعبر البوابة الصغيرة التي تحيط بالمنزل، مدت يدها تطرق الباب بخفةٍ تنتظر أن يجيب وسرعان ما فُتح الباب لتجد ذلك البغيض المدعو زوجها، رمقته بنفورٍ واضح ليقابلها ببسمة خبيثة ناطقًا بترحيب يمد يده نحوها يقبض على ذراعها بقوةٍ مستغلًا قوته البدانية ليدفعها للداخل: 


_ زوجتي المصونة أخيرًا جيتي ورجعتي لعقلك. 


حاولت دفعه بكل ما أتيت من قوة، تصرخ به بعنفٍ نافر: 


_ أبــــعد عنــــــي يا حيوان.. أنت لـ.. آآآآه. 


تحولت نبرتها من صوت عالي لصرخة متألم بعدما لطم على وجهها بصفعة قوية أدمت شفتيها، ثم أسقطتها أرضًا، انحنى لها يمسكها من حجابها بقوةٍ نزعًا إياه عنها ثم أمسكها من خصلات شعرها بعنفٍ يرفعها نحوه يهمس بفحيحٍ جوار أذنها: 


_ مش واحدة زيك يا**** اللي هتكبر عليا وتشتمني.. فوقي دا أنت محلتكيش غير جسمك.. 


صمت قليلًا ثم عاد يرمق جسدها بنظراتٍ جريئة أخافتها: 


_ حتى دا بقى بتاعي وملكي يا روحي.. فأعقلي كده بدل ما أقلب وأطلبك في بيت الطاعة وساعتها هتمتع بيكِ على الأخر. 


فاضت دموعها بغزارة،  تنظر له بإنكسارٍ واضح تحرك فكها المتألم قائلة بكلماتٍ متألمة مخذولة: 


_ حرام عليك اللي بتعمله فيا.. أنت عارف إن الجوازة دي باطلة ولا أنا وافقت ولا حد خد رأي فيها وكله من التوكيل الزفت اللي مع خالي ولولا بطلع بطاقة جديد مكنتش عرفت إني متجوزة منك!!! 


قرب شفتيه منها لتلامس أذنها ثم وجنتها يهمس بنبرة راغبة: 


_ مليش دعوة  بالهري دا كله.. أنتِ قدام القانون مراتي يعني هتفضلي مسجونة ليا العمر كله. 


إشمأزت من اقتربه الشديد منها، لتحاول أبعاد وجهها عنه ولكنها صرخت بقوةٍ تشعر باقتلاع بعض جذور شعرها بسبب قبضته تستمع لصوته المقزز: 


_ لا يا مزة.. مش حرمة زيك تعمل الحركتين دول دا وشك وشكلك زي واحد صاحبي.. دا صاحبي نفسه في أنوثة عنك. 


_ أما أنا كده آآ.. ما تسبني في حالي.. ألغوا آآ.. الجوازة خالص والتوكيل بتاع خالو حسني وأنا هبعد عنكم. 


رددتها بضعفٍ وأنين لا يزال يصدر منها،  دفع رأسها بعيدًا ليصطدم بالأرض مسببًا لها بحالة من الدوار،  يغمغم بحقدٍ: 


_ والله اسألي خالك ليه؟ إنما أنا هاخد اللي عايزة منك وبعدها تترمي لكلاب السكك برة بس كله برواقه..


إزداد ألم رأسها ولكن لابُد من أن تقاوم حتى تغادر سالمة من هنا،  ياليتها لم تأتِ من الأساس،  مدت ذراعها ببطءٍ تسرع في أمسك الحجاب لتغطي حجابها،  فداخلها لايزال يرفض كونها زوجة له، نهضت من الأرض ترتدي حجابها بإهمالٍ ثم تحركت نحو الباب ولكن أوقفها صوته مجددًا ينطق ببرودٍ: 


_ على فين مش لما نعرف سبب الزيارة الكريمة دي؟؟ 


استدارت تنظر له بأعينٍ مدمعة، لقد كسر نفسها وكرامتها، جعلها تدرك حجمها الحقيقي وأن ما ستطلبه لن يفتح إلا أبواب الجحيم عليها، نكست رأسها تهمس بمرارةٍ: 


_ أعتبرني مجتش يا وليد. 


_ يكون أحسن.. أبويا مش ناقص ضغطه يعالى لما يعرف إن أشكالك جت. 


غمغم بسخطٍ واضح جرحها بشدة، تريد الصراخ بهم ولكن ما الفائدة وقد كسرها كل شيء وأصبحت الحياة منعدمة بنسبة لها،  استدارت تمد يدها لتفتح الباب لتجد حُسني أمامها يتطلع لها بدهشة ممزوجة بصدمةٍ، نظرت له فُلة بنفورٍ ثم تحركت من أمامه بعيدًا لا تريد رؤيته، لقد شعرت برغبة قوية في التقيء عندما رأته،  دلف حسني سريعًا يسأل ابنه بتوجس: 


_ البت دي إيه اللي جابها؟  مش خلصنا وعرفت إننا مش هنلغي الجوازة! 


أومأ وليد يجيبه ببسمة خبيثة: 


_ عرفت وعلمت عليها متقلقش يا بابا.. بس أمتى بقى هنخلص منها وأخد حلوتي؟ 


ألتمعت عينيه برغبة جامحة فيها، فرغم حديثه الجارح عن أنوثتها إلا أنه كان يكذب هو يريدها.. يريدها بشدة،  بينما لمعت عيني حسني بشدة يهمهم بتخطيطٍ: 


_ قريب.. قريب أوي يا وليد هخلص كل حاج.. بس قوم دلوقتي شوفها جاية مع مين؟ 


على الجانب الأخر.. 


تحركت بخطواتٍ مترنحة، تشعر بوهنٍ مما يحدث معها، دموعها لا تزال تقطر بغزارة حتى أصبحت كمطر غزير لا نهاية له، توقفت قدميها فجأة ثم نظرت حولها بضياعٍ، ترفع يدها لصدرها هناك شيء يقبض على أنفاسها بشدةٍ تهدجت أنفاسها أصبح المكان يضيق بها بشدة، ذلك السواد الحالك يحيطها بالرغم من وجود أشعة الشمس، مال جسدها ثم سقطت على الأرض دون أن تشعر، تختنق أنفاسها شيءٍ فشيء حتى باتت تحارب البقاء وتصاحب الموت. 


ــــــــــــــــــــــــــ


_ليه عازلة نفسك في الأوضة.. مدام حميدة بتقول مظهرتيش من الصبح؟ 


سألها وهو يدلف للغرفة يرمقها بنظراتٍ متعجبة متعبة،  يتأمل جلوسها على الفراش بهدوءٍ دون حركة، شاردة وحيدة للغاية، رفعت بصرها نحوه تتأمل ملامحه المتعبة،  ثم سألته بهدوءٍ: 


_ كنت فين يا نوح؟ مقولتش ليه إنك خارج؟ 


تحرك للداخل يفتح الخزانة ليخرج ملابس أخرى مريحة، يتجاهل سؤالها بطريقةٍ استفزازية، بينما اشتعلت عيني ذكرى بغضبٍ من تجاهله لتنتفض من الفراش تندفع نحوه تمنعه من دلوف للحمام قائلة بغيظٍ: 


_ هو أنا مش بكلمك ما ترد عليا وتتعامل معايا زي البني آدمين. 


تأمل ملامحها وإنفعالاتها ثم قال وهو يزيحها ببعض القوة جعلتها تفقد توازنها حتى كادت أن تسقط ولكن لحقت ذاتها: 


_ طالما واخدة بالك أوي إن المفروض نتعامل كبني آدمين يبقى تستخدمي القبقاب اللي في دماغك دا تاخدي بالك إني ظابط وحكم شغلي يخليني أنزل في أي وقت. 


عضت على شفتيها بغيظٍ منه، ترى ذلك الباب الذي يغلق بهدوءٍ خلفه، لتعود للفراش تقلد حديثه بطريقة ساخرة مضحكة، تشعر بالضيق من استيقاظها دون أن تجده ولا تعلم سبب اختفائه، قررت إرتداء الإسدال لتهبط للأسفل،  فلو جلست معه دقيقة أخرى سيحدث شجار، إنتهت من لف حجابها ثم ما كادت أن تفتح الباب حتى استمعت له يهتف بضيقٍ مكتوم: 


_ طالما عايزة تنزلي منزلتيش ليه قبل ما أجي ولا جاية لما خلاص هقعد معاكِ تنزلي؟؟ 


أخذت نفسًا طويلًا ثم أنطلقته بهدوءٍ تستدير نحوه تنظر لوجهه العابس بضيقٍ واضح، عينيه الناعستان بشدةٍ، لتشفق على ملامحه المرهقة،  أجابته بنبرة هادئة: 


_ يا نوح أنا أضايقت من فكرة إني صحيت وملقتكش ومعرفش أنت فين!  ولما كلمتك أتجاهلتني لا وكمان بتقولي استخدمي القبقاب اللي في دماغك.. حسيت وجودي مش مهم فقررت أقصر الخنـ.. آآ


قطع حديثها يمسك بيدها التي تتحرك مع حديثها، ليضمها في عناقٍ حنون دافئ، يتنفس براحةٍ، شهقت بصدمةٍ تجفل من حركته المفاجئة، ثم استمعت لصوته جوار أذنها: 


_ أنا جاي تعبان يا ذكريات وعشان كده رديت عليكِ بالطريقة دي.. وحاولي تاخدي على فكرة إن ممكن مبقاش موجود معاكِ لإني بطلع في مشاوير و مؤمريات بدري. 


حاولت التملص من بين ذارعيه بغضبٍ تعلق على حديث باختناق: 


_ أخد على إيه!!  أصحى يوم ألقيك وعشرة لاء!!  دا اسمه إيه إن شاء الله يا أستاذ نوح نصار؟؟؟ 


_ اسمه طاعة الزوج يا حبيبة نوح نصار. 


قالها ببسمة صفراء يبتعد عنها قليلًا،  لتشتعل عين ذكريات بتحدٍ ترد بنبرة غاضبة: 


_ وفين راعية الزوج لزوجته؟  فين حقها في الأمان؟  فين وجوده أصلًا في حياتها؟؟؟ 


رفع حاجبه باستنكارٍ من حديثها، يعلق على حديثها بضيقٍ: 


_ وهو أنا بجلدك 100جلدة كل يوم ولا بسيبك بالعشر سنين ووأرجع أشقر عليكي وأمشي؟؟  هو إيه اللي حقها في الأمان وحقها في وجوده!! 


عبست ملامحها بضيقٍ منفعل، بينما مسح نوح على وجهه بنفد صبرٍ يهتف بنبرة حاول إخراجها هادئة محاولًا إيجاد حل مناسب: 


_ يا ذكريات أنا مبقلش كل يوم هختفي لكن في وقت هضطر أسافر فيه وأخرج غصب عني فجأة دي نقطة بس الموضوع مش مستمر وهحاول أقلله لكن مقدرش أمنعه فجأة  وفي حالة هخرج فجأة  هسيب لكِ رسالة على الكومدينو قبل ما أمشي أظن كده مسكنا العصاية من النص! 


هدأ غضبها منه ولانت ملامحها بعدما استشعرت تلك الحلول لإرضائها، أومأت برأسها تبتسم براحةٍ بينما رمقه بنظرة مندهشة يغمغم بتهكم: 


_ أنتم الحريم عليكوا تحول.. أسوأ من موجة اتسونامي. 


ابتسمت بفخرٍ لنفسها، ولكن أندثرت بسمتها فجأة عندما وجدته يبتعد لينام مغمغمًا بصوتٍ يميل للنوم: 


_ صحيني لما المغرب يأذن. 


تأملت شكله وهو يريح جسده على الفراش والوسادة أسفل رأسه لتزيح الاسدال عنها وتبقى بتلك المنامة الزرقاء المكونة عليها شكل فراشات بيضاء صغيرة، ثم تحركت نحوه تجلس جواره قائلة بهمسٍ رقيق: 

_ على فكرة المخدة برضو غربة! 

نعم يشعر بالنعاس ولكن لم يستطع كبح ابتسامته بعد جملتها،  ليفتح إحدى عينيه قائلًا: 

_ أعمل إيه مستني الوطن يحن علينا. 

ضحكت بخفوت عليه ثم أمسكت ذراعه تزيحها برفقٍ ثم غمرت نفسها داخل أحضانه تردف بنبرة حنونة: 

_ وأهوه حن دلوقتي. 

أغمض عينيه ببسمة تحمل الراحة، يغفو بهدوءٍ متمنيًا ألا تزول تلك النعمة من يده ولكن الحقيقة هي أن ما ظنه نعمة سيصبح نقمة كبيرة...! 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أنزل الهاتف عن أذنه بصدمةٍ يكسوها غضبًا مخيف يعتريه، ثم فجأة ركل الطاولة التي أمامه بعنفٍ يشعر بانسحب كل شيء من بين يديه،  لقد كان على مشارف قتلها ولكن الآن لقد صدر قرار عدم قتلها أو الأقتراب منها،  بل ستصبح بحمايته حتى يأتي دانيال ويأخذها!!

استمع لصوت الباب يدق لينهض نحوه يفتح بملامح متهجمة للغاية، ينظر للطارق بغضبٍ كان كحريقٍ يندلع بين غابتي عينيه، تأمل ذلك الغضب المكنونة داخله ليسأل بهدوءٍ وهو يزيحه: 

_ مالك قالب وشك ليه يا نادر؟؟ 

_ بنت ال*** دانيال طلبها سليمة!! 

ردد بغلٍ على ذكريات، بينما نظر له ياسر باهتمامٍ يسأل بشكٍ: 

_ ليه؟  عايز ذكريات ليه؟؟ 

نظر له بانزعاج ثم قال بنزق: 

_ وأنا إيش عرفني.. 

ثم أضاف بإنفعال: 

_ بس مش هسيبها لو فيها موتي يا ياسر.. هجيبها وأقتلها وأخلص منها. 

نظر له ياسر باستخفاف ولكن سرعان ما أخفاه،  يبتسم بمكرٍ عندما ألتمع عقله بفكرة ليهتف ببسمة ماكرة: 

_ طب واللي يخلي دانيال نفسه يقتلها؟؟ 

نظر له بتلهف واضح،  ليعود ياسر يضع بظهرها للخلف مسترسلًا بمكرٍ: 

_ تمضي التنازل أدخل وأصفيها خالص.. مش هتمضي مش هعرف أدخل الشركة ومحفوظ نفسه هو اللي هينقذها. 

حدق به مفكرًا،  فنصيبه من شركة الحوت أصبح هامشًا للغاية بعدما احتل محفوظ أكبر مكانة بشركة الحوت وخاصة إستولائه على نصيب ياسر بمكيدة خبيثة، الآن هو يريد زوجته والابتعاد عن هنا فقط، زفر مطولًا ثم قال بهدوءٍ: 

 هأمضي التنازل بس مقابل دا تخلصني من ذكريات مش عايز أشوفها قريبة مني ولا من جميلة تاني. 

ابتسم ببرودٍ له يومئ بموافقة، بينما تحرك نادر يحضر أوراق التنازل التي بقيت عنده منذ أن عرض عليه هذا الأمر، خطى بالقلم على الأوراق سريعًا ثم مد يده لياسر بتلك الأوراق بجمودٍ،  ليمسك ياسر بهذه الأوراق ببسمة سعيدة،  يغمر عينيه المكر عند تحقيق أول خطوة للإيقاع بهم. 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

_ صباحية مباركة يا عروسة. 

جملة خبيثة تفوح منها رائحة الشر وهو يتأمل ملامح فُلة التي استيقظت للتو، تنظر حولها في محاولة أستيعاب لما حدث لقد غادرت المنزل ثم ما لبست أن تتحرك حتى سقطت مغشيًا عليها،  ولكن لحظة ماذا يقول ذلك الخبيث، حاولت النهوض ولكن شعرت بآلام متفرقة تنتشر بجسدها العاري!! 

اتسعت حدقتيها بذعرٍ وهي ترى نفسها عارية أسفل الغطاء، نظرت نحو وليد الذي ابتسم بانتشاء لرؤية ملامحها الشاحبة، تراه يجلس أمامها عاري لا يرتدي سوى ملابسه الداخلية فقط!! 

ارتجف جسدها بشدةٍ تنظر له بعدم تصديق،  تحرك رأسها برفضٍ وكأنها تنفي الحقيقة،  تهزي بحديثٍ غير مرتب: 

_ لالالا.. حرام.. دا حرام.. أنت مش جوزي. 

نهض وليد يقترب منها يحاصرها بين ذراعيه يهمس جوار أذنها بكلماتٍ خبيثة: 

_ لا يا حبيبتي.. عيب تقولي كده ودخلتك كانت إمبارح. 

ابتعد ينظر لملامحها التي باتت كالأموات، ثم صرخت بقوةٍ تجهش ببكاءٍ عالي مريع، نوبة مخيفة، قاسية هاجمتها لتبدأ بضرب وجهها بقوةٍ لتدمي ملامحها، ليندفع وليد لها يمسكها من ذراعها بقوةٍ مانعًا إياها من الضرب فلا تزال حياتها مهمة لهم. 

                الفصل العشرون من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

       

تعليقات



<>