
رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق بقلم سميه رشاد
احمرَّت وجنتيها خجلًا وهو يلتقط كفها الأيمن ويلبسها واحدة الأساور التي ابتاعها بالأسبوع السابق، حاولت صبّ جمّ تركيزها عليها كي لا تصطدم نظراتها به غلطًا؛ فيزداد خجلها، تشعر أنه أكثر أريحية من السابق، فبزيارته السابقة كان يحدثها دون أن يرفع عينيه، بينما الآن يختلس لها النظرات، وكم أصابها الحرج وعيناها تتقابل مع عينيه بعدما عقد المأذون قرانهما مباشرة!!
تنهدت براحة فور انتهائه، ليلتقط فعلتها فمال عليها قليلًا يسألها بخفوت:
- ياه.. للدرجة دي؟!
احتقن وجهها بحمرته وأشاحت خجلًا إلى الجهة الأخرى، فتسارعت دقات قلبه إثر التقاطه لخجلها العفوي، هذا ما كان يتمناه لا أكثر.. امرأة يتغنى الحياء فخرًا أنها تتشح بثوبه كلمَّا استدعى الموقف.. ماذا كانت ستفيده عذريتها المسلوبة رغمًا عنها؟! أهو أحمق لينساق خلف عادات مجتمع عقيم في تفكيره ويتجاهل ما تقرُّه أفعالها ويقصُّه حياؤها من عفاف؟!
أنارت الابتسامة وجهه وهو يدرك تهربها منه، ولكن أين ستهرب وقد حان دوره لتلبسه خاتمه الفضي الذي انتقاه بدلًا عن الحلقة المدورة الفارغة، قدم إليها يده ورفعها أمام وجهها بمرح جعل ضحكات الحاضرين ترتفع:
- بوسي!
ابتسمت والتفتت إلى الجهة الأخرى تخفي ابتسامتها عنه، فخفض يده وقد نجح في تغيير جوها قليلًا، فالتقطت الخاتم من شقيقته وبدأت تلبسه له، لتعجز في بداية الأمر بسبب ارتعاش كفيها؛ فشرع في مساعدتها بعدما أحكم على كفها بقبضته وضغط عليه بيسر هامسًا بحنان:
- متتوتريش.. اهدي مفيش حاجة.
كلماته جعلتها تشعر بالامتنان تجاهه، لا تعلم كيف له أن يكون مراعي لأبعد الحدود، ومتفهم إلى هذه الدرجة! أهذه حلاوة البدايات أم أن الشيخ سيبقى كما هو عليه، فقط لو يبقى، سيكون الأمر أكثر من رائع ولن ينغص عليها شيء.
نهضت والدته وعمته وعدة نساء وبدأن في الرقص على دقات الدف الذي أشعلته شقيقته، حاول أواب منع أمه من فعل ذلك ولكنها أبت وتجاهلته كما تفعل دائمًا، غمره الخجل وهو يرى إحدى النساء ترقص أمام والدته فغضَّ بصره عنها ونظر إلى الجهة الأخرى يبحث عن أي من الرجال، ولكن جميعهم قد انصرفوا، فقد أوشك الحفل على الانتهاء، اقتربت شقيقته تجذب ريهام التي اعترضت بشدة ولكنها أصرَّت عليها فنهضت ووقفت تصقف بيدها تحت أنظار أواب المتابعة لها،
تابعها هي ووالدته وقد جلست المرأة الغريبة فور قيام العروس لتعطيها المساحة، فتارة يتأملها كي لا تشعر بعدم اهتمامه، وتارة أخرى يخفض بصره حياءً من النساء الملتفات حوله، تأمل فستانها الأبيض وخمارها المماثل له في اللون بإعجاب، فقد رافقتها شقيقته باليوم التالي من شراء الذهب واشترته برفقتها وكم لاق بها الأبيض الشاحب هذا! للمرة الأولى يرى عروسّا دون مستحضرات التجميل التي يتكلفون في التزين بها. أخفض رأسه وهو يرى التفاف النسوة للرقص حول العروس وما أن جلست جواره حتى مال عليها هامسًا:
- هستناكِ في الأوضة جوة.. أنا محرج من وجود النساء هنا.
أومأت إليه بتفهم، ونهض يتجه إلى الغرفة مستعجبًا من نفسه، يبرر إليها نهوضه كي لا تتهمه بعدم الاهتمام ولو في نفسها، وهو الذي لم يعبأ بالتبرير يومًا!
لحسن حظِّه انصرف الجميع فور شعورهم بالحرج من انصراف العريس الملتحي الذي يبدو إليهن متشددًا، وتبعهم أهله بعدما تركوه ليرافق عروسه قليلًا.
جاءته تمشي على استحياء، فجلست برفق بعدما ألقت السلام، وتبعتها والدتها التي قالت وهي تاخذ بعض الصحون من النيش المتواجد بالغرفة:
- منورنا يا حبيبي.. هروح أغرف لكوا الأكل زمانكوا ميتين من الجوع.
زاغت عيناه بقلق وانتقل بنظراته إلى ريهام التي ابتسمت على مظهره ونطقت بمرح:
- متقلقش مفيش حمام ولا بط.
بادلها الابتسامة وتأملها قليلًا فأخفضت وجهها بخجل، التقط كفها الذي ألبسها به خاتم الخطبة؛ فارتجف بدنها بطريقة لم تفُته، قرب كفها من وجهه ولثم راحتها بشفتيه هامسًا وهو ينظر إلى عمق عينيها:
- حبيت أعمل كدا من وقت ما لبستيه بس استنيت عشان منبقاش عرض للناس.
حاولت سحب يدها سريعًا، إلا أنه ظلَّ قابضًا عليها بين يديه، نظرت إليه تحثه على ترك يدها فهزَّ رأسه بطريقة بدت مضحكة، حاولت إخفاء ابتسامتها وبرقت عينيها بحدة غير ملائمة لمظهرها الخجول؛ فهزَّ رأسه ثانية بطريقة أشبهت بتمسك الأطفال بالألعاب فانفجرت ضاحكة.
ابتسم على ابتسامتها التي تراقصت دقات قلبه على وتيرتها، فحاولت محاولة أخيرة لجذب يدها بينما شددّ عليها أكثر وأشبك أصابعها بخاصته صائحّا بمرح:
- والله ما هسيب متحلميش.. أنا دافع كتير عشان المسكة دي.
اعتلاها اليأس من أن تحرر يدها فترجته بخفوت:
- أمي جاية.. تقول علينا إيه؟
ليجيبها بجرأة:
- ولا فارق مش هتقول حاجة
ليصله من الخارج حمحمة والدتها التي يبدو أنها قادمة تجاههما فألقى يديها سريعًا واتشح بثوب الحياء مرة أخرى وكأن لم يفعل شيء، فرفعت أحد حاجبيها له فأشار على والدتها التي تضع الطعام بتحذير؛ مما جعلها تنفجر ضاحكة مرة أخرى.
تأملتها والدتها باندهاش ونظرت إلى أواب فوجدته جالسّا بهدوء، حدجت ابنتها بتحذير وصاحت:
- معلش يا ابني شكل الحالة اشتغلت.
ابتسم إليها مجاملًا، فخرجت المرأة ليأكل دون خجل منها فسألته ريهام:
- عاجبك كدا؟
هزَّ رأسه مؤيدًا فحدجته بغيظ، رفع يسراه والتقط يدها اليسرى، نظرت إليه بتساؤل وهي تنظر إلى الطعام:
- وهناكل إزاي وأنت ماسك إيدي؟
أشار إلى يدها اليمنى الحرَّه فتابعت باعتراض:
- مش هعرف آكل بإيد واحدة
ليلتقط قطعة من اللحم(الاستيك) بالشوكة ويقربها من فمها ليطعمها:
- أنا هأكلك
هزَّت رأسها بخجل وامتنعت عن تناولها فحدجها بحدة:
- كلي
اندهشت من تحول نظراته إلى الحدّه فقطمت قطعة بشفتيها مما جعل الحدَّة تتخلى عن ملامحه ويرتسم الحنان مرة ثانية.
تعجبت في داخلها منه ونطقت برفق:
- خلاص أنا هكمل عشان تعرف تاكل.
هزَّ رأسه نافيًا وأشار إلى يدها اليمنى لتفهم أنه يريدها أن تطعمه كما تفعل، فهزّت رأسها بالنفي.
أومأ إليها بصمت وتابع إطعامها كل مرة بصنف مختلف، بينما تعجبت في نفسها من تقبله لعدم إطعامها له بهذه البساطة.
ظلَّ يطعمها إلى أن أعلنت شبعها. فترك الشوكة والتقط أحد المناديل الورقية المبللة ومسح فمها بطريقة جعلتها تنصهر خجلًا، ما يفعله كثير عليها، كثير إلى درجة لا تتحملها، خاصة وهو لا يترك لها الفرصة لأخذ أنفاسها بطريقة طبيعية.
حاولت التغلب على خجلها وسألته باندهاش:
- مش هتاكل؟
أشار إلى يده المتشابكة مع خاصتها فحاولت جذب يدها وهي تردد بخفوت:
- خلاص سيب إيدي وكل براحتك.
ولكنه أبى وهز رأسه نافيًا فزفرت بغيظ من تدلله الزائد الذي اكتشفته لتوّها. همس يستعطفها:
- على فكرة أنا جعان أوي
لتجيبه بغيظ:
- ما تاكل
هزَّ رأسه بالنفي وهو يشير إلى يديهما فتمللت بضيق، أمسكت الملعقة وملأتها على وسعها بالطعام وقربتها من فمه بخجل؛ ففتح شفتيه مما جعلها تدفع الملعقة بعنف إلى فمه وابتسامة انتصار تتراقص على شفتيها؛ فصدمها وهو يلوك الطعام بتلذذ وكأنها لم تحشو فمه بالكثير من الطعام، فجزَّت على شفتيها بغيظ.
كادت أن تفعل المثل في المرَّة الثانية، فقبض على يدها اليمنى بيمناه وأدخل بعض الطعام برفق وبدأ يلوكه ببطء أثار أعصابها وجعلها تودّ الهرب عن مرماه بأي طريقة.
تابعت إطعامه بطريقة طبيعية بعدما لم يفلح عنفها معه، بينما وجنتيها احمرتا من فرط الخجل الذي أثاره تأمله لها وهي تطعمه.
أخيرًا انتهت من إطعامه وأعلن اكتفائه، فنطقت برفق:
- ممكن تسيب إيدي بقا أدخل الصينية لأمي عشان متتعبش نفسها وتيجي تاخدها.
تلاعبه بإثارة عاطفته إذًا؟! أومأ بإيجاب قبل أن يتخلى عن يدها لتفعل وتأتي إليه بعد عدة دقائق وتجلس مبتعدة عنه كي لا يكرر التقاطه لكفها مرَّة أخرى، فابتسم بداخله ومرر جلوسها بعيدًا برغبته، فعلى الأقل استطاع تخطي العديد من الحواجز اليوم وفعلا ما لم يتوقعه فيكفيها هذا القدر اليوم.
- عايز أكلمك في موضوع..
تحدث بجدية فحدجته بتساؤل مما جعله ينطق بلطف:
- أكل أمك جميل جدًا وحقيقي من أطيب الأطعمة اللي كلتها في حياتي بس مش عايز تتعبوا نفسكوا كل ما آجي.
برقت عينيها باعتراض وكادت أن تبديه إلى أنه تابع:
- عارف إني دي عادات في البلد بس أنا مش هرتاح كدا.. هحس إني باجي مطعم أو عشان أكل وأنا مش حابب أربط وجودي بأكل.. عايز تكونوا مرتاحين ومتكلفوش نفسكوا حاجة.
لم تقتنع بحديثه وعزمت بداخلها ألا تستمع إليه فأضاف:
- أرجوكِ تنفذي اللي قلت عليه.. عايز أجي مرتاح وأنا كل فترة هجيب أكل جاهز وأنا جاي عشان نتشارك الطعام مع بعض.. بس أنا راجل أجيب عادي.. إما أنتِ فمش عايز أحملكوا همّ أكلي ولا هم أي حاجة.
أومأت إليه بإيجاب تنوي عدم الانصياع إلى رغبته فشرع في التحدث إليها وقصَّ عليها بعض أموره الخاصة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تململت "شمس " في وقفتها وهي تنتظر والدتها ليعودا إلى بيتهما، لقد عادا إلى منزل الجد من عقد قران أواب منذ ما يقارب الساعة ولا تزال والدتها لا تريد الانصراف، تحبذ الجلوس برفقة عائلتها.
- يلا نروح يا أمي.
نظرت إليها والدتها قليلًا قبل أن تقول بعزم:
- ما نبات هنا النهاردة يا شمس في فرح عايزين نفضل معاهم، وبعدين أختك هنا أهي.. نبات هنا مع جدك بدل ما نبات أنا وأنت وأختك لوحدنا.
- يا أمي تعالي نروح أحسن
إلا أن والدتها استحسنت الفكرة بعدما نطقت بها وعزمت على المبيت بالفعل، بينما جدها حدجها بعتاب قبل أن يسألها:
- بقا مش عايزة تباتي تونسي جدك يا شمس؟!
أشفقت عليه واعتراها الخجل فجلست على المقعد بحيرة، الأمر ليس جديدًا عليها، فوالدتها دائمًا ما كانت تبيت كل فترة برفقة جدها ولكن كل هذا كان قبل طلاقها من مهدي، أما هذه المرة، فهي الأولى منذ الطلاق.
كيف ستبيت هنا وهو بالفعل يتخذ إحدى غرف البيت سكنًا له بهذه الفترة؟! لا تريد الاصطدام به بعد ما حدث بالسيارة، لقد حمدت ربها أن والدتها أخذتها برفقتها في طريق العودة بينما هو لم يعُد برفقتهم، بل ذهب ليعطي السيارة إلى رفيقه كما أخبر الجد ولم يعد بعد..
- خدي بقا يا شمس هاتي لنا عيش من الفرنة وعدي على بتاع الفلافل هاتي لنا فلافل وفول.. وإحنا هنا نكمل باقي العشا على ما تيجي
أومأت إليها بإيجاب، فعلى أي حال تفضل الخروج بدلًا من الجلوس أمام زوجة خالها التي تحدجها بغيظ كلما تقابلت نظراتها معها.
ابتاعت الخبز ووقفت أمام مطعم الفلافل ليسألها البائع بابتسامته السمجة:
- عايز إيه يا جميل؟
أعطته المال وطلبت منه ما أرادت بحزم ليتابع بسماجة:
- بعمل لك طعمية تستاهل بوقك يا عسل
أنهى جملته وشرع في قلي الفلافل وهو يستخف ظلُّه مع إحدى النساء التي تسايره ويحدجها لتشاركهما بين الفينة والأخرى. لا تعلم ما الذي يجعله يتابع في استخفاف ظله أمامها بينما هي تعامله بمنتهى الغلظة، تكره هذا الفعل، فلا شيء يثير التقزز أكثر من الذكور أشداء الحرص على؛ المزاح مع النساء، محاورتهم دون سبب، التغزل بمفاتنهم دون أدنى خجل أو دين، وبالطبع العكس صحيح وربما أصح، فما يخالف تعاليم الإسلام تعافه النفس وتنفره الطباع السليمة. وهكذا هي تفعل فلمَ يتغالظ هذا الرجل بهذه الطريقة المقززة؟!
واصل الرجل حديثه بعدما غادرت المرأة الأخرى بينما شمس أخفضت رأسها أرضًا كي يصمت فلم يفعل، ففتحت هاتفها تتصنع الانشغال به إلى أن يأتي لطلبها لتجفل على صوت مهدي الذي أفزعها:
- روّحي.
حدجته بعدم فهم ليكرر بشدة وصوته الأجش يصدح بأذنها:
- روَّحي
هذا الديكتاتوري! كيف يأمرها بهذه الطريقة الغليظة؟ ما له بها ليفعل؟!
ظلت واقفة تنتظر طلبها بينما الرجل صمت تمامًا فور رؤيته، فقد حدث ذات الموقف ذات المرَّات صباحًا وحدجه بقوة أخرسته تمامًا كما يفعل الآن، وقتها حذرها من المجيء إلى هنا مرة أخرى، بل أقسم عليها ألَّا تفعل وتأكل من طعام هذا الرجل. غامت عينيها حينما تذكرت اقترابهم السابق لتفيق وهو يأخذ من الرجل طلبها بحدَّة جعلت البائع يصيح بنزق:
- ما براحة اللاه؟!
رمقه بحدة قبل أن يلتفت ويتركه بكبر، فتمتم الرجل يسبه بينما أسرعت شمس في خطواتها، ليست بحاجة إلى كلمات تقريع تضاف لهذا اليوم.
لم يكلف نفسه لإسراع خطواته كي يلحقها، فخطواته الهادئة بقامته الطويلة كانت أسرع من خطواتها بقامتها ذات المئة وخمس وخمسون سنتيمتر.
زفرت وهي تكاد تسرع خوفًا من بطشه فمرَّ عليها دون أن يفعل سوى أن مال قليلًا ليتوعدها بقوله:
- إن كلتي من طعيمة ممدوح متلوميش إلا نفسك.
صاح بجملته وسبقها إلى البيت فدمدمت بغضب:
- وأنا ذنبي إيه؟ هموت وأعمل سندوتش.. الله يخرم جيب ممدوح واللي جابوا ممدوح.. والله لآكل براحتي..