
رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق بقلم سميه رشاد
رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل التاسع9 بقلم سميه رشاد
انفجارها الغير متوقع جعل قلبه "عبدالرحمن" يخر ساقطًا بين قدميه، لم يحسب حساب لكل هذا، تناساها وتناسى مشاعرها في غمرة غضبه لتكون النتيجة كما يرى الآن، شدَّد عليها بين أحضانه وظل يربت على كتفها براحتيه إلى أن شعر بهدوء شهقاتها، ليبعدها قليلًا ويتأمل وجهها بشفقة وندم قبل أن يرفع إبهاميه عنها ليزيح دموعها التي يصطلي بها قلبه الآن.
- أنا آسف
همس بها من أعماق قلبه وهو يتأمل وجهها، فأشاحت إلى الجهة الأخرى؛ مما جعله يقبض على ذقنها بين سبابته وإبهامه، ويردد وهو ينظر إلى عينيها برجاء:
- اهدي يا حبيبي حقك عليا
رفعت كفها وحاولت إزاحة ما تبقى من دموعها ليقبض على كفها ويرفعه إلى شفتيه يلثمه بحنان لا يعرف إليه طريقًا سوى معها قبل أن يهمس وهو يمحي أثر الدموع:
- دي مهمتي أنا..
لتناغشه بعتاب رقيق لاق بها:
- زي ما كانت مهمتك من البداية تتسبب في نزولهم
استقر الألم بمنتصف قلبه، لا يحب هذا الشعور ولا يروق له أن تتألم هكذا بسببه، تنهد بقوة قبل أن يهمس وهو يجذبها لتحاوله على الأريكة القريبة منهما:
- طيب نتناقش في اللي حصل؟
صمتت دون رد ليجذب رقبتها يحتضنها بساعده الأيمن ويسألها بتقرير مدركًا الإجابة جيدًا:
- عرفتي إن أبوكي خرج صح؟
أومأت إليه بإيجاب ودموعها تبدأ في التخلي عن عينيها مرة أخرى، فسألها بقلق:
- عرفتي إزاي؟
لتجيبه بنواح:
- سمعت صوته إما جه هنا وكان بيزعق معاك أنت وعمي تحت
تنهد بقوة، كان على شك بالأمر ولم يرد أن يسألها كي لا يثير فزعها إن كانت لا تعلم، هذا الأمر يثير غضبه منذ أيام ويجعله مشدود الأعصاب طوال الوقت، بالحقيقة هذا ما كان يتجنب محادثتها لأجله بالفترة السابقة، وجاء ما حدث لريهام وأضاف له فوق الهم همَّا.
- متخافيش محدش هيقدر يأذيكي.
أومأت بإيجاب، أيظنها تبكي خوفًا؟ هي تبكي قهرًا وحزنًا، ودت لو كان أبًا يعوضها عن والدتها كما يفترض أن يكون الآباء ولكن هذا، فهو أب بالاسم فقط، ليتابع عبدالرحمن وكأن تفكيرها كان مسموعًا له:
- أنتِ بنتي وأختي وأمي وحبيبتي وزوجتي.. مش أنتِ دائمًا تقولي لي كدا؟
أومأت بإيجاب وهي تنظر إليه للمرة الأولى فتابع بصوت ينسج من الألم قصصًا:
- متزعليش مني على اللي حصل الفترة اللي فاتت.. أنا أهملت حزنك واهتميت بوجعي وبس.. بس أنا تعبان فارحمي تعبي وكوني كويسة عشاني.
تنهدت بقوة واحتضنته هي الأخرى تواسيه بحضنها الصغير، تعلم كم أن الأمر مؤذي لقلبه، لقد كان يستشيط غضبًا كلما ضايق أحدهم إحدى بنات عمه، فماذا يشعر الآن وهذا لم يضايق فحسب بل انتهك حرمة إحدى بنات البيت بطريقه أصعب من انتزاع اللحم من الظفر!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تنهدت ريهام براحة وهي تجمع الطبق ما قبل الأخير من البائعين، لقد كانوا أفضل خلقًا من اعتقادها، فأعادوا الصحون بعدما التهموا ما فيها ولم يتبقَّ سوى واحد فقط، وهذا أمره سهل، ضيقت عينيها بشر وهي تستمع إلى صوت أواب ووالدتها ترحب به مع إظهارها التعجب من خروجه، فلم تلمح له طرفًا وهو يخرج، لا تعلم أن صهرها العزيز فرَّ هاربًا بعد جريمته المحببة إلى قلبه، دلف إلى غرفة الجلوس ليجد الأطباق فارغة على الطاولة؛ فضيق عينيه مندهشًا وسأل بخطر:
- خرجتي جبتيهم من الناس؟
هزت رأسها بالنفي، فشعر بحركتها دون أن ينظر إليها وما لبث أن تسرب صوتها إلى مسامعه:
- هما رجعوهم لوحدهم.
أومأ بفهم وأشار إلى كيس أبيض كبير يبدو أن به إحدى الكراتين قائلًا بتحسر:
- يا خسارة الصيني اللي اشتريته
شهقت باندهاش لتسأله بعدم تصديق:
- أنت اشتريت طقم جديد؟
أومأ مؤيدًا متصنعًا الخوف في محاولة منه لكسب ودها:
- أومال آجي بعد ما وزعته مع الأكل عشان تحبسوني هنا
ابتسمت بذهول فلمح ابتسامتها ليهتز قلبه بشعور يراوده للمرة الأولى، شعر أن جلوسه معها هكذا ووالدتها مختفية عن أنظارهما خطرًا فاستأذن وغادر وتركها تقص ما فعلا على والدتها بعد مغادرته؛ لينفجر قلب والدتها حبًا له، تعزم على عدم استخدام الأطباق الجديدة التي جاء بها لتأخذها ريهام في جهازها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"عادت إلى المكتبة من جديد "
صاح قلب ناصر فور أن وقعت عيناه عليها عقب دخوله إلى المكتبة، لم تأتِ منذ زمن، لمعت عيناه على يديها الفارغة من محبسها فهلل قلبه فرحًا، إذا لقد تم الطلاق كما توعدت الآخر بذاك اليوم الذي استمع إليهما به. زجر نفسه على حملقته فيها، لا يصح، كل ما يفعل منذ رآها لا يصح!
أخذ ما جاء لأجله واتجه إلى الخارج عازمًا على عدم العود إلى أن يمكنه ذلك، في هذا الوقت من المفترض أنها مازالت بفترة العدة، وما دامت تفعل فهي لا تزال زوجة لآخر وما يفعله الآن أشبه بأفعال اللصوص وهو لم يكن لصًّا من قبل. سيحلّ عنها إلى أن يمر وقت لا بأس به، وحينها يمكنه أن يخطو الخطوة الأولى في طريقه إليها كما أحلَّ الشرع.
كاد أن يمتطي دراجته إلى أن وقعت عيناه على صديقه السابق" عبدالرحمن" ذاك الذي كان أقرب الأشخاص إليه وإلى قلبه وبسبب طيشه خسره إلى الأبد، يشتاق إليه وإلى صداقته أكثر من أي شيء آخر، ود لو يأخذ رأيه بأمور كثيرة ولكن كيف؟ كيف يمكنه أن يفعل والآخر أوصد جميع طرق العودة بوجهه.
تلكأت خطوات عبدالرحمن حينما مرَّ بجانبه ليردد بخفوت وكأنه مارًّا على أحد الأغراب:
- السلام عليكم
- عليكم السلام
رد عليه ناصر مذهولًا مما وصلت إليه علاقتهما، أهذا أقرب الناس إليه! يلقي عليه السلام دون أن يقف ولو ثانية واحدة برفقته؟! ربما مع عبدالرحمن كل الحق، ولو كان بمحله لفعل المثل وأكثر ولكنه لا يستطيع تجاوز عبدالرحمن، لا يستطيع.
نظر إلى أثره وابتسم بأسف، ربما تتحسن الأمور ذات يوم ويسامحه عبدالرحمن، على الأقل لقد حدث تغيرًا ملحوظًا وألقى عليه السلام بعدما كان لا يطيق الاستماع إلى اسمه، وهذا إنجاز عظيم يحسب للآخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكاد "شمس" أن تجن من فرط ندمها، لا تعلم ماذا اعتراها بذاك اليوم لتنطق بهذه الحماقة التي فعلت، كيف تظهر له غيرتها بهذه الطريقة؟! كيف؟! أليس من المفترض أن تعاقبه على ما أجرم بحقها؟! لقد لطمها بكامل قوته دون أن يعبأ بأن الضرب بعرفها محرم، كيف له أن يضغط على نقطة ضعفها وسبب آلامها بهذه الطريقة الفجة؟! وماذا فعلت هي بعدما اعتذر لها عدة مرات؟! سامحته! بل أظهرت غيرتها وبكت على أطلاله أمامه! والأسوء تلك الكلمات التي نطقتها بعد ذلك ليتجاهل كلامها بكل برود كما فعل، يا الله، تتمنى لو يعود ذلك اليوم وتتصرف كما المفترض أن تفعل شمس الجديدة التي باتت عليها.
ولكن لا بأس ستفعل، تعلم أن والدتها ستذهب إلى منزل جدها بعد قليل وعليها الذهاب للمباركة على زواج أواب، سترافقها وتظهر إليه أن ما حدث كان بضعف منها، وأنها باقية على عهد القسوة لن تميل عنه.
ساعتان وكانت برفقة العائلة تتابع تحركات الجميع للتجهز لحفل عقد قران أواب، فنهضت هي الأخرى ووقفت أمام المرآه الطويلة ببهو المنزل تمرر نظرها على هيئتها، تأملت نفسها قليلًا بفستانها السماوي وحجابها الأبيض قبل أن تفتح حقيبتها الصغيرة البيضاء وتخرج منها قلم من الكحل الأبيض تمرره على جفني عينيها ليزيد من هيئتها بهاء.
تلكأت يديها وهي ترسم عينيها لتتذكر تغزله بها بإحدى المرات " وجود الكحل على عينك عامل زي وجود الحور في الجنة"
نفضت عن رأسها همسه الذي تتذكره وكأنه فعل البارحة، وتابعت ما تفعل لتراه خارجًا من غرفته عبر المرآه، حبست أنفاسها انبهارًا بهيئته بذاك القميص الأسود والبنطال الرمادي، بينما خصلات شعره الفحمية الناعمة التي تستفزها يتساقط بعض منها على جبينه.
ماذا تفعل بحق الله؟ فاقت من شرودها وتابعت ما تفعل بينما قلبها يردد بغيرة لم تكن تشعر بها حينما كان يخصها؛ لمَ عليه أن يكون جذابًا إلى هذه الدرجة؟!
دلف إلى غرفة الجد يساعده في ارتداء ملابسه ويرى إن كان أواب المتواجد بالداخل بحاجته، ليشغل عقله بشيء غير فكرة إرغامها على مسح عينيها التي تطفو فوق سطح عقله، كم أخبرها أنه لا يحب أن يرى الكحل على عينيها سواه فلمَ تعاند الآن ولا تنفذ الكلام دون حرقة قلب؟!
تنهد بقوة وأطلق صفيرًا عاليًا بشكل مرِح وهو يتأمل أواب بطلته الجديدة، فالشيخ أوَّاب تخلى عن جلاليبه واتشح بقميص أبيض وبنطال من الجيز جعلا طلته مبهرة، ملفتة لمن يعلمه، حدجه أوَّاب بضجر يخفي خلفه حياءه فصاح مهدي مازحًا:
- كدا العروسة هيغم عليها يا عمّ.
ابتسم دون حديث ليقترب منه مهدي ويعانقه بودٍّ قائلًا وهو يربت على ظهره:
- ألف مبروك يا حبيبي.. ربنا يرزقك خيرها
ليجيبه أواب بنظرة ذات معنى:
- الله يبارك فيك.. عقبالك
صمت وكأن عقله عجز عن أي شيء يخص زواجه مرة أخرى، لينظر الجد وأواب إلى بعضهما بقلة حيلة قبل أن يتمتم مهدي وهو يخرج من الغرفة:
- هستناكوا برا.. جبت عربية هلال صاحبي عشان تكون مع العربيات الموجودة لو احتاجتوا حاجة.
أومأ أواب بإيجاب، ليمر مهدي على تلك التي لم يعطِها تجاهله الفرصة في إثبات عدم أهميته، ثم وكيف ستثبت شيئًا غير موجود من الأساس؟!
نظرت إلى أثره بحنق، وانتظرت عدة دقائق إلى أن اجتمعت جميع أفراد العائلة وخرجوا ليتخذ كل منهم مكانه إلى أن جذبتها والدتها وصعدت بها إلى السيارة التي يقودها مهدي.
تضايقت من والدتها التي تجرها جرَّا إليه، بدأت السيارات في المغادرة إلى أن لمحت والدتها خالتها فأشارت إليها تصيح :
- تعالي اركبي معانا.
لتجيبها خالتها:
- أنا قاعدة هنا مع أم العريس تعالي أنتِ عشان نفرحها شوية في مكان هنا.
برقت الفكرة برأس أمها وخرجت من السيارة التي لم تكن تحركت بعد لكونها في آخر الصف تاركة تلك التي فتحت شفتيها على وسعهما من أثر الصدمة.
شرعت في فتح الباب هي الأخرى لتلحق بوالدتها إلا أن ذلك الذي تحرك بالسيارة أعاق نزولها فصاحت بضيق:
- اقف لو سمحت.. عايزة أركب مع أمي
ليأتيها صوته الغير مبالي:
- مفيش مكان هناك هو مكان واحد.. اركبي معاها وأنت راجعة.
زفرت بضيق من الوضع برمته، تعلم أن والدتها تعمدت تركهما بمفردهما ولكن لم يكن يصح هذا الوضع، لا تحبذ خلوتهما هذه وإن كانت في سيارة مفتحة من جميع النواحي.
انشغلت بمتابعة السيارات والمحالِّ التجارية متجاهلة، وفعل المثل هو الآخر ليصدمهما معًا صوت أحد سائقي السيارات يغازلها بطريقة مقززة:
- الأبيض على الأسد بيمنع الحسد.
صدمت من صوته القريب الذي صدح في السيارة وكأنه جالسًا برفقتهما فانتبه مهدي ينظر إليها من مرآة السيارة ليتأكد من أن الحديث موجه إليها وما لبث أن جنَّ جنونه وهو يحاول أن يبحث عن أقرب طريق ليدير السيارة ويلحق بذلك الذي تجرأ وفعل.
شعرت شمس بما ينوي فعله لتسأله بقلق:
- أنتَ بتعمل إيه
تجاهل سؤالها وهو يميل يمينًا ليستطيع الاستدارة فصاحت بخوف:
- أنت رايح فين.. هما راحوا من الناحية التانية
تجاهلها وهو يسب الطريق المزدحم الذي يعيق حركته ويجعله عاجزًا عن الالتفاف والسير بطريقة مخالفة فصاحت تحثه:
- الطريق زحمة وعمرك ما هتعرف تلف.. وبعدين أنتَ بتعمل إيه هتمشي ورا سواق؟! أنتَ مجنون؟
لاحظ ارتجاف جسدها وارتعابه، فشرع في متابعة باقي عائلته خاصة وهو يعلم جيدًا أنه يستحيل عليه اللحاق بالسائق، فتابعت شمس وهي مازالت عاجزة عن استدراك أنه تجاهل متابعة الآخر:
- متمشيش وراه أرجوك.. على الأقل وأنا معاك.
أشفق قلبه عليها، يدرك جيدًا ارتعابها من اي شيء يؤدي إلى أفعال العنف فنطق بحنان لم يقدر أمام مظهرها سوى أن يتحدث به:
- متخافيش يا بابا.. مش رايح وراه
تنهدت براحة، استنشقت نفسًا عميقًا واتخذت الصمت مذهبًا إلى أن وصلا إلى منزل العروس فأسرعت تنزل من السيارة لتلحق بباقي نساء العائلة وتسير جوارهم.
دقائق مرت تعارف فيها باقي أفراد العائلتين على بعضهما إلى أن شرع المأذون في عقد القران فصمت الجميع استماعًا إليه، عُقد القران في جو عائلي رائع إلى أن تعالت صيحات الجميع يرددون خلفه
- بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.
تسارعت دقات قلب ريهام مع العبارات الداعية، ودت لو كانت فرحتها به كاملة، فشخص كأواب جاء وكأنه فُصِّل على أحد أحلامها، لم تتمنَّ يومًا من هو أفضل منه، فهو الأفضل وإن كان بنظرها فقط، تمنت لو تكافئه بشيء غالٍ لديها ولكن بماذا تفعل وقد سلبت من أعزّ ما تملك.
تمتمت هي الأخرى خلف المأذون وسالت دموعها رغمًا عنها وهي تتأمل الحضور، لتستفيق على مغادرة المأذون بعدما لملم أوراقه برفقته بعض الرجال ولم يتبقَّ سوى المقربين، انتظر الجميع منه أن يقترب ليعانقها أو يفعل كما المعتاد ولكن وحدها من كانت تعلم أنه لن يفعل، فإن كان صادقًا فيما أخبرها به عن نفسه فلن يقدم على فعل كهذا أمام هذا الجمع من الناس، بل هو شخص يحجمه الحياء، وكم يروق لها حياء هذا الرجل الذي بات يخصها