
رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل السابع7 بقلم سميه رشاد
صمت عمَّ لمدة دقيقة، لم يكن يتوقع أبدًا أن تقص ما حدث أمامه هكذا منذ اللقاء الأول، آخر ما خطر بفكره أن تعترف بحادثتها بهذه البساطة، عفوًا كلماتها التي شعر بها تثقل لسانها وتحارب أعماقها لم تخرج ببساطة، عيناها اللتان تصارعان وحوش الانكسار لم تجعلا الأمر يخرج ببساطة، أنفاسها التي ارتفعت وكأنها صعدت لتوها إلى الطابق العشرين أخبرته بما تعانيه كلما تذكرت الأمر.
ليأتيها ردُّه القوي وعيناه لا تحيدان عن وجهها:
- وإما أنتِ فعلًا شايفة إنك ضحية ليه رافضة الزواج؟ أدام عارفة إنك مأذنبتيش بتسمحي لنفسك تخافي من المجتمع ليه؟
صدمها رده الغير مبالي بمصيبتها التي ألقتها عليه منذ ثواني وكأنها أخبرته بمشكلة عادية، توقعت منه أن يثور وينطلق مغادرًا بعائلته ولكن ماذا يفعل هذا الرجل؟ أيناقشها وكأنه لا يبالي؟! لتسأله باندفاع:
- يعني عايز تفهمني إنك شايف الموضوع عادي؟ مش فارق معاك تتجوز واحدة أنت مش أول راجل في حياتها؟
أغضبه حديثها المهين له، فحديثه صور لها أنه لا يعبأ بشرف ولا عرض، ولكن وارى غضبه خلف أبعد نقطة بصدره ممكن أن تطالها، منذ قراره بالزواج منها يعلم أنه سيعاني، وأنه سيتعامل مع امرأة محطة الروح مريضة النفس والقلب والمريض لا يلام. فنطق يجيب على سؤالها:
- متقولنيش كلام مقولتوش.. الموضوع مش عادي ولا عمره هيكون عادي.. مش فارق معايا اللي حصل لك ما دمتِ مجبرة، ربنا سبحانه وتعالى في الأحكام رفع الحكم عن المجبر، في الطلاق رفعه عن المجبر موقعش الطلاق.. في القذف مش هيتحقق عقوبة لو مجبر.. لو واحد شرب خمرة مجبر مش هيتحاسب وأنتِ كذلك.. فربنا مفرضش عليكي عقوبه بالعكس ليكي حق عند شخص وهتاخديه بإرادة ربنا وغصب عن أي حد.. فأنا مين عشان أعاقبك؟! حتة بقا أول راجل والكلام دا فأنا واثق إني أول راجل..
أراد أن يخبرها بأن الأولية لا تكون بعلاقة جسدية دون حلّ أو عاطفة كالبهائم، الأولية تكون بأشياء أخرى ارتأى عدم التحدث عنها الآن، تأملها ليرى وقع حديثه على وجهها فوجد نظراتها تائهة، مشتتة فأشفق عليها وسألها بصوت حاول إصباغه بالمرح:
- وبعدين أنت مش عايزة تعرفي حاجة عني؟
لتجيبه باندفاع:
- ملوش لزوم
من ردها البسيط أدرك أن طريقه معها طويلًا، لم يخطوا الخطوة الأولى منه بعد، فأضاف متجاهلًا جملتها وكأنه لم يفهم ما رمت إليه:
- أنا أوَّاب أكيد سمعتي اسمي وأعجبتي بيه أول ما سمعتيه زي حال كل البنات.
استفزَّها بحديثه ولكنها لم تنطق فتابع:
- كنت خاطب قبل كدا ومحصلش نصيب
أثار فضولها وتمنت لو قصَّ السبب على مسامعها ولكنه لم يذكر أكثر مما ذكر وهو يتابع:
- حاجة واحدة حابب أنبه عليها وهي إن هنلتزم بضوابط الخطوبة ومفيش أي تجاوزات في فترة الخطبة.
لتندفع مجيبة:
- هو أصلا دا المفروض من غير تنبيه مفيش كلام غير لضرورة وعلى فكرة أنا كنت لابسة خمار بس من يومين بالضبط قررت ألبس النقاب..
شعرت بمدى غبائها على ما تفوهت به من أحلام الماضي، مالها تحدثه وكأن أمر الخطبة سيتم بينهما، أليست هي من كانت تتغنى برفضها للزواج قبل قليل.
أبهج قلبه حديثها الذي أشعره بكونها متدينة وفق ما يريد، فقط يتمنى لو كانت صادقة، ربما هيئتها المحتشمة الآن ورداءها بالمرة الأولى التي وقع نظره عليها بها يدلان على صدقها، فقد كانت بذاك اليوم ترتدي إدناء يصل إلى ركبتها من فوقه خمار صغير وقفازات سوداء تزين يديها فأشعره ذلك بتدينها ليراوده بعض القلق قبل أن يسألها:
- يعني مش هتعاتبيني يوم لو التزمت بالضوابط كأننا مش مخطوبين؟ مش هتتضايقي إن فترة الخطوبة تضيع عليكي؟
فأجابته بحمائية:
- هتضايق فعلا لو عملت العكس.. معنديش استعداد أغضب ربنا لحظات قصيرة وأعيش حياتي بعدها في جحيم.. قبل أي تصرف هضع ربنا أدام عيني حتى لو ضعفت في لحظة المفروض أنك تفوقني والعكس..
كلماتها أحيت بعض الأمل بقلبها قبل أن تفعل بقلبه هو، تستعجب من لسانها الذي يتحدث وكأن الأمر بينهما طبيعي، وكأنها لم تعترف له قبل لحظات بأنها فتاة منتهَكة، ابتسمت في داخلها على مدى سخافتها، تعلم أن حديثه معها الآن ليس إلا كلمات يحاول بها تجنب إحراج نفسه وأنه إن خرج الآن فلن يعود بقدم ولا خبر. ليوقفها ردَّه الذي أفاقها من شرودها:
- أنا بقا مش هضيع عليا حاجة.. استعدي للجاي عشان هيكون أقرب مما تتخيلي.
ولم يكد ينهي جملته حتى وجد خالها وباقي العائلة يعودون للجلوس برفقتها من جديد فتناولوا عبارات قليلة قبل أن ينصرف أهل العريس بينما عينيّ ريهام لا تنفك عن النظر إلى ذاك الكأس الذي ارتشف كامل ما فيه رغم ملوحته.
ـــــــــــــــــــــــــــ
- أنتِ طالق
وقعت الكلمة كالجمرة المحترقة على قلب عبير، تمنت هذا الطلاق منذ اليوم الثلاثون بعد زواجها، لم تكن تريد شيئًا أكثر منه بعدما تيقنت من أن زوجها الذي حاربت الجميع لأجله لا يتناسب معها فكريًا ولا من أي جهة، كم كانت حمقاء حينما انساقت خلف أحلام المراهقة وتزوجت رجلًا صعيدي الأصل يكبرها بأعوام كأبطال الروايات لتنصدم بواقع أليم لا علاقة بينه وبين عشق الروايات الخادعة التي كانت تقرأها. ولكنها بالنهاية تأثرت بالطلاق رغم تمنيتها له، فمن يتمنى أن يمر بهذه التجربة المريرة ويتلظى بنيرانها؟!
تأملت طليقها الذي تعلمه جيدًا وتعلم كم يجاهد الآن لكي لا يفتك بهم جميعًا، لم يكن للطلاق أحرف بقاموسه، فقد أخبرها ذات مرة أنه لن ينفك عنها إلا بزواجٍ ثاني ويهجرها هي أو بقتلها إن فعلت ما يجلب العار له، ولكنها تعلم أيضًا أن والدها ليس برجلٍ هين، وأنه أجبره بطريقة ما على الرضوخ لطلبه، ربما ماطل في الأمر وطلقها طلقة واحدة رغم أن والدها أجبره على تطليقها بالثلاث طلقات ولكن لا يهم، فهي لن تفكر لحظة واحدة في الرجوع إليه وهو لن يتجرأ ويفعل ما يثير غضب أبيها.
فاقت من شرودها على كلمة أبيها المعاتبة بعد مغادرة الجميع:
- أتمنى تكوني ارتاحتي..
رفعت عينيها إليه، خشيت أن تصطدم بنظرة شماتة واحدة، ولكنها لم ترتطم سوى بأمواج عاتية من الحنان أغرقتها بداخلها، ربما شاب تلك الأمواج بعض من العتاب الذي ترامى على الشاطىء ولكن ألا يحق له معاتبتها بعدما باتت مطلقة بسبب معارضتها له؟
نهضت واقفة وسرعان ما ارتمت بداخل أحضانه تختبيء من ظلمات العالم وقسوته، فأغدق عليها بفيض حنانه، وأغرقها حتى كادت أن تطفو فوق سطح الإشباع.
ــــــــــــــــــــــــــ
خفضت شمس أنظارها إلى هاتفها تتصنع الانشغال به فور خروجه من غرفته ليلتحق بباقي العائلة الذين انتشروا يتحدثون بأحاديث عائلية شيقة، تجاذبوا أطراف الحديث إلى أن خاضوا في الحديث عن خطبة أواب الوشيكة ليرتفع صوت الجدَّ وهو يربت على كتف مهدي الجالس جواره يصمت يرافقه كلما استيقظ من نومه إلى أن يألف الأجواء:
- عقبالك يا مهدي.. هتكون فرحتنا بيك كبيرة
قابله الآخر بالصمت الذي ما زال يتشح بثوبه، فكانت والدته أول المتحدثين وهي ترمق شمس بشماتة وكأنها ترد اعتبار ولدها:
-قريب إن شاء الله.. قريب أوي.
انصدم الجميع من جملتها التي يعرفون ما يكمن خلفها جيدًا، حتى ولدها الذي تتحدث عن قرار مهم بحياته فجيءمن قولها، ليرمقها بعتاب التقطته تلك التي فهمت نظرته بطريقة أخرى، اكفهر وجهها بشدة وهي تعتقد أنه يفعل لعدم رغبته في إفشاء أمر خطبته الوشيكة أمامها، تصنعت عدم الاهتمام لخمس دقائق، فقط خمس دقائق ما قدرت على التحمل بهن قبل أن تنهض مغادرة بعدما ودعت جدها الذي عمق نظرته إليها بطريقة جعلتها تشيح بوجهها وتهرب مغادرة، تاركة والدتها التي أخبرتها بأنها ستتبعها لاحقًا.
دمعة حارقة ثارت بها عينيها فور خروجها من باب البيت، فرفعت أناملها وأزالتها بعنف، لمَ تشعر بألم مميت يستقرّ بقلبها الآن؟ أليست هي من أرادت الابتعاد وترجته ليفعل طوال الأشهر المنصرمة؟
دمعة أخرى تبعت سابقتها لتيأس من إيقاف الدموع فتركتها تهرب من حصار عينيها لعلَّ ذاك الثقل يخف قليلًا فتستطيع تحمله. انتبهت إلى توقف إحدى النساء أمامها تراقب دموعها باستفهام وفضول، فكففت دموعها وانتقلت لتجلس في تلك البقعة الفارغة من البشر، البعيدة عن منزل جدَّها إلى أن تستطيع السيطرة على أعصابها والتحكم بدموعها التي تعاندها وتعلن استسلامًا بالوقت الغير مناسب.
وضعت وجهها بين كفيها باطمئنان، فهذه المنطقة لا يرتاد عليها سوى القليل لتستمع إلى أصوات قادمة تجاهها، لم ترفع عينيها لترى القادم، فبالطبع سيكون أحد المارة وسينصرف عمَّا قليل ولكن أجفلها ذاك الصوت الخشن الذي تعرفه أكثر من اسمها:
- إيه اللي مقعدك في المكان دا؟!
لا، بالطبع هي في كابوس وستصحو منه الآن، فحظها ليس بالسيء إلى هذه الدرجة التي تجعله يراها تبكي على أطلاله لمجرد الإشارة إلى خطبته بينما لم تعرف الدموع طريقًا لعينيها بذلك اليوم الذي أطلق فيه رصاصة الطلاق على قلبها. استعجبت من قلبها، لمَ تبكِ الآن، أهي باتت من أولئك الذين لا يدركون قيمة النفائس سوى بضياعها؟! أحقًا أضاعته؟ لمَ عقلها اللعين يختطف لحظات من ماضيها معه وذكرى ذاك اليوم الذي أصابتها السكين وتقاطرت الدماء فيه تلوح على عقلها، يا الله! كم كان حنونًا حينما مسد أناملها بلطف وأغرقها بإحدى العقاقير، وظل ليلتان كاملتان يسألها ليطمئن على الجرح الذي يصيبها مثله في اليوم أكثر من مرة كلما دلفت إلى المطبخ وأعدت الطعام!
وروده الحمراء التي نثرها على فراشها بذاك اليوم الذي عقدا فيه قرانهما لتشبه الأميرات؛ تبرق في عينيها الآن، ورائحتها الآخاذة تزكم أنفها. مواقف أخرى كثيرة تطفو على عقلها منذ أغضبته ببيت أبيها بينما قلبها كان يتوسل لتلك المواقف أن تبدو حينما أصرت على هجره، ولكنها أبت أن ترحمهما.
فاقت من شرودها على يده التي تجذب يدها لتبعدها عن وجهها بعنف بعدما اعتقد أنها غائبة عن الوعي من كثرة ما تلفظ باسمها فدفعت يده وصاحت بعنف:
-متلمسنيش
انتظرت تلك النظرة اللائمة التي كان يسددها إليها كلما ذكرته بأنه صار أجنبيًا عنها ولكن لم يقابلها سوى الجمود وهو يتلفظ بغلظة:
- قلت لك ألف مرة متجيش هنا تاني الطريق دا مش أمان مفيش فايدة!
يا الله حتى في عتابه يحنو على قلبها ويخشى عليها، فنطقت بما لم تتوقع يومًا النطق به:
- أنتَ ملكي أنا يا مهدي.. ملكي أنا وبس
ــــــــــــــــــــــــــــ
كما وعدها أن القادم أقرب مما تتخيل ها هو الوعد يتحقق، وهما الآن ذاهبان برفقة العائلتين لانتقاء ذهب العروس، لا تدري كيف تمَّ الأمر بهذه السهولة، فقد أخبرتها والدتها أن والدة أواب اتصلت باليوم الثاني من مجيئه وأخبرتها بموافقتهم فتسرعت أمها وردت بالموافقة هي الأخرى دون أن ترجع لابنتها، ولمَ سترجع والقرار قرارها ورأي ريهام لن يهم في جميع الأحوال؟
تتذكر كيف جاء جده قبل يومين واتفق مع عمها الذي استعجب خطبتها بطريقة بدت للعيان، اتفق جده مع عمها وخالها على جميع الاتفاقيات التي تخص الزواج من مهر وفرش وغيرهم، وكان اليوم هو ما اتفقوا عليه لشراء الذهب، وها هي تقف خلف والدتها للاختيار بينما هو يقف متقدمًا يتحدث مع البائع بشأن ما يريدون.
انكمشت في خجل وهي تقف أمام عدة علب تحتوي كل واحدة منهم على" اسورة، خاتم ودبلة" لتختار منها، تقدمت شقيقته غالية لمساعدتها بعدما أدركت خجلها واختارت الأرقّ وخيرتها بين بعضهم فرمقتها ريهام بامتنان ونطقت بخفوت:
- كل اللي اختارتيهم حلوين والله.. أرجوكِ اختاري أنتِ ذوقك حلو.. أنا محرجة أوي.
أومأت إليها غالية بتفهم جعل الراحة تتسلل إلى قلب ريهام تجاهها واختارت اثنين فقط لتسألها ولكن أبدت الأخرى حيرتها بين الاثنين فنادت غالية شقيقها بمشاكسة:
- ما تيجي يا أستاذ أوّاب تختار معانا بدل ما احنا محتارين كدا.. ولا أنتَ متقربش للعريس؟
ابتسم إليها بحنان وتقدم بوجه يعلوه الحياء، تمعن قليلًا إلى أن أشار إلى أحدهم قائلًا بهدوء جعل دقات المستمعة إليه تتعالى بحدة:
- أعتقد دا يليق بيها أكتر
غمزت له شقيقته بشقاوة فحدجها بحدة غيرة عليها من انتباه الرجال الواقفون لمرحها، فتمتمت بغيظ لم يصل إليه:
- خلاص يا عم اللاه.
ابتسمت ريهام التي التقطت عينيها ما حدث لينتهوا أخيرًا من الشراء ويغادر الجميع إلى منزل العروس لتلبيس الذهب، فقد أصرَّت ريهام ألا تقيم حفلًا فاكتفى العائلتين بتلبيس الخواتم في جو عائلي هاديء لم يحضره سوى من حضر بيوم أن تقدم لخطبتها بالإضافة إلى أحد أعمام العروس، دنيا صديقتها، وشقيقة العريس وعمته فقط.
جلس الجميع بجو عائلي رائع إلى أن تحدث الجد الذي استقبل إشارة حفيده قبل أن ينطق بهدوء:
- إحنا عايزين نكتب الكتاب الجمعة الجاية