
لو احتجتي أي حاجة خلال التدريب… أي حاجة عايزاها عرفيني. المكتب بتاعي مفتوح، تمام؟"
آدم وتقف قدّام ليلى بابتسامة خفيفة متفحصه، ونبرة هادية متعمدة كإنه بيحاول يطوّل الموقف:
ليلى ابتلعت ريقها بتوتر، وضحكت بتوتر:
ـ "لأ… متشكرة جدًا يا بشمهندس، أنا تمام والله."
هو هز راسه ببطء، ونظراته نازلة على إيديها… عينه على صوابعها الفاضية، لا دبلة ولا خاتم. رجّع عينه عليها تاني بابتسامه انتصار… نظرة معناها "حلو اوي، يعني مش مرتبطة".
ـ "طيب… عن إذنك يا ليلى."
قالها ومشي وليلى وقفت مكانها ثواني، قلبها بيخفق بقلق… رفعت موبايلها بسرعة. الشاشة نورت.
المكالمة اتقفلت.
نَفَسها اتقطع في لحظة.
ـ "يا رب يا رب يكون قفل قبل ما الزفت ده يتكلم… يا رب."
إيدها اتعصرت على الموبايل، وهي بتحارب الإحساس اللي بيقولها إن يحيى… سمع.
وفي اللحظة دي، وصلت ضحى وهي شايلة عصير وقالت بمرح مش واخدة بالها من حاجة:
ـ "يلا نرجع للشركة؟"
لكن ليلى كانت وشها شاحب… وكل تفكيرها في ردّ فعل يحيى.
__________________________________
في شركة الريان جروب
لين كانت واقفة عند الطابعة، بتحاول تطبع ملفات الاجتماع… وإيديها بتترعش شوية من التوتر.
الماكينة علّقت كالعادة، وهي برطمت بغضب:
ـ "الطابعة دي لازم يعلقوها ف المتحف، قديمة جدا من عصر الفراعنة."
وهي بتحاول تفك الورق… فجأة حسّت بظل حد واقف وراها.
(عرفتو مين طبعا ما احنا خلاص اتعودنا )
صوت ريان، هادي… بارد… بس له نبرة بتخلّي قلبها يتلخبط:
ـ "إنتي هتفضلي تحاربي في الطابعة ولا أساعدك؟"
لين اتفاجئت… لفت بسرعة:
ـ "لا لا… خلاص هتزبط اهيه…"
قبل ما تكمل، ريان مد إيده فوق إيدها…
ضغطة بسيطة على زر
صوت الطابعة اشتغل.
ـ "هتتزبط اه… بس مش منك."
قالها بهدوء… وفي نبرة كده مش عارفه هل بتتريق؟ ولا بيتمايل عليها؟
عنيها اتسعت بتوتر من لمسة ايده العفوية وقالت:
ـ "حضرتك شايف إني مش فاهمة ولا إيه؟"
هو بصّ لها… بصة طويلة، أقرب لبسمة مش ظاهرة:
ـ "شايف إنك… بتتعصّبي بسرعة. وده مش مناسب لو عايزة تفضلي هنا."
لين اتشدّت:
ـ "يعني بتهددني؟"
ريان قرب منها خطوة…
خطوة واحدة بس… لكنها كفيلة إن نفسها يتلخبط.
ـ "لا… بعلّمِك بس يا برتقالة."
سكت ثانية،مش فاهمة ايه اللقب اللي بيناديها بيه ده
وسألته باستغراب : ليه علطول بتقولي برتقالة ؟!
وأول مرة… عين ريان نزلت على شَعرها اللي وقع على خدّها، وبهدوء مد إيده وعدّله للخلف بدون ما يلمسها لمس صريح… لكنها حسّت بيه.
ـ "عشان بتفكريني بالبرتقال."
وبعدين قال بهدوء جامد وكإنه مش نفس الشخص اللي كان بيتكلم دلوقتي :
ـ "عندك اجتماع معايا بعد نص ساعة. حضّري البرزنتيشن."
لين اتفاجئت:
ـ "أحضّره إزاي مش هلحق أكيد ؟!"
ريان بصّ لها بتركيز… نظرة صريحة:
ـ "لا هتلحقي… وكمان عايز أشوف إنتي قدّ إيه شاطرة
لين وشها احمرّ، بس بسرعة غطّت ده بضيق:
ـ "تمام… هجهّز اللي أقدر عليه."
__________________________________
قصر الصياد – جناح عمر وعائشة
الشمس كانت داخلة من فتحة بسيطة في الستارة، ناعمة ودافية.
عائشة رمشت بعينيها مرتين، وبعدين فتحتهم فجأة…
إحساس غريب من النشاط والراحة لأول مرة تحسه من شهور. نومها كان عميق، أعمق من أي ليلة فاتت.
لكن أول ما وِعت بالكامل…
اتجمدت.
كانت جوه حضن عمر.
إيده ملفوفة حواليها كأنه من زمان ماسكها كده… وصدره بيطلع وينزل بهدوء جنب ودنها.
قلبها خفق فجأة، مش خوف… لكنه ارتباك، إحساس مش عارفة تصنّفه.
عائشة (بصوت واطي جوّا عقلها):
أنا… إيه اللي جابني هنا؟
حاولت تتحرك ببطء، بس أول ما هزّت نفسها شوية…
إيده شدّت عليها من غير ما يقصد.
عمر، بنبرة مبحوحة من النوم ومغمض عينه:
ـ خليكي في حضني شوية.
صوتُه خبط جوّاها، جمّدها في مكانها.
قلبها يدوّي، نفسها يتلخبط.
عائشة همست بخجل وهي تبص بعيد:
ـ عمر… سيبني، عايزة أقوم.
الكلمة خبطت أذنه، ففتح عينه ببطء…
ثانية واحدة كان لسه تايه بين النوم والصحيان،
والثانية اللي بعدها… استوعب الوضع.
نظرته اتغيرت.
شدّة إيده عليها تراخت فورًا، وبعدها سحب نفسه بسرعة، وقعد مسند ضهره على السرير وهو يمسح على وشه بيده كأنه بيحاول يفوّق فجأة.
عمر (بنبرة فيها ارتباك خفيف مش متعوّد عليه):
ـ آسف… مكنتش واخد بالي.
عائشة، وهي بتقعد على طرف السرير بعيدة شوية ووشها احمر، ردت بصوت واطي:
ـ تمام محصلش حاجه.
صمت خفيف سيطر على الأوضة، صمت غريب مش مزعج، لكنه مليان إحساس ملخبط.
عمر أخذ نفس طويل، وبنبرة هادية وهو بيعدل شعره بإيده:
ـ امبارح كنتِ تعبانة… ونمتِ بسرعة.
وقف وبص ناحية الأرض لحظة قبل ما يكمل:
ـ واضح إني… نمت جنبِك من غير ما أحس.
عائشة هزّت راسها بالإيجاب وهي مش عارفة تبصله، صوتها مختنق من الخجل
هو بص لها ساعتها… نظرة سريعة، بس كانت كفاية تقول إنه مش قادر يحدد هو مستغرب؟ ولا مرتاح؟ ولا خايف يكون دا بداية مشاعر هو مش جاهز يعترف بيها.
بعدها وقف وقال:
ـ هدخل أخد شاور… ولو محتاجة أي حاجة قوليلي.
ودخل الحمّام وهو بيقفل الباب وراه بهدوء…
وساب عائشة قاعدة مكانها، حاطة إيديها على قلبها اللي لسه بيخبط،
ومش عارفة هل الخضة من الموقف…
ولا من عمر نفسه ؟
_________________________________
مكتب الأمن
الهدوء كان مسيطر على المكان، صوت أجهزة السيرفر هو الوحيد اللي مالي الجو.
يحيى واقف ورا زين، إيده متشابكة وملامحه فيها قلق مكتوم.
يحيى:
ـ قولّي… في أي جديد؟
زين شد نفسه على الكرسي وبص للشاشة قدامه:
ـ دورت في كل اتجاه ممكن يا يحيى… بس الرقم ده مش طبيعي. مش رقم عادي أصلاً.
يحيى:
ـ يعني إيه مش طبيعي؟
زين:
ـ يعني… واتساب بيظهر إنه رقم، بس في الحقيقة ده مش خط موبايل. ده Virtual Number… معمول من سيرفر برا مصر أصلا، ومحدّش يقدر يتتبّعه بسهولة.
يحيى رفع عينه عن الشاشة ونفَسُه بقى أثقل:
ـ يعني مش عارفين نعرف مين اللي بعت الصورة؟
زين هز رأسه بنبرة استسلام:
ـ لحد دلوقتي… لأ.
اللي عامله ده حد فاهم. ماغلطش ولا غلطة… مش سايب أي أثر وراه.
يحيى لف ضهره ومسك صدره بإيده، زي اللي بيحاول يهدي غضبه:
ـ يعني حد متابع ليلى… وبعتها لها من غير ما يسيب دليل.
زين بصله بنظرة فيها تفهّم:
ـ أنا مش بقول إننا خلاص… بس محتاجين حاجة تانية، أي خيط تاني نقدر نبدأ منه. الرسالة لوحدها مش كفاية.
يحيى رجع بصله:
ـ هنلاقي… غصب عنه.
وبعدين أضاف بصوت أخف بس فيه تصميم:
ـ محدش يقرب من ليلى ويمشي كده.
زين أومأ:
ـ سيبها عليّا… هافضل ألفّ حوالين الرقم ده، يمكن يبان له أثر مهما كان ضعيف.
يحيى بصلّه شوية… وبعدين قال:
ـ لو لقيت أي حاجة، حتى لو صغيرة… كلّمني فورًا.
زين:
ـ حاضر… وأوعدك إن الموضوع مش هيعدّي كده.
_________________________________
قصر الصياد – مساء دافئ
ليلى دخلت من بوابة القصر وهي بتبص حوالينها بسرعة.
أول حركة عملتها إنها تبص على الجراج.
عربية يحيى مش موجودة.
تنفّست براحة…
ـ الحمد لله، لسه ما رجعش.
دخلت الصالون بخطوات هادية،
ولقت عائشة قاعدة على الكنبة… لافّة الشال الخفيف حوالين كتفها.
أول ما عائشة شافت ليلى…
ابتسمت ابتسامة بريئة وخجولة.
ليلى بابتسامة واسعة:
ـ إزيك يا عائشة؟ أنا عارفة إننا متعرفناش .. أنا ليلى… بنت خال عمر ومرات يحيى.
عائشة باحترام:
ـ اهلا بيكي
… أنا عارفة إنك مرات يحيى… خصوصًا لما سحبك امبارح على جناحكم أول ما وصلنا.
ليلى وشّها احمرّ فجأة لدرجة حسّتها سخونة:
ـ يا نهار… إنتِ شوفت
بس بعدين غيرت الموضوع و مسكت إيد عائشة وقعدوا مع بعض:
ـ بصي يا حبيبتي… من النهاردة إنتِ مننا
إحنا خلاص بقينا عيلة… وهتقعدي معايا ونبقى صحاب كمان ، ولما لينا تيجي هتتعرفي عليها… هتحبيها.
عائشة ابتسمت بابتسامة فيها امتنان حقيقي…
كانت بتسمع كلمة "عيلة" لأول مرة وهي مش بتوجع…
عائشة:
ـ أنا أول مرة أحس إني… مش لوحدي.
ليلى بحنية وهي تبص لها من فوق لتحت:
ـ على فكرة… شكلك صغير أوي. عندك كام سنة؟
عائشة:
ـ ١٨… في تالتة ثانوي.
ليلى فتحِت بقها بصدمة خفيفة:
ـ بسم الله ما شاء الله؟! ركزي فى مذكرتك… ولو احتجتي أي حاجة أنا موجودة.
عائشة هزّت راسها بخجل.
ليلى سألتها:
ـ انتي علمي علوم ولا رياضة؟
ـ علمي رياضة.
ليلى وهي بتضحك:
ـ طب يا شيخة! ده جوزِك مهندس
ولينا كمان مهندسة!يعني متشليش هم المذاكره
عائشة فتحت عينيها بدهشة:
ـ هو عمر خريج هندسة؟!
ـ أيوه يا ستي.
بس بقى ليه مش بيشتغل مهندس؟ معرفش.
البركة فيكي بقى… يمكن تخليه يرجع
كانت ليلى وعائشة لسه بيكملوا ضحك خفيف، الجو بينهم بدأ يبقى دافي ومريح…
لحد ما باب القصر اتفتح بعنف بسيط.
خطوات ثابتة… تقيلة…
ريحة البرفان اللي ليلى حافظاه كويس.
يحيى دخل.
عينه لفت على المكان بسرعة، لحد ما وقعت على ليلى.
مفيش ابتسامة…
ملامحه جامدة، وفيها توتر صامت مش مفهوم.
ليلى بلعت ريقها، قلبها ضرب خبطة.
عائشة باحترام:
ـ حمدالله على السلامه يا أستاذ يحيى.
يحيى رد عليها بهدوء :
ـ الله يسلمك يا عائشة
وبعدين…
من غير كلمة زيادة، مدّ إيده لليلى.
ـ تعالي عايزك.
نبرته كانت هادية… بس مش مطمئنة.
زي بحر ساكن وهو جواه موج عالي.
ليلى قامت وهي بتحاول تبين الهدوء:
ـ ثا… ثانية يا عائشة، هشوف يحيى عايز ايه وراجعالك نكمل كلامنا .
عائشة ابتسمت بخجل:
ـ براحتكم
يحيى سحب إيد ليلى بخفة، لا جامد ولا رقيق… لكن فيها رسالة مخفية معناها "لازم نِتكلّم".
وابتدى يطلع السلم معاها، خطواته سريعة…
وليلى ماشية جنبه وقلبها يتنطط من القلق.
عائشة (بصوت واطي وهي لوحدها):
ـ هو ليه كل ما يشوفها… ياخدها على الجناح ويطلعوا؟
أما فوق…
باب الجناح اتقفل.
ويحيى وقف قدام ليلى وبصته تقيلة… ساكت…
وليلى واقفة قدامه، أصابعها متشابكة… منتظراه ينطق
يحيى وقف قدامها وملامحه مشدودة، عيونه بتتبع كل حركة فيها، وصوته منخفض لكن فيه حدة:
ـ "مين اللي كان بيتكلم معاكي لما كنت معاكي على التليفون؟"
ليلى اتجمدت لحظة، قلبها بدأ يدق بسرعة، حاولت ترد بصوت واطي ومتردد:
ـ " ده...ده آدم الشريف، مدير الشركة."
يحيى رفع حواجبه وقال بنبرة فيها دهشة وغضب مختلط:
ـ " وقالك إيه؟"
ليلى حسّت بعيونه ما بتغفلش عنها، وحاولت تتجنب نظره المباشر، وعينيها بدأت تلمع من دموعها اللي حبساها بسبب نبرته الغاضبه :
ـ "مفيش حاجة مهمة، كان بس… كان يسألني عن التدريب ولو احتاجت حاجة."
يحيى حس بغصة في صدره، وغيرة مفاجئة بدأت تسيطر عليه. صوته ارتعش شوية وهو بيرد:
ـ ويسألك بتاع ايه ؟ هو انتي الوحيده اللي بتدربي عنده فالشركة؟"
ليلى حركت رأسها ببطء، والكلام بدأ يخرج بصعوبة، عينيها اتجمع فيها دموعها اللي بدأت تنزل بهدوء.
يحيى لاحظ ده، وغمض عينه لحظة عشان يسيطر على نفسه ويحاول يهدّي من غضبه، وخد نفس عميق.
بعد ثوانٍ ، فتح الدولاب واخد لبسه منه، وقفل باب الحمام بقوة وراه، كأنه عايز يختفي ويجمع نفسه بعيد عنها.
بعد دقائق قليلة، خرج يحيى من الحمام، شكله هادي لكنه العيون لسه مشدودة، مشاعر الغضب والغيرة لسه متحكمة فيه. وقف قدام ليلى، بص في عينيها مباشرة، وحاول يخلي صوته هادي:
ـ " ليلى ...مش حابب أشوفك مضايقة أو دموعك تنزل بسببي… بس محتاج أعرف كل حاجة بصراحة."
قلبها دق بسرعة، حاولت تمسح دموعها:
ـ "أنا والله حكتلك كل اللي حصل ."
يحيى قرب منها خطوة، وحط إيده على كتفها بلطف غير متوقع، عشان يهدّيها:
ـ "أنا بس… مش قادر أتخيل حد يقربلك أو يزعل قلبك. إنتي مهمة عندي، أكتر من أي حاجة."
ليلى نظرت له، عينيها مليانة مشاعر مختلطة بين الخوف والحب، وبصوت واطي قالت:
ـ "حاضر يا يحيى "
يحيى ابتسم ابتسامة خفيفة، لكن عيونه كانت صادقة وحقيقية ومن جواه قرر يعمل حاجه.
اتقفلت اللحظة بنوع من الصمت الحلو، صمت مليان توتر وحس بالاطمئنان في نفس الوقت، كأن الجو كله اتنفس أخيرًا بعد لحظات الغضب والغيرة اللي عدت.
__________________________________
يحيى خرج من أوضته، ولقى عمر لسه كان هينزل السلم . وقفه خطواته فجأة ونادى عليه:
ـ " عمررر ..أنا عايز أكلمك شوية."
ودخلوا واحدة من الغرف. يحيى قفل الباب ووقف قدام عمر، عيونه فيها حزم وغضب مختلط بالجدية:
ـ "من زمان وأنا بتابعك… كل تحركاتك، من وقت ما اتلميت على الشلة اللي بوظتك بعد ما كنت متخرج من هندسة… مهندس قد الدنيا، وكان عندك كل حاجة، وقلت لنفسي هتتغير، لكن دلوقتي… بقيت متجوز ومسؤول عن بني آدمه، ومينفعش أسيبك كده."
عمر اتنهد وقال:
ـ "مش فاهم قصدك إيه بالظبط…"
يحيى اقترب منه خطوة، صوته صار أعمق وأكثر جدية:
ـ "اللي هقولهولك دلوقتي، هو فرصة أخيرة… أنا هحجزلك مصحة، هتتعالج هناك، تنظف من القرف اللي بيجري في دمك وترجع بني آدم محترم."
عمر اتعصب وقال:
ـ "إزاي يعني؟ أنا مش محتاج مصحة، أنا قادر على حياتي"
يحيى بص له بعينين صارمتين:
ـ "دي فرصتك الوحيدة يا عمر… لو عايز تتغير بجد، هتروح المصحة. لو هتفضل على حالك، يبقى ده مصيرك. أنا هسيبلك دلوقتي تفكر، وبعد شوية هعرف قرارك ، بس خليك فاكر إني مش هسمحلك تظلم عائشه معاك ، لو حكمت هطلقها منك "
بعد ما قال الكلام، لف يحيى ودخل الشارع، سايب عمر واقف وسط الغرفة، قلبه يدق، دماغه مش قادر تهدى. عمر قعد على الكرسي، بصره في الأرض، وهو بيفكر بجدية في كلام يحيى، كل كلمة كانت زي صدمة بتفكرّه إنه لازم يقرر قبل ما يفقد فرصة التغيير.
_________________________________
منال لمحت يحيى وهو خارج من القصر بسرعة. نظرت له باستغراب وقالت:
ـ "رايح فين يا يحيى؟ انت لسه جاي دلوقتي."
هو وقف لحظة، ابتسامة خفيفة عدّت على وشه:
ـ "ورايا مشوار مهم… وهرجع بسرعة إن شاء الله."
منال لمّت إيدها على صدرها بدعاء صادق:
ـ "ربنا يسهّلك ويطمّني عليك يا ابني."
يحيى قبلها من دماغها وبعدين خرج بسرعة
__________________________________
بعد ساعتين
ليلى كانت قاعدة في أوضتها.
لسه خارجة من شاور دافي، ريحة جسمها كلها نعومة ودفا.
لبست دريس بيتي رقيق لونه وردي، عريان من عند الكتف وواصل لحد ركبتها، مبرز جمال جسمها المتناسق… لا تخينة ولا رفيعة، قوام هادي وملفت من غير ما تقصد.
جمعت شعرها على جنب، ووقفت قدام المراية بتوتر…
أول مرة تلبس حاجة بالشكل ده.
عينيها اتسعت بخجل وقالت وهي بتشد طرف الفستان:
ـ "لأ… لأ أنا مش هقدر أطلع كده قصاد يحيى… أنا هغيّر المسخرة دي !"
لكن فجــأة
باب الجناح اتفتح.
يحيى دخل… وقف على العتبة ثواني، وبعدين قفل الباب بهدوء.
خطواته كانت بطيئة…
وعينيه؟
عينيه كانت بتتكلم…
بيتأمّلها، بيلتهم تفاصيلها، بحب وإعجاب صريح ما حاولش يخبيه.
ليلى اتوترت وبدأت ترجع لورا، صوت قلبها عالي كأنه هيسمعه:
ـ "أنا… أنا كنت بقيس بس ! وهغير دلوقتي…"
لكن يحيى مد إيده…
وساب أصابعه تلمس كتفها العاري.
اللمسة كانت دافيه، ثابتة.
قرب منها وهمس بنبرة ما فيهاش ولا ذرة هزار:
ـ "على جثتي."
قلبها وقع.
وهي بتحاول تهرب من الموقف، لاحظت إيده اللي ورا ضهره.
قالت بسرعة عشان تغيّر الكلام:
ـ "إيه… إيه اللي ورا ضهرك؟"
ابتسم ابتسامة صغيرة:
ـ "هتعرفي دلوقتي."
مسك إيدها من غير ما يسمح لها تعترض، وقعدها على السرير برفق.
ركع قدامها على ركبته…
طلع إيده من ورا ضهره.
علبة قطيفة… لونها أزرق غامق.
قلب ليلى اتشد.
فتحت عينها أكتر وهي بتتابعه.
ولما فتح العلبة…عنيها لمعت من الدموع
العلبة كان جواها دبلة سوليتر رقيقة، على شكل حلقة جوّاها وردة صغيرة، وفصوص حوالين الأطراف… ومعاها توينز بنفس رقة الدبلة.
رفع يحيى عينه عليها وقال بصوت هادي وصريح:
ـ " أنا عارف إن جوازنا جيه بسرعة… وملحقتش أجيبلك دبلة. بس… الدبلة دي كان لازم تبقى هنا من الأول."
مسك إيدها…
لبسها الدبلة والتوينز في إيدها اليمين.
ـ "كده… بقينا مخطوبين رسمي."
صمت لحظة… وبعدين قال بجديّة هزّت قلبها:
ـ "ولو تسمحيلي… أتجوزك."
ليلى ما قدرتش تتكلم.
دموعها نزلت بس.
هزت راسها بالإيجاب.
يحيى ابتسم، وشال الدبلة من إيدها اليمين ونقلها لإيدها الشمال…
وبعدين رفع إيدها وقبّل صوابعها بنعومة تخضّ الجسم.
ـ "متقلعهاش أبداً. الدبلة دي… إثبات لكل الدنيا… إنك ملكي."
ليلى قالت بصوت مهزوز من البكا:
ـ "حاضر…"
يحيى وقف…
شدّها لحضنه بقوة ودفا، وكأنه خايف تضيع منه.
لف بيها وهو ماسكها كأنها أخفّ من النسمة.
قرب ودنه من وشها وقال بجدية مليانة عشق:
ـ " ليلى ... تسمحيلي… أكون جوزِك؟
على الورق…
وقدّام ربنا."
ليلى خبّت وشها في صدره بخجل، قلبها بيرتعش، وهزت راسها موافقة.
وهو ضمّها أكتر… كأن اللحظة دي حلم كان مستني يتحقق.
الساعة كانت بتعدّي، والليل هادي… بس الغرفة مليانة شعور بالحب والأمان، وكأن الدنيا كلها توقفت حواليهم