رواية بين سطور العشق الفصل العشرون20بقلم سيليا البحيري

رواية بين سطور العشق الفصل العشرون20بقلم سيليا البحيري

كان الجو مليئًا بالدخان والضحكات الرخيصة، والنساء يتسابقن على كل رجل يمرّ.
وفجأة، دخل رجل ممتلئ، ثري المظهر، ببدلة فاخرة ورائحة كحول تفوح منه.
بمجرد ظهوره، اندفعت النساء نحوه مثل سرب غربان جائعة.

امرأة 1 (بضحكة مصطنعة): تعال يا بيه، الليلة عندي أجمل من أي مكان.
امرأة 2 (تتزاحم): لا، لا، تعال عندي أنا… هخليك تنسى اسمك.

لكن عيني الرجل لم تلتفت لهن، بل توقفت فجأة عند سيرين…
كانت واقفة بعيد، بجمالها البارد المرعب، كأنها دخيلة على المشهد كله.

اقترب بخطوات متثاقلة، ونظر إليها من رأسها حتى قدميها، ثم قال:
الرجل (بشهقة إعجاب): إيه دا… إيه الجمال دا؟!
(يبتسم ماكرًا)
تعالي معايا الليلة… هدفعلك عشر تلاف.

سيرين لم تتحرك، فقط نظرت إليه بنظرة حادة باردة جعلته يتراجع للحظة.
سيرين (بصوت منخفض مليء بالاحتقار): مش للبيع.

النساء تبادلن النظرات باستغراب، ثم بدأن يضحكن بسخرية.
امرأة 3 (بصوت عالٍ): هاها! يا لهوي… جاية هنا تقول "مش للبيع"!

الرجل ابتسم بخبث، معتقدًا أن الأمر لعبة:
الرجل: طيب… عشرين ألف.
سيرين (ببرود): قلت لأ.

بدأ وجهه يحمر من التحدي، وارتفعت الأسعار على لسانه كالمقامر:
الرجل: خمسين… مية… ميتين…
(يتنفس بسرعة)
طب خلاص… خمسمية ألف جنيه!

النساء شهقن بغيرة، أعينهن تقدح شررًا.
امرأة 2 (تصرخ): نص مليون عشانها؟! إحنا مش شايفين؟!
امرأة 1 (بحقد): يا ريتك تشوف قلبها الأسود قبل جمالها.

سيرين ظلت صامتة للحظة، ثم ابتسمت ابتسامة شيطانية صغيرة…
سيرين (بهمس مغرور): خمسمية ألف؟… موافقة.

الرجل هلّل وضحك بصوت عالٍ، وأمسك بيدها محاولًا سحبها معه.
لكنها استدارت إلى النساء، غمزت لهن بعينها الباردة وكأنها تقول:
"انظرن… أنا الأفضل دائمًا."

غلى الدم في عروق النساء وهن يتهامسن بكره وحقد، بينما سيرين تسير معه بخطوات هادئة، عقلها يعمل بخطة مظلمة:
"الليلة… مش هو اللي هيشتري جسدي… أنا اللي هشتري حياته بالدم."
**********************
في  شركة "الراوي" للإنتاج والتصوير – مكتب أدهم

ضوء الشمس يتسلل من الزجاج الواسع ليضيء أرجاء المكتب العصري الأنيق. أدهم يجلس أمام مكتبه، يقلب بعض الأوراق بلا تركيز، ذهنه كله عند فتاة واحدة. فجأة يُفتح الباب بخفة، ويطلّ وجه حلا المشرق رغم التعب.

حلا (بابتسامة خجولة): صباح الخير يا أستاذ أدهم.

رفع رأسه فجأة، كأن قلبه استيقظ من سباته، ووقف بسرعة حتى كاد أن يوقع الكرسي خلفه.
أدهم (مندهش وفرح): حــلا! … إيه المفاجأة الجميلة دي؟! إزيك؟

اقتربت حلا بخطوات مترددة، وعيناها تلمعان بشيء من الحرج.
حلا: جيت… أعتذرلك. عارف إن بابا طردك امبارح من أوضة المستشفى، هو ما كانش يقصد يجرحك، بس… ما كانش يعرفك.

اقترب منها أدهم أكثر، وصوته امتلأ بالحنان:
أدهم: حلا… إنتي آخر واحدة تعتذري. والدك معاه كل الحق. أي أب في مكانه كان هيتصرف كده. وأنا بصراحة… سعيد إنه رجع، وعاوز أشوفه راضي ومطمن عليك.

جلست حلا على الأريكة المقابلة لمكتبه، ويديها تلتفان ببعضهما كطفلة خجولة.
حلا (بهمس): بس أنا زعلت… زعلت إنك اتضايقت عشاني.

جلس بجوارها، يراقب ملامحها البريئة. ابتسم بخفة وقال:
أدهم: لما بشوف عينيكي كده… أي زعل بينتهي. إنتي عندي بالدنيا كلها يا حلا.

ارتبكت، واحمرّ وجهها بشكل واضح، فخفضت رأسها، وراحت تمسك طرف طرحتها بيديها.
حلا (بخجل): أدهم… في حاجة لازم تعرفها.

اقترب أكثر، وصوته ارتعش بالأمل:
أدهم: قوليلي…

رفعت عينيها إليه للحظة، ثم هربت بنظرها سريعًا، كأنها تخشى أن يفضح بريق عينيها ما في قلبها.
حلا: بابا… وافق. وافق إنك تيجي رسمي… بس لازم تحدد معاد وتحضر عيلتك.

اندهش أدهم لدرجة أنه وقف فجأة، عينيه تتسعان بفرح لم يعرفه من قبل، كأن الحياة كلها أعطته ما حلم به دفعة واحدة.
أدهم (بحماس): إنتي… بتقولي إيه؟! وافق؟!

أومأت بخجل، وابتسمت ابتسامة صغيرة كفيلة أن تذيب جبالًا من الجليد.
حلا (بهمس): آه… وافق.

لم يتمالك نفسه، جلس بجانبها من جديد، يمسك يديها بين يديه كأنه يمسك كنزًا.
أدهم (بصوت مبحوح): حلا… أنا… ما صدقتش إن في يوم ممكن أكون ليكي. إنتي غيرتيني… رجّعتي الإحساس لقلب عمري ما عرفت يفرح.

حلا (ترتبك وتسحب يدها بخفة): أدهم… بلاش الكلام الكبير ده… أنا لسه طالبة… ولسه في حاجات كتير قدامي.

ابتسم لها برقة، وعينيه معلقتان بوجهها وكأنها أجمل لوحة رآها في حياته.
أدهم: عارف… وعشان كده أنا مش طالب أكتر من وجودك جنبي. خطوبة… نستنى لحد ما تخلصي دراستك. المهم إنك تبقي عارفة… إن قلبي ما بيعرفش غيرك.

حلا غطت وجهها بكفيها من شدة الخجل، وضحكت ضحكة صغيرة نقية.
حلا (بصوت متقطع من الضحك): إنت… إنت مجنون يا أدهم.

أزاح يديها بلطف عن وجهها، ونظر إليها نظرة مليئة بالصدق:
أدهم: مجنون بيكي… ومش عاوز علاج.

سكتت، ولم تستطع الرد، لكن حمرة وجهها وارتباكها كانا أبلغ من ألف كلمة.
********************

بعد لحظة الصمت الحالم بينهما، حاولت حلا أن تغيّر الموضوع، عيناها تتنقلان بين الملفات على المكتب وصور البوسترات المعلقة على الجدران.

حلا (بتردد): طيب… وإيه أخبار الشغل؟ المسلسل… روايتي… هنكمل تصويره ولا لسه؟

ابتسم أدهم وهو يحاول أن يسيطر على فرحته الكبيرة بموضوع موافقة والدها، وعاد للحديث بجدية مهنية، لكن صوته ظل دافئًا.
أدهم: طبعًا هنكمل. مشروعك مش مجرد عمل عادي… دي رواية مختلفة، زيك بالظبط. أنا مؤمن إنها هتنجح جدًا، وهنطلع منها بمسلسل الناس كلها هتتكلم عنه.

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها، لكن سرعان ما خبت لمعة عينيها وهي تتذكر الماضي القريب.
حلا (بهمس متوتر): بس… الصور اللي اتفبركت عني… خلتني أفكر كتير. مين ممكن يعمل كده؟ وليه؟ حسيت إني محاصرة… مش قادرة أتنفس.

تبدلت ملامح أدهم، صار جادًا جدًا، عيناه اشتعلتا بلمعة حامية، كأن أحدهم تجرأ وجرح شيئًا ثمينًا بالنسبة له.
أدهم (بحزم): حلا… اسمعيني كويس. اللي عمل الحركة دي، كان قصده يدمرك… يخليكي تنهاري. بس اللي معرفهوش إنك أقوى من كده، وإنك مش لوحدك دلوقتي.

نظرت له بدهشة، وقلبها يدق بقوة.
حلا: قصدك إيه…؟

اقترب أكثر، وصوته صار خافتًا لكنه مليء بالتصميم.
أدهم: قصدي إن الموضوع ده ما يتقفلش. أنا هساعدك لحد ما نعرف مين اللي عمل كده. وصدقيني… اللي يجرؤ يمس سمعتك، هيتحاسب.

ارتجفت يداها وهي تضعهما فوق الطاولة، كأنها تحتاج لشيء تتمسك به.
حلا (بصوت خافت): أنا محتارة يا أدهم… مين ممكن يكرهني بالشكل ده؟ أنا ما أذيتش حد.

أدهم نظر إليها طويلًا، يحاول قراءة الحزن في عينيها، ثم وضع يده بلطف على يدها المرتجفة، يثبتها.
أدهم (بنبرة صادقة): ساعات يا حلا… الكره بييجي من غير سبب. من غيرة، أو من نفس ضعيفة. بس أوعدك… مش هسيبك لوحدك تواجهينه.

أغمضت عينيها للحظة، وكأنها وجدت في كلماته ملجأً.
حلا (بتنهيدة): شكراً… مش عارفة أقولك إيه.

ابتسم ابتسامة صغيرة، وعاد يمزح ليخفف عنها:
أدهم: قوليلي إنك هتكملي تصوير الرواية معايا… وإنك مش هتهربي من المخرج اللي وقع في حب بطلة قصته.

فتحت عينيها بسرعة، وحدقت فيه بدهشة، قبل أن تغطي وجهها بكفيها من شدة الخجل.
حلا (بضحكة صغيرة): إنت… إنت مش طبيعي!

ضحك هو الآخر، ثم قال بجدية أكبر:
أدهم: على فكرة… نجاح المسلسل هيكون أفضل رد على أي حد حاول يشوه صورتك. خليهم يشوفوا مين هي حلا النجار… مش من صور مزيفة، لكن من موهبتك وحقيقتك.

رفعت رأسها أخيرًا، وفي عينيها بريق جديد من القوة.
حلا (بحزم خجول): عندك حق… لازم أكمّل. مش هسمح لحد يوقفني.

مد يده أمامها كأنه يطلب اتفاق رسمي:
أدهم (بابتسامة): يبقى اتفقنا… شركاء في الرواية، وشركاء في كشف الحقيقة.

ترددت لحظة، ثم مدت يدها الصغيرة بخجل، ووضعتها في يده.
حلا: اشطا 
********************
في  مطعم فاخر مطل على النيل 

المكان يلمع بأضواء خافتة تنعكس على صفحة الماء. الطاولة مستطيلة أنيقة، يجلس حولها شريف بوقاره المعتاد، وابنته لوسيندا (لوسي) بجانبه، ثم كريم الوسيم الأنيق الذي لا يكف عن النظر إليها، ومعهما والدا كريم: جمال صديق شريف القديم، وزوجته الطيبة مرام.

الجميع يفتح قوائم الطعام، بينما كريم يكتفي بالتحديق في خطيبته، حتى لاحظ والده.

جمال (بابتسامة ساخرة): يا ابني… القائمة في إيدك مش صورة خطيبتك. ركّز تختار لنا حاجة نطلبها.

احمر وجه كريم على الفور، وتلعثم وهو يرفع القائمة بسرعة:
كريم: آ… آه… حاضر يا بابا. بس… يعني… الأكل مش مهم قوي، الأهم… (ينظر للوسي بحب) إننا نخلص ونحدد ميعاد الفرح.

ضحكت مرام بخفة وهي تضع يدها على يد ابنها:
مرام: يا لهوي يا كريم! هو لسه الناس بتتكلم عن المقبلات وأنت عايز تجري على الجواز؟

لوسي (بخجل خفيف): كريم… على مهلك شوية.

كريم اعتدل في جلسته، لكنه اقترب منها أكثر، يخفض صوته كأنه يبوح بسر:
كريم: أنا مستعجل عشان نفسي أصحى كل يوم ألاقيكي جنبي… تعبت من الانتظار يا لوسي.

ارتبكت لوسي، وجهها احمر قليلًا، فحاولت إخفاء ارتباكها بشرب رشفة ماء. أما شريف، فابتسم لأول مرة منذ بداية الجلسة، وهو ينظر إلى جمال:
شريف: شايف يا جمال؟ ابنك مش قادر يخبّي. شكله واقع بجد.

جمال (ضاحكًا): واقع من زمان يا شريف. أنا أول مرة أشوفه كده… طول عمره عاقل، متزن، بس مع لوسي… بقى طفل مدلل.

مرام (بحنان): الطفل ده بيحبها بجد. وده اللي مخليني مطمئنة.

لوسي (بصوت خافت وهي تنظر لكريم): يعني… أنت فعلًا شايفني كل حاجة بالنسبة لك؟

أمسك كريم يدها فجأة أمام الجميع، بلا خجل، وصوته ملئ بالصدق:
كريم: إنتي مش كل حاجة… إنتي الحاجة الوحيدة اللي بتدي معنى لكل حياتي.

ساد الصمت لثوانٍ، الجميع ابتسموا، بينما لوسي شعرت بقلبها يرتجف، لأول مرة منذ زمن بعيد، كأن جدار البرود من حولها يتشقق.

شريف (بجدية يقطع الصمت): طيب… ندخل في المهم. أنا مش ضد استعجالكم… بس لازم يكون في وقت كافي نجهز فيه كل حاجة.

كريم (متعجل): شهر كفاية.

انفجر الجميع بالضحك، حتى لوسي وضعت يدها على فمها تخفي ابتسامة صغيرة لم تستطع منعها.
جمال (مازحًا): شهر إيه يا ابني! ده عايز أسبوع على كده!

مرام (بضحكة حنونة): يا حبيبي… هو عريس مستعجل مش عارف ينام الليل!

كريم خجل بشدة، يده ما زالت تمسك بيد لوسي وكأنه يخاف أن تفلت منه:
كريم (بخجل): أنا بس… أنا بحبها أوي… ومش قادر أستنى أكتر.

نظرت لوسي إليه طويلًا، هذه المرة لم تسحب يدها، بل تركتها بين يديه، وفي عينيها لمعة لم يعتد أحد أن يراها.

لوسي (بهمس): يمكن… يمكن الشهر مش كفاية… لكن أوعدك… مش هتستنى كتير.

ابتسم كريم ابتسامة واسعة، كأن الدنيا كلها أصبحت بين يديه. أما شريف وجمال ومرام فقد تبادلوا نظرات رضا، بينما في أعماق لوسي كان هناك شيء جديد يولد… لأول مرة، شعرت أنها ليست وحيدة.

*******************
في مكان آخر 

ندى تتمشى ببطء في الحارة الشعبية، تضع سماعات في أذنها وتفكر في مشاكل الأيام الماضية، لكن فجأة جذب انتباهها صوت همس سيدتين تجلسان على باب أحد البيوت.

إحدى الجارات (بصوت منخفض متوتر): سمعتي يا سعاد؟ البنت المجنونة دي… سيرين… يقولوا قتلت أمها بالسكين!

الأخرى (تشهق): يا نهار أسود! معقول؟! أنا كمان سمعت إنها قتلت صاحبتها… رنا! بس ليه؟ ليه يا ربي؟

ندى توقفت فجأة، قلبها كاد يتوقف. نزعَت السماعة من أذنها وحدّقت فيهما بذهول.

ندى (بصوت مرتجف): إنتو… إنتو بتقولوا إيه؟! سيرين… قتلت والدتها؟! ورنا كمان؟!

التفتت الجارتان إليها مرتبكتين.

الجارة الأولى: يا ساتر يا رب… إنتي ما تعرفيش يا ندى؟! الدنيا كلها بتتكلم!

ندى (بحزم وصوت يعلو): لأ… لأ! أنتو أكيد غلطانين. سيرين صحبتي… مستحيل تعمل كده!

الجارة الثانية (بخوف): لا يا بنتي… الناس كلها شافت الشرطة في بيتهم… بس ما حدش عارف التفاصيل.

ندى شعرت بدوار، خطواتها تراجعت للخلف ثم اندفعت تركض بكل قوتها نحو منزل سيرين.

---

✦ المشهد: منزل عائلة سيرين

ندى تدق الباب بعنف، يكاد قلبها يقفز من صدرها. بعد لحظات فتح الباب ماهر، الطبيب الشاب، عينيه متعبتان ووجهه مرهق.

ماهر (مندهش): ندى؟! إيه اللي جابك هنا؟

ندى (لهاث وصوت مضطرب): ما… ما تقوليش إن الكلام اللي سمعته صح يا ماهر… قوللي إن دي إشاعة! إن سيرين ما عملتش كده!

ماهر صمت لثوانٍ، عينيه امتلأتا بالحزن، ثم تنهد بعمق.

ماهر: ندى… أنا مش هكذب عليكي. أيوه… سيرين قتلت أمي… وقتلت صاحبتكوا رنا.

ندى (تصرخ بذهول): إيييييييييييييييه؟! لاااا! مستحيل! سيرين… صاحبتنا! إزاي تعمل كده؟!

أمسك ماهر بكتفيها محاولاً تهدئتها.

ماهر: سيرين مش طبيعية يا ندى. من زمان وأنا حاسس إنها ماشية في طريق ظلام. كانت بتكره كل الناس… حتى نفسها. أنا حاولت أوقفها… حاولت أعالجها… لكن الشيطان سيطر عليها.

ندى (دموع في عينيها): لكن… لكن ليه يا ماهر؟ ليه أمها؟ ليه رنا؟! رنا ما أذتهاش… دي كانت بتحبها!

أغلق ماهر عينيه بألم.
ماهر: رنا كانت هتفضحها… كانت عارفة حاجة خطيرة عنها. وسيرين… ما بتسكتش لأي حد يوقف طريقها.

ندى (مذهولة): يا إلهي… يبقى الصور اللي اتفبركت لحلا… أكيد هي اللي عملتها!

ماهر أطرق رأسه ثم رفع عينيه إليها بنظرة جادة:
ماهر: أيوه… وأنا متأكد. سيرين هي اللي وراء كل ده.

ندى (بحزن وخوف): يبقى لازم نوقفها يا ماهر… قبل ما تقتل حد تاني… قبل ما تقتل حلا!

اقترب ماهر أكثر، صوته صار جادًا:
ماهر: وأنا هعمل المستحيل عشان أوقفها. حتى لو كانت أختي… مش هسمح لها تدمّر حياة أي حد تاني.

ندى وضعت يديها على وجهها، الدموع تنهمر:
ندى: يا ربي… دي كانت صاحبتي… كنت بحسبها أخت! إزاي… إزاي تتحول لوحش بالشكل ده؟

ماهر بصوت منخفض وحزين:
ماهر: في ناس… بيتولدوا نور… وناس بيتولدوا ظلام. وسيرين… للأسف اختارت الظلام.
*********************

ندى ما زالت واقفة، أنفاسها متقطعة، والدموع في عينيها. تنظر إلى ماهر بعينين مذعورتين.

ندى (بصوت مخنوق): طب… فين هي دلوقتي؟ فين سيرين؟!

ماهر يزفر بعمق، يمرر يده على وجهه المتعب.
ماهر: هاربة… اختفت من يوم الحادثة. الشرطة بتدور عليها، وأنا نفسي مش عارف مكانها. كأن الأرض انشقت وبلعتها.

ندى عضّت شفتها السفلى بقوة، يديها ترتجفان لكنها فجأة شدّت قبضتها بعزم.

ندى (بغضب مكتوم): عارفة… عارفة إنها هي اللي عملت الصور لحلا… هي اللي سببت كل البلاوي دي. كنت حاسة من الأول… بس دلوقتي اتأكدت.

ماهر (بحزن): للأسف يا ندى… أيوه، سيرين هي اللي عمل كل ده.

ندى رفعت رأسها، عينيها تلتمعان بالغضب والدموع معًا.

ندى (بحزم): أقسم بالله… لو شفتها قدامي… مش هرحمها. اللي عملته في حلا… وفي أمها… وفي رنا… حسابه عندي تقيل أوي.

ماهر ينظر إليها بدهشة ممزوجة بالإعجاب من قوتها.
ماهر: إهدي يا ندى… متخليش الغضب يعميكي. القانون هو اللي هيحاسبها.

ندى (تهز رأسها): لأ، يا ماهر. في ناس زي سيرين… القانون مش كفاية معاهم. اللي زيها محتاجين حد يوريهم معنى العقاب الحقيقي.

ماهر يقترب منها خطوة، صوته أكثر جدية:
ماهر: أنا فاهم مشاعرك… بس أوعى تخلي الكره يغيرك. متخليش سيرين تكسب مرتين: مرة بخيانتها… ومرة بتحويلك لنسخة منها.

ندى تتنفس بعمق، لكن ملامحها تبقى قاسية، تهمس وكأنها تتوعد:
ندى: متخافش يا ماهر… أنا عمري ما هكون زيها. بس أوعدك… سيرين مش هتفلت مني ولا من اللي عملته… أبدًا
*******************
في  ساحة الجامعة – منتصف النهار

الطلاب منتشرين في الساحة، البعض يجلس على العشب والبعض الآخر متجه إلى المدرجات. ريان كان يسير بجانب مازن، يحمل حقيبته على كتفه بابتسامة واضحة.

ريان (بحماس): مازن! عندي خبر نار هيعجبك.
مازن (متحمس): خير يا عم؟ شكلك متفجر من السعادة.

ريان توقف فجأة، التف ليواجهه مباشرة:
ريان: أبويا… وافق على جواز حلا وأخوك ادهم.

مازن اتسعت عيناه بدهشة، ثم قفز في مكانه كطفل سعيد:
مازن: بجد؟! ياااه… أخيراً! أخويا اتغير 180 درجة بسببها. زمان كنت بقول عليه إنسان آلي… دلوقتي بقى عاشق ولهان.

ريان ضحك من قلبه، يربت على كتف مازن:
ريان (مازحاً): هو فعلاً شكله وقع في الفخ… بس فخ جميل.

مازن (ممازحاً): حلا عملت معجزة، أقسم بالله. أنا كنت فاكر أدهم هيفضل يهرب من البنات لحد ما يشيب. دلوقتي بقى بيكتبلك شعر لوحده!

الاثنان انفجرا ضاحكين وسط المارة، لدرجة أن بعض الطلاب التفتوا إليهما.

مازن فجأة غمز لريان بمكر، واقترب منه:
مازن (بصوت منخفض، بمكر): طب… قوللي بقى، إنت وأختنا الصغيرة غزل… إيه الأخبار؟

ريان احمر وجهه فجأة، وتلعثم:
ريان: آآه… يعني… كويس… الحياة ماشية.

مازن (مقاطعاً وهو يضحك): "كويس"؟! يا جدع ده إنتو متجوزين ولسه في الجامعة! أنا عايز تفاصيل… بتسيبك تذاكر ولا بتخليك تذاكرها هي؟

ريان كاد يختنق من الضحك والحرج، دفع مازن بخفة على كتفه:
ريان (مازحاً): يا عم سيبنا في حالنا… غزل دي حاجة تانية… مش مراتي وبس، دي نصفي التاني.

مازن صفق بيده وضحك:
مازن: ياااه! شوفوا ريان! طلع شاعر برضه زي أخويا… شكلك هتكتب قصيدة في غزل قريب.

ريان ابتسم بخجل، لكن عينيه أظهرت حباً حقيقياً لزوجته.

ريان (بجدية ناعمة): غزل فعلاً نعمة من ربنا… بتدعمني في كل حاجة. حتى وهي في كلية الهندسة وضغطها عالي، بتفكر فيا وبتسندني.

مازن نظر إليه بإعجاب، ثم ضحك من جديد ليكسر الجو الجاد:
مازن: خلاص… كده بقينا اتنين عشاق ولهانين في العيلة… أنا وأخويا، وإنت وغزل. ناقص مهاب بقى، بس ده موضوع تاني!

الاثنان ضحكا معاً، ثم اتجها نحو الكلية وسط جو مليء بالطاقة والمرح.
******************

في استديو زياد، الكاميرا الخاصة بزياد موضوعة على الطاولة، وبجوارها بعض الصور المطبوعة لأعراس كان قد صورها مؤخراً. ضحى تجلس على الكنبة عابسة، ذراعاها متشابكتان، بينما زياد يلف حولها بمرح كطفل يحاول استرضاء أمه.

زياد (بابتسامة عريضة): ضحى… يا قمر يا جميل… ليه مكشرة كده؟
ضحى (ببرود): إنت عارف ليه.

زياد (متصنع الدهشة): أنا؟! أنا عملت إيه؟ أنا ملاك… ملاك بأجنحة، ولو عايزة أطيرلك أجيب نجمة أجيب.

ضحى (تنظر له بحدة): ملاك إيه بس؟! يوم ما الكل وقف مع حلا أنا شوفتك ساكت… واقف كأن الموضوع ما يخصكش. حلا أختك يا زياد!

زياد جلس بجوارها، يضع يده على صدره وكأنه أصيب:
زياد (بدراما مبالغ فيها): آآه… كده يا ضحى؟ بتذبحيني بكلامك! طيب اسمعي مني… أنا ما كنتش ضدها ولا حاجة، أنا كنت محتار… مش قادر أصدق الصور ولا أصدق اللي اتقال. بس قلبي كان مع حلا، والله العظيم.

ضحى أبعدت وجهها، لكنها لم تستطع إخفاء ارتعاشة في عينيها.

زياد (يحاول مداعبتها): وبعدين تعالي هنا… إنتي فاكرة إن في يوم هقدر أسيب أختك؟ دي نص نصفي التاني… وإنتي نص التاني كله!

ضحى لم تتمالك نفسها وضحكت قليلاً، لكنها حاولت تخفي ابتسامتها:
ضحى: بلاش الحركات دي… مش هتمشي عليا.

زياد (يمثل الجدية فجأة): طيب… عندي اقتراح: أعملك جلسة تصوير خاصة… أحلى من صور العرسان اللي بييجوا عندي. وأخلي عنوان الألبوم "أجمل ست في الكون اسمها ضحى".

ضحى ضحكت بصوت عالٍ هذه المرة، وضربته بخفة على ذراعه:
ضحى: إنت مجنون يا زياد.

زياد (مقرباً وجهه منها بابتسامة): مجنون بيكي… ولو زعلتي مني تاني، هصورلك فيديو وأنا برقص قدام الكاميرا وأبعته للعيلة كلها.

ضحى ضحكت أكثر، لكن هذه المرة نظرتها امتلأت بالحب، ثم تمتمت:
ضحى: خلاص… مسامحاك. بس أوعى تزعلني تاني.

زياد احتضنها بحماس كطفل انتصر أخيراً:
زياد (بفرح): يييييييس! رجعتلي ضحكتي تاني.
****************
في  شارع جانبي هادئ – مساء

مهاب يقود سيارته بهدوء، شارد الذهن كعادته. عيونه نصف مغلقة من كثرة التفكير في همومه، خاصة ما حدث مؤخرًا مع حلا وعائلته. فجأة، خرجت فتاة شابة من جانب الطريق تحمل كيس كتب وأغراض، لم ينتبه لها مهاب إلا متأخراً…

صوت فرامل حادة!!!
سقطت الفتاة على الأرض، الكيس انقلب وتناثرت الكتب.

مهاب (بصدمة وهو ينزل مسرعاً): يا إلهي! أنتي كويسة؟ سامحيني بالله عليكي… ما كنتش شايفك!

الفتاة ترفع رأسها ببطء، ابتسامة باهتة على وجهها رغم الألم:
حور: الحمد لله… ما حصلش حاجة خطيرة، يمكن خبطة بسيطة بس.

مهاب (ينحني بجوارها بقلق شديد): بسيطة إيه بس؟! إنتي وقعتِ جامد… ثانية واحدة، هساعدك تقفي.

يمد يده بحذر، يساعدها على النهوض. ملامحها بريئة جداً، شعرها الطويل متساقط على كتفيها وعيونها واسعة مليئة بالدهشة واللطف.

مهاب (بانفعال): أنا لازم أخدك المستشفى… مش هسيبك كده.
حور (تهز رأسها بسرعة): لا، لا… بلاش، أنا بخير والله. دي بس شوية خدوش… ومش عايزة أعمل دوشة.

مهاب ينظر إليها غير مقتنع، يلتقط الكتب المبعثرة من الأرض ويعيدها إلى الكيس:
مهاب (بحزم): الدوشة إيه؟ سلامتك عندي أهم من كل حاجة. حتى لو مجرد خدش، أنا مش هاكون مرتاح غير لما يطمن عليك دكتور.

حور (بخجل): شكراً… بس والله مش محتاجة. على فكرة… أنا الغلطانة، كنت ماشية ومش مركزة.

مهاب يحدق فيها للحظة، كأنه مذهول من طريقة كلامها اللطيفة رغم الموقف:
مهاب (بصوت منخفض): إزاي بتعتبري نفسك غلطانة وأنا اللي سايق زي الغايب عن الدنيا؟!

يسود صمت قصير، فقط أنفاسهما وصوت السيارات البعيدة. حور تحاول التخفيف من التوتر بابتسامة خجولة:
حور: طيب خلاص… نعتبرها نص بالنص، أنا مش مركزة وأنت كنت شارد.

مهاب يبتسم لأول مرة منذ وقت طويل، ابتسامة صغيرة لكنها صادقة:
مهاب: نص بالنص… ماشي. بس في شرط…
حور (بفضول): شرط؟
مهاب: تخليني أوصلك بيتك، على الأقل أضمن إنك وصلتي بخير.

حور (تضحك بخفة): واضح إنك عنيد.
مهاب (بابتسامة دافئة): ممكن تقولي كده…

يمشيان معاً نحو السيارة. مهاب يفتح لها الباب كأي فارس قديم، وهي تنظر له بدهشة ممزوجة بالامتنان.

في السيارة، الجو صامت قليلاً، ثم تسأله بخجل:
حور: هو حضرتك اسمك إيه؟
مهاب: مهاب… وإنتي؟
حور (بابتسامة بريئة): حور.

مهاب يكرر الاسم في ذهنه، وكأنه عالق في نغمة موسيقية جميلة:
مهاب (بصوت منخفض): حور… اسم يليق بيكي فعلاً.

حور تضحك بخجل، تنظر من النافذة لتخفي ارتباكها. أما مهاب، فعيناه تتسللان إليها بين الحين والآخر… شيء داخله اهتز منذ تلك اللحظة، وكأن قلبه وجد شيئاً لم يكن يبحث عنه.
تعليقات



<>