رواية بين سطور العشق الفصل الثاني والعشرون22بقلم سيليا البحيري

رواية بين سطور العشق الفصل الثاني والعشرون22بقلم سيليا البحيري

بعد 3 أيام– غرفة حلا – صباح الجمعة

الشمس داخلة من شباك أوضتها الواسعة، ستاير بيضا خفيفة بتتهز مع الهوا، والساعة لسة 9 الصبح. حلا قاعدة على سريرها متكورة، شعرها سايب على كتافها وعنيها فيها دوائر سودة من قلة النوم. قدامها المراية، وفي إيديها رواية نصها مقروء ونصها التاني مش قادرة تركز فيه.

ندى (بصوت نعسان من ورا الباب، وهي لسة لابسة بيجامة):
يا حلااا… انتي صاحيّة من بدري كده؟! ولا أصلاً ما نمتيش؟

حلا (بضحكة متوترة):
أنا نمّت ساعتين يا ندى، ساعتين بس!… قلبي مش مخلّيني أرتاح… مش مصدّقة إن النهارده هييجي ادهم وعيلته يتقدّموا رسمي.

ندى (تدخل الأوضة وتقعد جنبها):
هوّ انتي متوترة عشان العريس ولا عشان فيروز مامتك هتعمل عرض أزياء النهارده؟

حلا (تتنهد وتبص في الأرض):
بصراحة؟ الاتنين… بس أكتر حاجة عاملة لي دوشة… إحساسي… مش عارفة ليه، قلبي بيرقص كل ما أفتكر ادهم! زمان كنت بقول "لأ، ده كبير عني بتسع سنين، وده مخرج مشهور وهيتغير معايا"، دلوقتي… بحس إني أول ما بشوفه… بكون أنا.

ندى (بتضحك وتزغزغها):
ياااااه! ده حلا بتقع في الغرام… العروسة اتفضحت.

حلا (تشد المخدة وتخبطها بيها):
بسكتتي بقى! أنا فعلاً مش عارفة… هوّا الإحساس ده طبيعي؟ إنك تبقي عايزة اليوم ييجي بسرعة، وفي نفس الوقت نفسك تهربي؟

ندى (بحنية):
طبيعي أوي يا حبيبتي… انتي بتحبيه، ومش هتعترفي دلوقتي بس عينيكي فضحوكي من زمان… فاكرة أول ما رجع من السفر، وانتي اتلبختي؟

حلا (وشها يحمر وبتغطيه بإيديها):
بلاش تفضحيني… أنا حتى امبارح طول الليل فضلت أتخيّل شكله وهو واقف قدام باب البيت النهارده بالليل… وبيطلبني من بابا… قلبي هيوقف.

ندى (بمرح):
وبعدين تيجي ستي فيروز تقول: "البنت صغيرة، ولسه عندها كتب تقراها".

حلا (بغصة صغيرة في صوتها):
آه… ماما… نفسي يوم تتبسط عشاني من قلبها… بس مش مهم، كفاية إن بابا واقف في ضهري.

تقوم من على السرير وتقف قدام المراية، تبص على نفسها بعينين فيها خليط من الخوف والفرحة.

حلا (بصوت واطي وهي بتلمس خدها):
هوّا هيبصلي إزاي؟… هيشوفني عروسة بجد؟ ولا لسة في عينيه البنت الصغيرة اللي كان بيضحك معاها؟

ندى (تحضنها من ضهرها وتبص معاها في المراية):
انتي مش بس عروسة يا حلا… انتي الحلم اللي اتأجّل شوية… بس النهارده هيبتدي.

حلا تبتسم ابتسامة صغيرة مليانة دموع فرحة، وتغمض عينيها كأنها بتحاول تحفظ اللحظة جوا قلبها.
********************** 

الجو مليان بهجة وخوف في نفس الوقت. حلا قاعدة على السرير ماسكة في إيدها مخدة صغيرة، وندى جنبها. فجأة الباب يتخبط بسرعة ويبان صوت ضحك.

ضحى (بمرح وهي داخلة شايلة شنطة كبيرة):
صباح الفل يا عروسة! افتحيلي يا ندى بسرعة قبل ما تقع الحاجة من إيدي.

غزل (تدخل وراها، لابسة طرحة بسيطة وابتسامة دافية):
إيه ده يا بنات؟ هوّ احنا جايين على حفلة ولا إيه؟! الجو هنا مليان توتر.

حلا (تضحك بخجل):
أصل قلبي بيخبط يا غزل… مش قادرة أستوعب إن النهارده… النهارده بجد.

ضحى (ترمي الشنطة على الكرسي وتفتحها):
طب خلاص، إحنا جايين نعملك مفاجأة. جبتلك شوية حاجات كده تساعدك تختاري فستانك… أنا ومرة أخوكي ريان تعبنا في السوق مبارح عشان نرضي ذوقك.

غزل (تجلس جنب حلا وتاخد إيدها):
انتي مش محتاجة غير إنك تكوني نفسك يا حلا… ادهم بيحبك كده كده.

ندى (تغمز لحلا):
يا ساتر! حتى مرات إخواتك بقت رومانسية أوي النهارده.

ضحى (تضحك):
هوّ إيه يعني؟ يوم مش عادي… ولازم يفضل في الذاكرة.

تبدأ ضحى تطلع فساتين من الشنطة – فستان وردي بسيط، وفستان أزرق سماوي، وفستان أوف وايت ناعم.

ضحى:
بصي… ده وردي، هيخليكي زي البدر… وده أزرق هيبان فخم جدًا… بس أنا شايفة الأوف وايت ده لايق عليكي موت.

غزل (تهز راسها موافقة):
أنا مع ضحى… الأوف وايت يخليكي عروسة بس من غير ما يبقى رسمي أوي زي فستان فرح.

حلا (تبتسم بعينين لامعين):
بجد؟… أنا كنت محتارة… بس فعلاً الأوف وايت حسيته بسيط وشيك.

ندى (تدخل وسطهم وتعمل نفسها خبيرة):
طب وأنا شايفة إن لازم شعرك يتعمل كيرلي بسيط كده وينساب على كتافك… مع طرحة صغيرة ووردة بيضا في الجنب.

ضحى (تسقف):
الله! ده ذوق خطير يا ندى.

غزل (بهدوءها المعتاد):
أهم حاجة إنك تبقي مرتاحة… يعني لو عايزة شعرك مرفوع أو سايب… المهم تحسي إنك انتي.

حلا تتأثر وتبص لهم كلهم بعين فيها دموع فرحة.

حلا (بصوت مهزوز):
أنا محظوظة أوي بيكم… انتو اللي واقفين جمبي بجد… حتى لما الدنيا كلها وقفت ضدي.

ضحى (تضمها بحنان):
انسي بقى اللي فات… النهارده بداية جديدة ليكي.

ندى (تضحك وهي تلمس خدها):
ويا عروسة… مش هينفع تبكي دلوقتي! خلي الدموع لبالليل.

يملأ الضحك الأوضة، والفتيات يبدأن في تجربة الفستان على حلا وسط فرحة حقيقية.
*******************

البنات لسه بيتكلموا عن الفستان والشعر، فجأة الباب يتفتح بهدوء، وتدخل فيروز. سكت الكل، الضحكة اختفت من الأوضة، والعيون اتجهت لها. ملامحها مش زي كل مرة… مش تكبر ولا تعالي، بالعكس، باين عليها الحزن والندم.

حلا (بصوت واطي، عينيها على الأرض):
ماما…

ندى (تشد على إيد حلا):
إحنا ممكن نسيبكم لو حبيتي.

فيروز ترفع إيدها تهزّ راسها بالنفي.

فيروز (بهدوء، وصوتها فيه رجفة):
لا يا ندى… إنتو كلكم لازم تسمعوني.

ضحى وغزل اتبادلو نظرات فيها قلق، وكل واحدة شبكت صوابعها في التانية. فيروز وقفت شوية، كأنها بتجمع شجاعتها، وبعدين قعدت على الكرسي اللي قدام السرير.

فيروز (بصوت واطي لكن صادق):
أنا فكرت كتير من يوم اللي حصل… من يوم ما حلا صرخت في وشي وقالت إني أم أنانية. يمكن كلامها وجعني… بس كان لازم أسمعه.

حلا دموعها بدأت تنزل، وبصت لمامتها بصمت.

فيروز (بدموع محبوسة):
أنا طول عمري كنت فاكرة إني بعرف الأصلح ليكم… فاكرة إن ذوقي هو الصح، وإن اللي يعجبني لازم يعجبكم. لكن نسيت إن حياتكم دي… بتاعتكم مش بتاعتي أنا. نسيت إنكم محتاجين تعيشوا زي ما قلبكم عايز، مش زي ما أنا عايزة.

ندى متفاجئة، وضحى وغزل بصة فيها دموع وصدمة.

فيروز (تلتفت لضحى وغزل):
وأنا عارفة إني جرحتكم كتير… احتقرتكم وظلمتكم… مع إنكم في الحقيقة كنز لولادي. إنتي يا ضحى سند زياد الحقيقي… وإنتي يا غزل الأمان اللي في حياة ريان. صدقوني… أنا آسفة… آسفة بجد. سامحوني… وانسوا أي كلمة جرحتكم.

ضحى وغزل دموعهم نزلت، وبصوا لها بصدق.

غزل (بصوت مبحوح):
إحنا عمرنا ما كرهناكي يا طنط… كنا بس نفسنا تبصي لينا زي ما إحنا.

ضحى (تدمع أكتر):
والمسامحة عندي سهلة… من النهارده هقولك "ماما" زي ما حلا بتقول.

فيروز تنهار من البكاء وتفتح إيدها، وغزل و ضحى بيقوموا يحضنوها، وندى دموعها نازلة بس بتضحك من المشهد.

حلا (تقوم بسرعة وترمي نفسها في حضن أمها):
ماما… أنا بحبك… حتى لو اختلفنا. بحبك من قلبي.

فيروز تضمها بشدة وتبوس راسها.

فيروز (بابتسامة وسط الدموع):
وأنا كمان بحبك يا بنتي… وكل اللي عايزاه أشوفك سعيدة… وسعادتك النهارده مع أدهم.

تمسح دموعها بسرعة وتغير نبرة صوتها كعادتها لما تشتغل شغلها:

فيروز:
بقى مش معقول! خطوبة بنتي وأنا مش اللي هعمل ميك أبها! من النهارده محدش ليه دعوة… أنا اللي هجهزك بنفسي يا عروسة.

الكل يضحك والجو يرجع دافي، وحلا تبص في المراية وهي مبتسمة لأول مرة من الصبح.

فيروز (تكمل):
وبعدين، خليكم مستعدين… خالتك ثريا جاية في أي لحظة… ومعاها يوسف. يا لهوي، الولد ده شكله هيقلب الفيلا دي على دماغنا بضحكه.

ندى تضحك: "أيوه يا طنط ده يوسف بقى!" والبنات كلهم يضحكوا، والمشهد ينتهي على حضن كبير بيجمعهم كلهم.
**********************
في  حديقة الفيلا – صباح الجمعة

أحمد قاعد على كرسي خشب في وسط الجنينة، شايل فنجان قهوة بإيده، وعينه رايحة بعيد… في الأشجار، في السماء، لكن عقله مش هنا. باين على وشه مزيج من الفرح والقلق… كأنه مش مصدق إن البنت الصغيرة اللي كان بيشيلها على كتفه زمان هتبقى عروسة النهارده.

زياد نازل من فوق بخطوات واسعة، ومعاه عصير في إيده، يلاقي والده سرحان.

زياد (بابتسامة عريضة):
يا بابا… إيه الجو الكئيب ده؟! النهارده يوم فرحة… ولا إنت نسيت؟

أحمد يبتسم ابتسامة صغيرة، من غير ما يبص له.

أحمد:
ما نسيتش يا زياد… إزاي أنسى؟ بس يمكن الفرح ساعات ييجي ومعاه دمعة كده على جنب.

زياد يقعد جنبه ويحط العصير على الترابيزة، ويبص له بتركيز.

زياد (بجدية نادرة):
بتفكر في إيه يا بابا؟

أحمد (ياخد نفس عميق):
بفكر… إمبارح كنت شايفها بتجري في الجنينة دي، لابسة فستان وردي صغير، وضفايرها طايرة وراها… بتنده عليا: "بابا… شوفني!"
والنهارده… هتلبس فستان خطوبة… وتبقى عروسة.
الوقت يا ابني… الوقت بيجري أسرع من اللي نتخيله.

زياد يضحك بخفة ويهز راسه:

زياد:
هو ده اللي مضايقك؟ يا بابا دي سنة الحياة. البنت كبرت، واللي جاي ليها أحلى. وبعدين مش أي عريس… ده أدهم! ولد زي الفل، جدع، وأنت بنفسك قلت إنك بتحبه.

أحمد (يهز راسه موافق):
أيوه بحبه… ومرتاح له… لكن برضه يا زياد، قلب الأب عمره ما بيعرف يسيب بسهولة. البنت دي… آخر العنقود… وحتة مني. النهارده بحس كأني بسلّمها من حضني لحضن راجل تاني.

زياد يحط إيده على كتف والده بحنية.

زياد:
بس الراجل التاني ده مش غريب يا بابا. أدهم مش هيخليها تحس بالفرق… ده هيزودها أمان. وأنا و ريان برضه جنبها… يعني حلا مش رايحة بعيد.
إنت دايمًا كنت عايز تشوفنا كلنا مبسوطين… وده اللي بيحصل دلوقتي.

أحمد يبص له بعين مليانة دموع فرحة.

أحمد:
عارف يا زياد… ساعات بحس إني كنت قاسي شوية معاكم… كنت دايمًا صارم وبشد عليكم. بس والله العظيم يا ابني، كنت بعمل كده علشان أبنيكم… علشان لما ييجي يوم زي ده، ألاقيكم رجالة حقيقية.

زياد يضحك ضحكة صغيرة، بس المرة دي فيها تقدير:

زياد:
وإحنا ما بقيناش كده فعلاً إلا بيك. إحنا اللي اتعلمناه منك… القوة، والجدعنة، والاعتماد على نفسنا.
حتى طريق هزارنا ده يا بابا… فيه منك، مش واخدينها من حد تاني.

أحمد يضحك بخفة ويمسح دمعة نزلت من عينه.

أحمد:
ربنا يخليك ليا يا زياد… وإخواتك كمان.
أنا عارف إنكوا هتفضلوا حوالين أختكم… تحموها وتفرحوها. وده اللي بيطمني.

زياد ينهض ويقف قدام والده، يفتح إيديه كأنه بيهزر:

زياد:
حلا؟! دي لو حد فكر يضايقها، مش هيلاقي نفسه غير في البحر… وده أقل واجب.

أحمد يضحك بصوت أعلى المرادي، كأنه اتخفف شوية من الهم.

أحمد:
ربنا يسعدكوا كلكم… ويخليكم سند لبعض.

زياد يربّت على كتف والده مرة أخيرة ويقول بنبرة مرحة:

زياد:
يلا يا كبير العيلة… قوم استعد بقى… عندنا خطوبة النهارده! مش معقول نسيب العريس وأهله ييجوا يلاقوك لسه بتشرب قهوة.

أحمد يقوم واقف، يمد إيده يربت على كتف ابنه، وبص في عينيه بابتسامة دافية.

أحمد:
إنتوا نعم العيال… وربنا يبارك فيكوا.

المشهد ينتهي على صورة الأب والابن وهما خارجين سوا من الجنينة… قلب الأب مطمئن أكتر، والابن شايل همه بابتسامة ومرح.
*********************
في  صالون الفيلا – قبل الظهر بيوم الخطوبة

مهاب قاعد على الكنبة، لابس قميص بسيط، قدامه لابتوب مفتوح وبيشوف إيميله. فجأة يفتح السيڨي اللي بعتته "حور". يفضل يقرأه بدقة، ملامحه تتحول من اهتمام عادي لانبهار حقيقي. يسيب اللابتوب ويمسك الموبايل، يتصل بيها على طول.

حور (بصوت متردد وخجول وهي بترد):
ألو… السلام عليكم.

مهاب (بنبرة هادية ومطمئنة):
وعليكم السلام يا حور… أنا مهاب.

حور (بتوتر خفيف):
أه… أيوه فندم… إزي حضرتك؟

مهاب (يبتسم رغم إنها مش شايفاه):
الحمد لله بخير. أنا لسه مخلص قراءة السيڨي بتاعك… بصراحة ما شاء الله. إنتي مش بس عندك خبرة كويسة… عندك لمسة مميزة جدًا في الـ event planning والـ organization.

حور تسكت لحظة، تبان على صوتها الدهشة.

حور:
بجد حضرتك شايف كده؟ أنا كنت خايفة إن خبرتي تبان قليلة… أنا اشتغلت قبل كده بس حاجات صغيرة.

مهاب (بثقة):
صدقيني… أوقات الجودة أهم من الكمية. ومن اللي قريته… واضح إن عندك عين قوية للتفاصيل. وده بالظبط اللي محتاجينه النهارده.

حور (بتردد):
النهارده؟! قصدك إيه؟

مهاب (بنبرة عملية لكن دافئة):
عارفة إننا عندنا خطوبة أختي حلا بعد صلاة الجمعة. كنا مجهزين فريق، لكن في شوية تفاصيل ناقصة ومش مرتبة بالشكل اللي يليق.
أنا شايف إنك الأنسب… محتاجين حد عنده حس مرتب وهادي يظبط اللمسات الأخيرة.

حور تاخد نفس عميق… باين عليها التردد.

حور:
بس… أنا لسه متعرفتش على حضرتك غير من 3 أيام… ومش عارفة لو مناسب إني أكون في مناسبة عائلية كده.

مهاب (يضحك بخفة):
إنتي عارفة إنك ليكي مكانة خاصة عندي من أول مرة اتقابلنا؟ مش علشان أي حاجة غير إني شفت فيكي إنسانة قوية رغم الظروف… ووالدتك دعتلي دعوة حسيتها من قلبي.
وبعدين… إنتي مش جاية كضيفة. إنتي جاية تشتغلي بمهارتك، وأنا واثق إنك هتعملي شغل يرفع راسك.

حور تبان متأثرة بكلامه، صوتها يهتز شوية:

حور:
أنا… مش متعودة حد يشوفني كده… أو يثق فيا بسرعة.

مهاب (بصدق شديد):
ويمكن عشان كده محتاجة تصدقي إني شايفك. كل اللي بطلبه إنك تيجي… تجربي. لو حسيتِ إن الجو مش مناسبك، هتقدري تمشي في أي وقت.

حور تسكت لحظة طويلة، وبعدين ترد بنبرة أهدى:

حور:
طيب… أنا هاجي. بس بشرط… ما تعتبرش إني جاية أضيفة. أنا جاية أشتغل بجد.

مهاب (بابتسامة واسعة):
وهو ده اللي كنت مستنيه. اتفقنا. هبعتلك العنوان وكل التفاصيل.

حور (بخجل):
تمام… شكرًا أوي على ثقتك.

مهاب (بحنية خفيفة وهو بيقفل):
العفو يا حور… صدقيني وجودك هيفرق. هشوفك قريب.

يخلص المكالمة، يقفل الموبايل ويحط إيده على جبينه وهو بيبتسم بخفة… أول مرة من سنين يحس إن قلبه اتفتح لحاجة مختلفة. وفي نفس اللحظة، "حور" في بيتها، قاعدة تبص في المراية بحيرة، بين خوفها وفرحتها إن في حد شاف قيمتها
*********************
في  – فيلا عائلة أدهم – صباح الجمعة

أدهم واقف في شرفة غرفته، لابس قميص أبيض مفتوح الأزرار من فوق، شعره لسه مبلول بعد ما استحمى. عينه بعيدة، شاخصة في السما. ابتسامة صغيرة باينة على وشه بس ملامحه متوترة… قلبه بيخبط بسرعة. فجأة، صوت خطوات وطرق خفيف على الباب. يدخل فارس – والده – لابس جلابية شيك بيضا، ماسك فنجان قهوة.

فارس (بنبرة دافية):
صباح الخير يا بطل.

أدهم (يلتفت فجأة، يبتسم بخجل):
صباح النور يا بابا.

فارس (يخليه جنبه على الكرسي في الشرفة):
مالك واقف كده سرحان؟ مش المفروض النهارده تبقى طاير من الفرح؟

أدهم (يتنهد ويمسك كوب الميه اللي جنبه):
طاير يا بابا… بس خايف برضه. مش عارف أوصفلك الإحساس… النهارده مش عادي. النهارده هطلب رسميًا إيد البنت اللي قلبي اختارها.

فارس (يبتسم بفخر ويحط إيده على كتف ابنه):
هو ده الطبيعي يا أدهم. لو قلبك ما كانش بيدق دلوقتي… يبقى في حاجة غلط. اللي إنت حاسه ده هو معنى الرجولة الحقيقية… المسئولية.

أدهم (بصوت هادي):
أنا طول عمري شايل هم إني أكون قد المسئولية… من وأنا صغير كنت عارف إني الكبير وإن اخويا الصغير شايفني قدوة. النهارده حسيت الحمل أكبر… حلا مش أي بنت، حلا هتكون شريكة حياتي. خايف ماعرفش أحافظ عليها زي ما تستاهل.

فارس (بهدوء أبوي):
بص يا أدهم… أنا ربيتك على كلمة واحدة: "الست اللي تدخل بيتك… تبقى أمانة في رقبتك".
لو حلا بقت مراتك، مش بس هتكون شريكتك… دي هتبقى بنتي التانية.
الخوف اللي في قلبك ده دليل إنك راجل… اللي بيخاف من التقصير، عمره ما هيقصّر.

أدهم (تلمع عيناه بتأثر):
إنت دايمًا بتطمني يا بابا… وجودك جنبي بيهون أي حاجة.

فارس (بضحكة خفيفة):
هو أنا غير كده ليه؟ أنا طول عمري ضهرك… من أول يوم مسكت إيدك ورحت بيك المدرسة، لحد النهارده اللي هتمسك فيه إيد بنت الناس قدامنا.
وعلى فكرة… إنت اخترت صح. أنا شوفت نظرة عينيك وانت بتبص لحلا… ودي نظرة ما بتكذبش.

أدهم (يبتسم بخجل):
هي غيّرتني يا بابا… من أول يوم شوفتها وأنا حاسس إنها مختلفة. ومع كل يوم بيعدي… باكتشف إن قلبي مش ممكن يلاقي راحته إلا معاها.

فارس (يهز راسه برضا):
وأنا فرحان بيك قوي.
بكرة يا ابني لما تبقى أب هتفهم معنى الإحساس اللي عندي دلوقتي… فرحان إنك لاقيت بنت الحلال اللي تكمّل حياتك، وزعلان في نفس الوقت إنك مش هتفضل معايا زي زمان.

أدهم يتحرك بسرعة، يقرب من فارس ويحضنه بقوة.

أدهم (بصوت مخنوق من التأثر):
أنا عمري ما هسيبك يا بابا… إنت مش بس أبويا… إنت قدوتي، ضهري، سندي. وجودك جنبي النهارده هو أكبر نعمة في حياتي.

فارس (يربت على كتفه بابتسامة دافئة):
وإنت برضه أكبر نعمة في حياتي يا أدهم.
قوم بقى خلينا نجهز… النهارده يومك. وخلي خوفك يتحول فرحة… لأن الليلة دي مش هتتنسي أبدًا.

أدهم يمسح عينه بسرعة وهو بيضحك بخجل، وفارس يطل على الحديقة من الشرفة وهو شايف فيها ملامح مستقبل ابنه الكبير.
*******************

أدهم لسه بيحضن فارس ويتأثر… وفجأة الباب يتفتح بعنف ويدخل مازن، لابس تي-شيرت كاجوال وبنطلون جينز، شعره منكوش شوية وعامل نفسه "كول". في إيده سندويتش فول ولسه بيأكل فيه.

مازن (بضحكة عالية):
إييييه يا جماعة؟ المشهد ده شكله طالع من فيلم دراما!
يعني أنا أفتح الباب ألاقيكوا حضنين بعض وعينيكوا بتلمع؟
هو في إيه؟ العريس هيزوّج نفسه ولا إيه؟

أدهم (يضحك بخجل وهو يفك الحضن):
يا ابني اطلع برّه، مش ناقصك دلوقتي.

مازن (يقرب ويقعد عالكرسي قدامهم وهو ياكل):
لا يا عم، مش طالع… ده يومي أنا كمان. أخويا الكبير هيتخطب وأنا المفروض أكون المعلّق الرسمي على الأحداث.

فارس (بنبرة هادية لكن مبتسمة):
سيبك من التريقة يا مازن… يومك انت كمان هييجي.

مازن (يغمز):
لا يا بابا، أنا عايز أستمتع بالأول بعريس العيلة. بعدين، أنا مش لاقي بنت تستحمل دماغي أصلاً.

أدهم (ساخر):
طبيعي… مين هيستحملك انت؟ ده أنا بأعجوبة استحملت 20سنة.

مازن (يمد إيده ليدغدغ أدهم):
آه يا عريس… أوعى تنسى إنك مهما كبرت ولبست بدلة وخطبت… هتفضل بالنسبة لي "أدهم اللي بعيّط أول يوم في الكلية عشان ما لاقاش المدرج".

فارس (يضحك من قلبه):
إنت مش هتتغيّر أبدًا يا مازن. بس بجد… عايزك تبقى جنبه النهارده. مش هزار.

مازن (يأكل آخر لقمة من السندويتش ويمسح إيده):
أكيد يا بابا… إزاي يعني؟ ده أنا ناوي أكون "مساعد العريس الخاص".
(بصوت جدي شوية وهو يبص لأدهم)
بص يا أخويا… إنت مش لوحدك. إحنا كلنا معاك. وأنا عارف إنك متوتر بس صدقني… لما تشوف حلا وهي داخلة القاعة هتنسى أي خوف.

أدهم يبتسم، يحس بالراحة، وفارس يبص على ولاده اللي قدامه… قلبه يتسع بالرضا والفخر.

فارس (بصوت دافئ):
الحمد لله… عندي اتنين رجالة أرفع بيهم راسي.

مازن (يمثل إنه بيتأثر):
يا بابا… هتخليني أعيط زي أدهم كده.

أدهم (يديله خبطة خفيفة على راسه):
امشي من هنا يا عيل.

الجميع يضحك، والجو يتغير من التوتر لمرح دافي، استعدادًا ليوم طويل مليان أحداث.
********************

أدهم بعد الضحك مع مازن، سكت فجأة… ملامحه بقت حزينة وهو بيبص قدام في الفراغ. فارس لاحظ، ومازن كمان وقف ضحكه.

فارس (بهدوء):
مالك يا أدهم؟ وشك قلب فجأة كده ليه؟

أدهم (بصوت منخفض):
كنت… كنت بتمنى يا بابا إن عمتي أسماء تبقى موجودة النهارده.
يعني… يوم زي ده كان نفسي أشوفها جنبي.

مازن (ينزل عينيه بحزن):
آه والله… العمة أسماء لو كانت هنا كانت هتعمل قلبان في الفيلا من فرحتها.

أدهم (بصوت مبحوح):
عارف إنها بتكلمنا طول الوقت، وإنها ما قصّرتش معانا في حاجة… بس الحضور حاجة تانية. أنا فاكر وهي بتحكيلي أيام صغيرة… عن مصر والجو العائلي… كان نفسي أعيش اللحظة دي معاها.

فارس يتنهد تنهيدة عميقة، صوته بقى متأثر.

فارس:
بص يا ابني… عمّتك أسماء مش يوم ولا اتنين وهي بتشيل وجع عمره كله.
اللي حصلها يوم فرحها ما يتنسيش… تخيّل، عريسها يسيبها وهي لابسة فستان الفرح، ويروح يتجوز تانية قدام عينيها… ده كسر عمره ما يتلحم.

مازن (بحزن):
وأخدت القرار تسافر أستراليا وتبعد… وما رجعتش من ساعتها.

فارس (مكمل):
بالظبط. هي لسه بتكلمنا، ولسه قلبها معانا… لكن رجوعها هنا ممكن يفتح جرح ما قفلش. وخصوصًا يوم زي ده… يوم خطوبة… هتفتكر اللي حصل ليها.
فلازم نعذرها يا ولاد… مش أي حد يقدر يواجه ماضيه بسهولة.

أدهم (يهز راسه بتفهم):
عارف يا بابا… عارف. عشان كده مش زعلان منها… بس… (يسكت شوية) كنت محتاجها. كنت محتاج أبص في عينيها وأشوفها فرحانة عشاني.

فارس يمد إيده على كتف أدهم ويضغط عليه بحنان.

فارس:
صدقني يا ابني… هي فرحانة بيك من قلبها، حتى لو من بعيد. إنت مش شايف رسالتها امبارح وهي بتعيط وتدعيلك إزاي؟
اللي بيحب بجد… وجوده مش دايمًا بالجسد، ساعات بيكون بالروح.

مازن (بصوت مكسور شوية):
أنا كمان مفتقدها. نفسي أشوفها راجعة بيتنا، نفسي أشوفها قاعدة معانا على الصفرة زي زمان وهي بتحكيلنا قصص.

فارس (ينظر لولاده):
عارف يا مازن… وأنا زيكم بالظبط. بس لغاية ما ربنا يقدّر وترجع… هنفضل نحبها ونحافظ على صلتنا بيها. وعايزكم دايمًا تبقوا ولاد يرفعوا راسها وسط الناس، حتى من بعيد.

أدهم يغمض عينيه شوية ويبتسم ابتسامة حزينة.

أدهم:
إن شاء الله يا بابا… بس برضه، وعدني… لو في يوم حست إنها مستعدة ترجع، ما تمنعهاش.

فارس (بهدوء وابتسامة أبوية):
وعد.

مازن يقوم ويقف قدامهم، يحاول يخفف الجو الحزين.

مازن (يحاول يرسم ضحكة):
طب خلاص… أنا عندي حل. أنا هسافر أستراليا أجيبها بنفسي!
بس بشرط… تيجوا تدفعوا تمن التذكرة.

أدهم يضحك من قلبه رغم حزنه، وفارس يهز راسه مبتسم.

فارس:
إنت عمرك ما هتتغير يا مازن… بس يمكن ده بالظبط اللي بيخلينا نعدّي أي لحظة صعبة.

الجو يفضل فيه خليط من الشجن والدفا… استعداد للّيلة اللي هتغيّر حياتهم.
*********************
في  – غرفة نادية – قبل الظهر

نادية قاعدة على الكرسي قدام التسريحة، مسكة بين إيديها علبة مجوهرات صغيرة، ووشها منور من الحماس. كانت بتفتّح وتبص على الطقم اللي ناوية تلبسه النهارده. عينيها فيها لمعة فرحة، كأنها مش مصدقة إن ابنها الكبير هيخطب النهارده.

نادية (لنفسها بابتسامة):
ياااه يا رب… إمتى كبر الولد وبقى عريس! لسه شايفاه بعيني وهو طفل صغير بيجري في البيت. الحمد لله… الحمد لله إنك حققت دعائي.

خبط خفيف على الباب، يفتح وتدخل "لوسي" بخطوات سريعة، فستانها صيفي بسيط، شعرها منسدل، ملامحها فيها بريق جديد من السعادة.

لوسي (بمرح):
صباح الفل يا طنط! إيه الأناقة دي؟ باين عليكي هتكسري الدنيا النهارده.

نادية (تضحك بخفة):
صباح النور يا قلبي… إنتي منورة أكتر. تعالى يا لوسي، اقعدي جنبي.

لوسي تقعد جنبها وتاخد إيدها بحنية.

لوسي:
النهارده يوم تاريخي، أدهم أخويا الكبير هيخطب. أنا مبسوطة جدًا… مبسوطة له، ومبسوطة ليكي إنتي وبابا.

نادية (عينيها تدمع):
الحمد لله يا بنتي… يمكن أنا أكتر وحدة حاسة باليوم ده. من يوم ما شفت حلا أول مرة… قلبي ارتاح. بنت طيبة ووشها منور… قلت بيني وبين نفسي: دي هتبقى ضهري لابني.

لوسي (بابتسامة فيها ندم خفيف):
عارفة يا طنط… أنا كنت زمان بغار جدًا من أي بنت تقرب لأدهم. كنت فاكرة إن هو ليا أنا…
تسكت لحظة وتتنهد
بس من يوم ما كريم دخل حياتي… اكتشفت إني كنت عايشة وهم. كريم… غيرني يا طنط. خلاني أضحك من قلبي، حسيت معاه إني صغيرة وهو شايلني كأني أغلى حاجة في الدنيا.

نادية (تلمس خدها بحنان):
عارفة يا بنتي… وإنتي أصلًا من الأول قلبك أبيض. بس الظروف خلتك متلخبطة. والحمد لله إن ربنا بعتلك اللي يقدّرك.

لوسي (بحماس):
وبعدين… عايزة أقولك حاجة بجد: أنا بقيت بحب حلا. بجد!
تضحك بخفة
فاكرة أول مرة شفتها؟ كنت ببصلها بطريقة… غريبة شوية. يمكن خوفتها. بس دلوقتي… والله نفسي أشوفها وأحضنها وأقولها: "مبروك يا أختي".

نادية (تضحك من قلبها):
أيوة كده يا لوسي… إنتي من النهارده أخت لأدهم بجد، وده معناه إن حلا هتبقى أختك كمان. وأنا نفسي يوم ما تخليفي، عيالك يبقوا زي ولادي.

لوسي ترمي نفسها في حضن نادية وتضحك وتعيط في نفس الوقت.

لوسي (بصوت متأثر):
إنتي مش بس طنط… إنتي ماما بجد. من يوم ما اتولدت وإنتي الحضن والأمان. أنا مش عارفة أشكرك إزاي.

نادية (تشدها في حضنها):
ماتشكرينيش يا حبيبتي… إنتي بنتي، زي أدهم ومازن بالظبط. وأنا يوم ما شوفك في فستان فرحك مع كريم… قلبي هيرقص من الفرحة.

لحظة دفا وسكون… وبعدين لوسي تقوم وتقف قدام المرايا، تلف حوالي نفسها بخفة.

لوسي (بمرح):
طيب يا ماما… أنا النهارده لازم أبقى شيك أوي. أصل لو كريم شافني أقل من كده هيتدلع عليا ويقعد يقول: "إزاي عروستي تبقى مش أجمل وحدة؟".

نادية (تضحك):
ما هو كريم دلوع أصلاً… بس إنتي عارفة تعامليه.

لوسي (تغمز بخبث):
طبعًا… أنا الملكة!

الاتنين يضحكوا، والجو في الغرفة يمتلئ بهجة وطمأنينة، استعداد لليلة كبيرة.
********************
– أمام فيلا فارس – بعد صلاة الجمعة

فارس واقف قدام السيارة، لابس بدلة شيك لكن مش كاملة، مجرد جاكيت وبنطلون، ماسك مفاتيح العربية. نادية نازلة بخطوات واثقة، لابسة شال أنيق، في وشها ملامح توتر ممزوجة بفرحة. أدهم واقف جمب أبوه، متأنق لكنه متواضع، ملامحه جادة وفيها هيبة العريس. مازن كالعاده بيهزر ويقلد حركات العرسان وهو يضحك، وبيضحك لوسي اللي وقفة جنبه في فستان أنيق. شريف الأخ الأصغر لفارس، واقف مبتسم وبيعدل كرفته.

فارس (بصوت جدي لكنه دافئ):
طيب يا جماعة، كله جاهز؟ يلا بينا نتحرك قبل الزحمة. النهاردة مش زي أي يوم.

نادية (بابتسامة حنونة):
صح، النهاردة هيتكتب تاريخ جديد للعيلة.

مازن (مازحًا وهو يفتح باب السيارة):
يا جماعة، خلي بالكم… العريس مش أي عريس. ده أخويا الكبير وأحلى عريس في الدنيا.

أدهم (يبتسم بخفة):
بطل هزار يا مازن… خليك عاقل شوية.

لوسي (تضحك):
سيبه يا أدهم، هو دايمًا هيكسر الجدية بتاعتك.

الجميع يضحك بخفة… فجأة، يتوقفوا كلهم لما يسمعوا صوت حنون، هادي لكنه مليان قوة ذكريات.

الصوت:
يعني إيه… رايحين من غيري؟!

الكل يلتفت بسرعة… الصدمة تتجسد على وجوههم. هناك، على بعد خطوات، تقف أسماء… بملابس أنيقة بسيطة، شعرها فيه خصل بيضاء، عيونها مليانة دموع وفرحة. واقفة وبتبص لهم وكأنها ما صدقت تشوفهم بعد 29 سنة.

فارس (مبهوت):
أ… أسماء؟!!

شريف (عيناه تتسع):
ياااه… معقول! أسماء!

نادية تحط إيدها على فمها من الدهشة، مازن واقف ساكت لأول مرة، وأدهم يتجمد في مكانه، عيونه تلمع. لوسي تغطي فمها بيدها بفرحة كبيرة.

أسماء تمشي خطوات سريعة وهي تفتح ذراعيها.

أسماء (بدموع):
أدهم… مازن… لوسي… ولادي التانيين!

أول من يتحرك هو مازن، يركض بسرعة نحوها كطفل صغير ويرتمي في حضنها.

مازن (بعاطفة جياشة):
يا عموووتي! أخيرًا… أخيرًا! كنت طول عمري نفسي أشوفك.

أسماء تبكي وهي تحتضنه، ثم تبعد شوي وتبص في عيون أدهم، اللي لسه واقف متردد، صامت من قوة اللحظة.

أسماء (تمد إيديها ليه):
تعالى يا حبيبي… أنا وحشتني نظرة عينيك، من غير ما أشوفك قبل كده.

أدهم يخطو بخطوات بطيئة لكنه فجأة يفتح دراعيه ويحضنها بقوة.

أدهم (بصوت مبحوح):
كنت بحلم باللحظة دي يا عمتي… كنت نفسي أشوفك يوم خطوبتي… وربنا حققها.

أسماء تبكي بحرارة وهي تحتضنه.

أسماء:
مستحيل أفوّت اليوم ده، مستحيل… إنت أول فرحة قلبي بعد سنين حرمان.

لوسي تدخل بسرعة وتحتضنها هي كمان.

لوسي (بدموع):
ماما أسماء… إنتي مش عارفة أنا محتاجة الحضن ده قد إيه.

أسماء تقبل رأسها وتشدها في حضنها، ثم تلتفت وتشوف فارس واقف مكانه… عيونه دموعه على وشك ينزل، وشريف كمان متأثر جدًا.

أسماء (تفتح ذراعيها ليهم):
إخواتي… فارس… شريف… سامحوني… بعدت كتير… لكن قلبي كان معاكم كل يوم.

فارس يمشي نحوها ببطء، وبعدين يحتضنها بقوة كأنه مش عايز يسيبها.

فارس (بدموع):
يا أختي… رجوعك النهارده هو العيد… رجعتي عشان تشوفي الفرحة اللي اتحرمنا منها زمان.

شريف (يشاركهم العناق):
أخيرًا اتلمّينا… الحمد لله.

الكل يتعانق، الدموع والضحك في وقت واحد، المشهد مليان دفء وسعادة.

نادية (بصوت متأثر):
سبحان الله… ربنا عوّض صبرنا. رجوعك النهارده يا أسماء… أحلى هدية للعريس.

أسماء (تمسح دموعها وتنظر لأدهم):
أنا هنا مخصوص علشانك يا أدهم… علشان أشوفك وإنت بتبدأ حياتك.

أدهم (يبتسم رغم دموعه):
وجودك النهارده… هو أحلى حاجة حصلتلي.

الجميع يضحك ويبكي في نفس الوقت، والجو يبقى مليان بهجة لم يشهدوها من سنين طويلة. المشهد يتلاشى على صوت ضحكاتهم وحضن عائلي كبير.
*******************
في  – فيلا عائلة حلا – الصالون الكبير – قبل ساعة من مجيء العريس وأسرته

الجو كله حركة… أصوات تجهيز، صوت الموسيقى الخفيفة، صينية عصير بتنحط على الترابيزة. حلا قاعدة على الكنبة، لابسة فستان بيت شيك قبل ما تغير لفستان الخطوبة، شعرها مفكوك شوية، عيونها فيها قلق وتعب من قلة النوم. ندى صديقتها جالسة جنبها تمسك إيدها، وضحى وغزل مشغولين في اختيار الإكسسوارات، ثريا أخت فيروز قاعدة على الكرسي تضحك وتهزر. فيروز واقفة، أنيقة وملامحها هادية لكنها تراقب ابنتها بعين الأم القلقة.

فيروز (بابتسامة دافية وهي تضع يدها على كتف حلا):
مالك يا حبيبتي؟ ده يومك الجميل… مش عايزاكي تضيعيه بالقلق.

حلا (بصوت واطي، تحاول تخفي قلقها):
مش عارفة يا ماما… حاسة قلبي مقبوض… وكأني متوترة زيادة عن اللزوم.

ندى (تشد على إيدها):
بس ده طبيعي يا حلّولة! كل البنات قبل يوم خطوبتهم بيبقوا كده. صدقيني… أول ما تشوفي أدهم، هتنسَي كل ده.

ضحى (وهي ماسكة عقد لامع):
بصي… العقد ده هيخليكي أميرة. العريس مش هيشوف حد غيرك، هيبقى عايز يقول للناس كلها: دي خطيبتي.

غزل (بحماس):
يا سلام… والله يا حلا، شكلك هيبقى لوحة فنية. أنا حاسة إني اللي هتخطب مش إنتِ.

الجميع يضحك، إلا حلا اللي تبتسم ابتسامة خفيفة لكن عينيها تبان قلقة.

ثريا (بصوت مرح):
يا بنات، إيه ده؟ سيبوا العروسة تاخد نفس! أنا فاكرة يوم خطوبتي… كنت هموت من الرعب… وفعلاً كنت عايزة أهرب.

فيروز (تضحك):
وإنتِ لسه بتفكري تهربي دلوقتي يا ثريا.

الجميع يضحك مرة تانية، الجو يخفّ شوية، لكن حلا تمسك يد أمها بقوة وتتكلم بجدية.

حلا:
ماما… إنتي متأكدة إن كل حاجة هتمشي تمام؟ مش عارفة… من امبارح عندي إحساس غريب، كأن حاجة وحشة ممكن تحصل.

فيروز تبص في عينيها وتلمس خدها بحنان.

فيروز:
يا بنتي، دي وساوس توتر. ربنا مش هيجيبلك غير الخير. إنتِ داخلة على حياة جديدة مع راجل محترم بيحبك. إنتي هتعيشي فرحة العمر النهارده.

ندى (تحاول تضحكها):
بصي يا حلا… لو في حاجة وحشة هتحصل، تبقى إن الأكل يخلص قبل الضيوف ما يوصلوا. بس إحنا مجهزين الجيش، مش الضيوف.

الجميع يضحك، لكن حلا تهز رأسها بخفة وتبتسم ابتسامة ضعيفة.

حلا (بصوت داخلي متردد):
يارب… يعدي اليوم ده على خير.
**********************
في  – شقة سيرين – غرفة مظلمة – قبل ساعة من موعد الخطبة

الإضاءة خافتة، الستائر مسدلة، طاولة مليانة أوراق وصور لحلا ممزقة، بجوارها سكين لامع موضوع بعناية. سيرين واقفة قدام المراية، شعرها مبعثر وعيونها مليانة حقد، تبتسم ابتسامة شريرة وهي تضع أحمر شفاه داكن.

سيرين (بصوت منخفض، كأنها تكلم نفسها):
وأخيراً… يومك يا حلا جه.
كل الناس مبسوطين… فاكرين إنهم هيشوفوا عروسة متلألئة… بس محدش عارف إني أنا اللي هكتب النهاية.

تضحك ضحكة قصيرة ومخيفة، ثم تمسك صورة لحلا وهي مبتسمة، تقطعها ببطء بالسكين.

سيرين (بعصبية):
إيه اللي خلاكي تاخدي مني كل حاجة؟
الحب… الصحاب… النظرات… حتى أدهم… حتى حياتي!
أنا اللي استاهل… مش إنتِ!

ترمي القصاصة على الأرض وتدوسها بكعب حذائها، ثم تجلس على الكرسي وتفتح درج صغير. تسحب منه علبة صغيرة فيها مناديل ملطخة بالدم، تبتسم وهي تتذكر جرائمها السابقة.

سيرين (بهمس قاتم):
ماما… رنا… كله كان لازم يختفي.
الضعف مش مكانه هنا… اللي يقف ضدي، لازم يختفي.

تنهض، تأخذ السكين، تضعه في حقيبة يد أنيقة وتغلقها بإحكام.

سيرين (بصوت مليء بالجنون):
النهاردة… الناس هيفتكروا يوم الخطوبة… بس مش كفرحة… لا.
هيفتكروه كيوم النهاية… يوم موتك يا حلا!

تضحك بصوت عالٍ مجنون، ثم فجأة تصمت وتحدق في المراية. عينيها تلمع، ووجهها يبدو مخيفاً، كأنها فقدت آخر ذرة عقل.

سيرين (ببرود مرعب):
أنا هكون بطلة الليلة… وكل الأنظار عليا… مش إنتِ.

تعليقات



<>