رواية بين سطور العشق الفصل الخامس والعشرون25بقلم سيليا البحيري

رواية بين سطور العشق الفصل الخامس والعشرون25بقلم سيليا البحيري

ثلاث سنوات مضت… سنوات لم تكن سهلة، حملت في طياتها الفقد، والدموع، والفرح، والحب الكبير.

مهاب وحور… جمعهما القدر أخيرًا تحت سقف واحد. زواجهما كان بداية قصة حب ناضجة، مليئة بالشغف والسكينة. لم يمر زواجهما دون ضريبة، فسمر، خطيبة مهاب السابقة، لم تحتمل الصدمة، واختارت أن تنهي حياتها بيدها، تاركة خلفها جرحًا غائرًا في قلوب من عرفوها.

ريان وغزل… احتفلا بزفافهما قبل عامين، واليوم يملأ بيتهما ضحكات صغيرهما زين، الذي أتم عامه الأول، وأصبح فرحة العائلة.
زياد و ضحى… تشاركا حفل الزفاف نفسه مع ريان وغزل، واليوم يحتضنان طفلتهما الصغيرة رهف، ذات الخمسة أشهر، لتكتمل فرحتهما.

أما حلا… لا تزال مخطوبة لآدهم، رغم مرور ثلاث سنوات. لم يتعجل والدها أحمد الزواج، لكنه سمح بعقد القران مؤخرًا. آدهم لم يبتعد يومًا عنها، بل ظل يساندها ويدفعها نحو النجاح.
حلا أصبحت طالبة مجتهدة في كلية هندسة البرمجيات، سنة ثالثة، وفي الوقت نفسه تحولت رواياتها إلى أفلام ناجحة، بفضل آدهم، الذي صار مخرجًا شهيرًا تتحدث عنه الصحافة. علاقتهما لم تخمد، بل ازدادت قوة ورسوخًا.

مازن، شقيق آدهم الأصغر، أنهى دراسته الجامعية، والتحق بشركة العائلة، بجانب صديقه المقرّب ريان. ورغم نجاحه العملي، إلا أن الحب ما زال بعيدًا عنه.
يوسف، ابن خالة حلا، صنع لنفسه اسمًا في عالم الأعمال، وشركته الصغيرة أصبحت إمبراطورية… لكن قلبه بقي وحيدًا، بلا شريكة حياة.

ندى وتميم… قصة مختلفة، ارتبطا بخطوبة راسخة، ويستعدان للزواج قريبًا. أما أسماء، عمة آدهم، فقد وجدت راحتها أخيرًا في مصر، ونسجت لنفسها حياة جديدة بعد أن تحررت من ذكرياتها المؤلمة.

على الجانب الآخر، لم تختفِ الظلال كلها… سيرين، الفتاة التي حملت الحقد في قلبها، أنهت حياتها في زنزانتها، مخلفة خلفها ماضيًا مظلمًا. والدها فايز وشقيقها ماهر رحلا إلى إيطاليا، تاركين مصر بكل ما فيها من وجع.

جيلان، صديقة الأمس وعدوة اليوم، لم تتخلّ عن كرهها لفيروز، ورغم أن السنوات مرّت، إلا أن النار في قلبها ما زالت مشتعلة، حتى وإن فقدت الأمل بالصلح.

أما العائلة الكبيرة… أحمد وفيروز استقرا في مصر نهائيًا، وأصبحا يعيشان هدوء ما بعد العاصفة. ثريا، شقيقة فيروز، وجدت الراحة بجوارهما. فارس ونادية، والدا آدهم، ينظران بفخر لنجاحات ولديهما، وكذلك شريف عم آدهم، الذي يفرح اليوم بحفيدٍ صغير، رائف، ابن لوسي وزوجها كريم، الذي أتم عامه الثاني.

الجميع تغيّر، كبر، خاض معاركه الخاصة…
لكنّ القصة لم تنتهِ بعد.
فما زال المستقبل يحمل الكثير من المفاجآت…
وحب حلا وآدهم على موعد مع اختبار جديد.
*****************

كان الصبح هادي في بيت مهاب وحور. شمس داخلة بخجل من ورا ستاير القوضة البيضا، ماليه المكان بدفا خفيف. حور فتحت عينيها ببطء، اتفردت بكسل عالسرير، بس أول ما مدت إيدها جنبها لقت المكان فاضي. رفعت راسها بقلق، بتبص حواليها، لحد ما سمعت صوت الميّة وقف جوه الحمّام.

بعد دقايق خرج مهاب، شعره المبلول نازل عجبينه، وقميصه الأبيض البسيط ماسك على جسمه. أول ما شافها صحيّة، ابتسم ابتسامة خلّت قلبها يدق.

مهاب (بصوت واطي وهو بيقرب): صباح الخير يا ملاكي… صحيت من غيري؟

حور (مستخبية في الغطا بخجل): صباح النور… أيوه… ما لقتكش جنبي خوفت.

قرب منها وقعد على طرف السرير، مال ناحيتها وشال الغطا برفق، وكشف وشها المحمّر.

مهاب (وهو بيلمّس خدها): أنا هنا… ومش هبعد أبدًا. عارفة؟ قبل ما تدخلي حياتي كنت بارد… ما بحسش بحاجة. كنت عايش زي المكنة. إنتي اللي قلبتِ عالمي، خليتيني راجل تاني.

حور ابتسمت بخجل، بس الأفكار فضلت تعكنن عليها. أخدت نفس تقيل وقالت:

حور: مهاب… ضحى عندها رهف، وغزل عندها زين… وأنا… ولا حاجة… عدّى سنتين على جوازنا ولسه زي ما إحنا…
(بصوت واطي): يمكن أكون السبب… يمكن أنا… ما بخلفش.

بصّ لها مهاب بحدة، ومسك وشها بين إيديه، غصبها تبص في عينيه.

مهاب (بصوت عميق ومليان عشق): إوعي تقولي الكلمة دي تاني!
إنتي مش أقل من أي واحدة… إنتي حور… الست اللي كسرت التلج جوايا. لو ربنا ما رزقناش بعيّل أبدًا… يكفيني إني أصحى ألاقيكي جنبي.
أنا مش عاوز غيرك… إنتي وبس.

حور (والدموع في عنيها): بس إنت بتحب العيال… وعم لزين ورهف… كل مرة بشوفك شايلهم بتدوب فيهم…
(بهمس): نفسي أديك الإحساس ده، مهاب… نفسي أخلفلك طفل يشبهك.

مهاب ابتسم بحنان، ونزل قبّل دموعها قبل ما تقع.

مهاب: طفلي الحقيقي هو إنتي…
(يضحك بخفة وهو بيعدّل في شعرها): وبعدين مين قالك إني ما بدوبش وأنا شايلك إنتي؟! إنتي عشقي الوحيد يا حور.

وشها حَمَر أكتر، نزلت عينيها بخجل وقالت بهمس:

حور: مهاب… ساعات ما بفهمش إزاي بتحبني كده… أنا لا حلوة زي غزل ولا قوية زي ضحى…

مهاب (يمسك إيدها ويحطها ع قلبه): بس إنتي الوحيدة اللي خلت القلب ده يدق… كل جمال الدنيا ما يسواش عينيكي، ولا كل قوة الأرض تعدل ضعفك اللي بيكسرني.
أقسم بالله… ما عاوزش يوم أصحى وما لاقكيش جنبي.

شدها على صدره بقوة، دافن وشه في شعرها وهو بيهمس بصوت مبحوح من كتر المشاعر:

مهاب: ما تقارنيش نفسك بحد يا حور… إنتي حكايتي كلها… والقدر هيجيب اللي بنتمنّاه في وقته. وحتى لو ما حصلش… أنا مكتفي بيكي.

حور (بابتسامة مرتعشة ودموعها سايلة): بحبك… بحبك أكتر ما تتصور.

مهاب (يمسح دموعها ويبتسم): وأنا بعشَقِك… لآخر نفس في عمري.

في اللحظة دي… الدنيا كلها اختفت، وما بقاش غير اتنين… عاشق ولهان وست خجولة خطفت قلبه للأبد.
*******************

كانت لسه في حضنه، بس المرة دي ما ابتسمتش، بالعكس ضمت نفسها أكتر وكإن في فكرة تقيلة راكبة على قلبها. رفعت عينيها بخوف وقالت بهمس:

حور: مهاب… ساعات بحس إن اللي بيحصل ده عقاب لينا…
يمكن… ذنب سمر… هي خلصت على نفسها بعدك… يمكن سابت وراها لعنة، حرمتنا من العيال.

اتجمد وش مهاب، وبعدها أبعدها شوية من حضنه عشان يبص في عينيها على طول. كانت عينيها مليانة دموع ورهبة.

مهاب (بصوت حاد لأول مرة): إوعي تنطقي اسمها تاني!
سمر ما كانتش غير كابوس… واحدة مريضة، حاقدة، ما تعرفش يعني إيه حب. أنا ما استحملتهاش يوم… كنت مقرف منها… وكل اللي عملته كان بيأكد إنها ما تستاهلنيش ولا تستاهل أي راجل.

مسك وش حور بين إيديه بقوة أكبر، وصوته لين شوية بس فضل ثابت:

مهاب: مالهاش دعوة بيكي… ولا بعيالنا… ولا بمستقبلنا. موتها كان قرارها هي، وجنونها نهايتها هي لوحدها.
حور… ما تخليش ظلها يوسّخ حياتنا. إنتي نوري… وإنتي بداية عمري.

حور (بهمس بيرتعش): بس أنا خايفة…

مهاب (يمسح دموعها بإبهامه): وأنا موجود عشان أواجه خوفك معاكي.
اسمعيني كويس… لا سمر ولا غيرها تقدر تسرق مننا سعادتنا.

وبعدين طبع قبلة طويلة على جبينها، كإنه بيختم بوعد أبدي.
********************

صوت ضحكات زياد يملأ الغرفة، كان يجلس على السرير ممسكًا ابنته الرضيعة رهف، يرفعها عاليًا في الهواء كأنها طائرة صغيرة، بينما الصغير تضحك بصوتٍ عذب يجعل قلب أمها يذوب.

زياد (يمثل بصوت مضحك): يا جماعة، شوفوا أشهر طيارة في مصر، الكابتن رهف زياد 
(يقلد أصوات الطائرات: "ووووووووش")
رهف تضحك بصوت عالٍ وتصفق بيديها الصغيرة.

ضحى كانت تقف عند المرآة تُرتب شعرها، لكنها التفتت نحوهما بعينين مليئتين بالغيرة المحببة.

ضحى (تضع يديها على خصرها): آه… واضح إني ما بقيتش مهمة أهو… الطيارة الصغيرة خطفت قلبي أنا من أبوها!

زياد (بتهريج وهو يغمز لرهف): إيه رأيك يا كابتن رهف؟ نسيب ماما ونروح نعيش إحنا الاتنين؟
رهف تضحك وكأنها تجاوبه.

ضحى (تقترب بسرعة وتأخذ الطفلة من يديه): لأ يا أستاذ! دي بنتي قبل ما تكون بنتك.
(تضم الصغيرة إلى صدرها وتتكلم معها)
قوليله يا رهف… مفيش حد في الدنيا يحبك زي ماما.

زياد (يمثل الغيرة): الله! يعني أنا مفيش حب ولا حنية ليا؟ ده أنا اللي بصحى بالليل أغير لها الحفاض، وأعملها حفلة رقص على سريرها عشان تسكت!

ضحى (تضحك رغماً عنها): حفلة رقص إيه يا مجنون! أنت بتعملها سيرك مش حفلة نوم.

زياد (يمثل جدية مصطنعة): يا ستي ده اسمه أسلوب علمي حديث، بيخلي البنوته تطلع دمها خفيف زي أبوها.

ضحى (تبتسم بحب): الله يستر بقى لو طلعت دماغها زيك.

زياد (يميل إليها ويضع رأسه على كتفها وهو يلاعب الصغيرة): المهم تطلع ضحكتي في عينيها… وأنتي دايمًا جمبي.
(ينظر لها بجدية نادرة): أنتي و رهف حياتي كلها يا ضحى.

ضحى (تتأثر رغم محاولتها تخفي ذلك): يا زياد… إنت جننتني من أول يوم… بس برضه إنت أمان قلبي.

رهف تصدر صوتًا بريئًا وكأنها تعلق.

زياد (يضرب كفًا بكف ويمثل): سمعتي؟ حتى رهف موافقة إن بابا وماما لازم يفضلوا يحبوا بعض للأبد.

ضحى (تضحك وتقبّل طفلتها): يلا يا بنتي… نسيب المجنون ده وندخل نجهز الفطار.

زياد (يجري خلفهما): لأ يا ست الكل… من غيري البيت هيبقى كئيب… وأنا رئيس قسم الهزار الرسمي!
*********************

كانت أشعة الشمس الذهبية تتسلل بهدوء من نافذة غرفة النوم، وهدوء المكان لا يكسره سوى أنفاس زين المنتظمة وهو ممدد بين والديه.
ريان كان جالسًا مسندًا ظهره على الوسادة، يحمل ابنه بين ذراعيه بحذر وكأنه أثمن ما في الدنيا.
غزل كانت بجواره، رأسها مستند على كتفه، تراقب ملامح الطفل الصغيرة بعيون تلمع حبًا.

غزل (بابتسامة هادئة): سبحان الله… كل مرة أشوف وشه أحس الدنيا كلها لسه بخير.

ريان (ينظر لها): الدنيا بخير طول ما أنتي معايا… وإنتي اللي جبتيلي المعجزة دي.
(يقبل رأس زين): صغيري… حياتي التانية.

زين يتململ قليلًا ويصدر صوتًا خفيفًا يشبه الهمهمة، فيضحك ريان.

ريان: شايفاه؟ حتى هو بيقول إنه مبسوط بينا.

غزل (تضحك): أو يمكن بيقولك سيبني أنام يا بابا.
(تمد يدها تلمس يد طفلها الصغيرة): عارف يا ريان… عمري ما تخيلت إني ممكن أحب حد كده… بس زين غيرلي كل حاجة.

ريان (يميل عليها ويهمس): وأنا عمري ما كنت أعرف معنى البيت والدفا غير معاكم أنتو الاثنين.

غزل تنظر له بخجل، ووجهها يحمر قليلًا، ثم تقترب وتضع قبلة سريعة على خد زوجها.

غزل (بخجل): بحبك يا ريان… يمكن أكتر حتى من نفسي.

ريان (يبتسم وهو ينظر لعينيها): وأنا بعشقك يا غزل… أنتي وأمومتك لزين… أنتي هديتي من ربنا.

زين فجأة يمد يده الصغيرة ويمسك بأصابع غزل، ثم يضحك ضحكة قصيرة جعلت الاثنين يذوبا عشقًا.

غزل (تضحك بفرح): شوف! حتى هو بيشاركنا الحب.

ريان (يمسح على شعرها): ده شاهد صغير على إننا اتخلقنا لبعض…

غزل تستند أكثر على كتفه، وهو يحيطهما معًا بذراعه، بينما زين يستسلم للنوم بين قلبين عاشقين.
******************

في صباح دافئ، جلست حلا أمام مرآتها في غرفتها، تمشط شعرها الطويل ببطء، وعيناها تائهتان لا تعكسان جمالها المعتاد. على مكتبها كومة كتب الجامعة، بجانبها دفتر صغير مفتوح على صفحة تحمل عنوان روايتها الجديدة.

لكن اليوم… لم يكن ذهنها في الكتابة ولا في المحاضرات.
كان في مكان آخر… عند قلبها.

حلا (تتنهد وهي تهمس لنفسها): ثلاث سنين… ثلاث سنين وأنا مخطوبة لادهم… ولسه كل حاجة متأجلة.
(تبتسم ابتسامة حزينة): كل مرة يقولي "لما تخلصي دراسة، لما تبقي جاهزة أكتر، لما الظروف تبقى أفضل". طب وأنا مش جاهزة دلوقتي؟

تنهض من على الكرسي وتقترب من النافذة، تتأمل الحديقة بصمت. ترى في خيالها ريان مع غزل وابنهما، وزياد مع ضحى وطفلتهما، ومهاب وحور يضحكان معًا.

حلا (تغالب دموعها): كلهم اتجوزوا… كلهم بقوا عيلة… وأنا؟ أنا لسه "مخطوبة".
(تضع يدها على قلبها): مع إن قلبي مش ناقص حاجة… ادهم جنبي، بيحبني، وأنا بحبه… ليه لازم نستنى؟

تجلس على سريرها، تضم وسادتها وكأنها تحاول احتضان حلمها المعلق.

حلا (بصوت منخفض): بابا… ليه مش شايف إني أقدر أعيش الاتنين مع بعض؟ أدرس… وأكون زوجة ادهم في نفس الوقت. هو نفسه ما عندوش مانع… ليه إنت مصر تأجل؟

تغلق عينيها، فتتخيل وجه ادهم، ابتسامته الهادئة، دعمه الدائم لها، كيف كان يشجعها على رواياتها، كيف حوّل كتاباتها إلى أفلام ناجحة، وكيف كان دائمًا يقول لها: "أنا مستنيكي وقت ما تبقي جاهزة."

حلا (بابتسامة حزينة، تهمس وكأنها تكلمه): بس يا ادهم… أنا جاهزة من زمان. يمكن إنت مش فاهم أنا قد إيه نفسي أبقى معاك طول الوقت.

تنهض ببطء وتتجه لمكتبها، تمسك قلمها وتبدأ تكتب على ورقة جديدة:

"إلى الرجل الذي علّمني أن الحب صبر… لكن قلبي تعبت صبره."

تترك القلم وتسند رأسها على دفترها، تنهيدة ثقيلة تهرب من صدرها، وفي عينيها خليط من الشوق والخذلان.
*********************

حلا ما زالت جالسة على سريرها، الدموع متجمّعة في عينيها. فجأة، يرن هاتفها، يظهر اسم "أدهم" على الشاشة. قلبها يخفق بقوة، وكأن العالم كله توقف.

حلا (بصوت متقطع وهي ترد): ألو…

أدهم (بصوته الهادئ العميق): صباح الخير يا أجمل بنات الدنيا… صوتك مش طبيعي يا حلا، إيه مالك؟ بتعيطي؟

تغصّ حلا وتحاول تخفي صوت بكاءها.

حلا: لا… مش حاجة… يمكن تعبانة شوية.

أدهم (بحزم رقيق): حلا… أنا حافظ صوتك، إنتي بتعيطي. قوليلي إيه اللي مزعلك.

تسكت لحظة، ثم تنفجر الكلمات من قلبها كبركان.

حلا (بدموع): كل إخواتي يا أدهم… كلهم اتجوزوا وخلفوا… زياد عنده رهف، ريان عنده زين، حتى مهاب اللي اتعرف على حور بعدنا… اتجوزها بقاله سنتين. وأنا؟ لسه "مخطوبة"!

أدهم (يتنهد): حلا… يا حبيبتي، الموضوع مش مقارنة. مهاب أكبر منك بأربعطاشر سنة، راجل خلص دراسته، أسس نفسه، طبيعي يتجوز بدري.

حلا (بحدة حزينة): طب و ريان؟ ما هو كان لسه في الجامعة زيي! وغزل كمان كانت طالبة! اتجوزها… ليه هو مسموح وأنا لأ؟!

أدهم (بهدوء وصبر): ريان اتجوز غزل علشان يحميها من بطش والدها، دي كانت حالة خاصة جدًا… مش جواز زي أي جواز. وأنا متأكد إنك عارفة ده.

تسكت لحظة، ثم تعود تبكي بحرقة.

حلا: طب وزياد؟! ما هو زي مهاب، اتجوز وضحى وخلفوا… وأنا لسه قاعدة أستنى! حتى بابا… كل مرة يقول "استني، استني". وأنا تعبت من الاستنى يا أدهم!

صوت بكاءها يزداد، وأدهم على الطرف الآخر يغلق عينيه متألماً من وجعها.

أدهم (بصوت حنون مليء بالعاطفة): حلا… يا عمري… أنا مش فارق معايا نستنى سنتين، عشرة، المهم إني معاكي. إنتي أهم من أي زفاف وأي ورقة.
أنا لو عليّ كنت اتجوزتك من أول يوم قولتلك فيه "بحبك". بس صدقيني… أبوكي عايزلك الخير. هو مش ضدنا، هو بس عايز يشوفك متخرجة، واقفة على رجلك، وبعدين تسلمي له قلبك وحياتك.

حلا (بصوت مبحوح): بس أنا تعبت يا أدهم… نفسي أبقى زيهم… أشوفك كل يوم، أصحى جنبك، أبقى زوجتك بجد… مش مجرد "مخطوبتك".

أدهم يبتسم بحزن وهو يسمعها.

أدهم: يا ملاكي… إنتي دلوقتي مش مجرد مخطوبتي. إنتي روحي. إنتي السبب اللي خلاني أصحى كل يوم وأكافح وأشتغل وأحقق نجاحي.
أنا من غيرك ما كنتش هبقى المخرج اللي الناس عارفاه دلوقتي. رواياتك اللي عملتها أفلام نجحت لأنها من روحك، من قلبك… وأنا معاكِ.
فإزاي تقولين إني مش معاكِ؟

حلا تكتم شهقتها، لكن دموعها تتساقط بغزارة.

حلا: أدهم… أنا خايفة أضيّع عمري وأنا بستنى. خايفة ألاقي نفسي وحيدة.

أدهم (بصوت منخفض دافئ): طول ما أنا عايش، مش هتكوني وحيدة.
إنتي عارفة أنا قد إيه بعشقك؟ إنتي أول وآخر حب في حياتي. أنا مش محتاج أي ورقة علشان أبقى ليكي… أنا أصلاً ملكك.

يسود صمت قصير، فقط أنفاس حلا المرتعشة على الخط. ثم يضيف أدهم بصوت يشبه الهمس:

أدهم: حلا… عيشي اللحظة. سنتين ويمروا بسرعة، وساعتها هكون جوزك، وحياتنا هتبقى زي ما بتحلمي وأكتر. وأنا أوعدك… مش هسيبك لحظة.

حلا تبتسم وسط دموعها، تتنفس بعمق وكأن كلماته داوت قلبها.

حلا (بصوت خافت): أنا بحبك يا أدهم… قوي.

أدهم (بابتسامة يشعر بها رغم أنه لا يراها): وأنا بعشقك… بعشقك يا روحي.

يغلقان الهاتف بعد دقائق من الصمت الدافئ، وحلا تحتضن هاتفها وكأنها تحتضنه هو. الدموع لم تجف بعد، لكن قلبها امتلأ بالطمأنينة.
****************

المائدة العامرة منصوبة في الحديقة الخلفية للفيلا. الشمس الصباحية تتسلل بخيوطها الذهبية، ورائحة القهوة والخبز الطازج تعبق في الجو. العائلة كلها ملتفة حول الطاولة الكبيرة: أحمد في صدر المجلس بجانب فيروز، وعن يمينه مهاب وحور، وعن يساره زياد وضحى مع الرضيعة رهف، بينما ريان يجلس بجوار غزل حاملاً صغيرهما زين. حلا جلست بجانب خالتها ثريا، وبجانبها يوسف ابن ثريا، الشاب الهادئ الذي يشارك بابتسامات خفيفة لكنه غارق في تفكير عميق.

أحمد (مبتسم وهو يمد يده نحو رهف): تعالي يا قمر… تعالي لجدو.

ضحى تنظر إليه بحذر ثم تسلمه الصغيرة، وأحمد يحتضنها برفق شديد، يضحك وهو يلاعبها.

أحمد: يا سلام… دي شبه ماماها بالظبط، نفس العيون.

رهف تضحك بضحكة صغيرة، فتذوب القلوب حول الطاولة.

فيروز (تبتسم بفخر): ربنا يحميهم يا رب، يخلو البيت مليان ضحك وحياة.

في تلك اللحظة، يمد أحمد ذراعه نحو زين، لكن ريان يرفع حاجبيه بتردد.

ريان: بابا، زين مش بيتحمل بسهولة… بيعيط مع أي حد غيري أنا وغزل.

أحمد (يضحك بثقة): هههه! جدو غير يا ابني… جدو ليه معزة خاصة.

يتردد ريان قليلاً، ثم يسلم طفله الصغير لوالده. بالفعل، يبدأ زين بالبكاء بقوة وهو يمد يديه لأبيه.

غزل (بصوت خافت وهي تضحك): قولتلك يا بابا…

لكن أحمد يظل يحتضنه ويهدهده، يربت على ظهره بحنان بالغ. دقيقة كاملة تمر والكل ينظر مترقباً، حتى يفاجأ الجميع بأن زين يهدأ شيئاً فشيئاً، ثم يدفن وجهه في صدر جده.

أحمد (بابتسامة كبيرة): شايفين؟ جدو بردو ليه كلمة!

الجميع يضحك بمرح، حتى ريان يبتسم بدهشة، وزوجته غزل تراقب المشهد بعينين دامعتين.

زياد (ممازحاً وهو يشير لرهف): رهف بقى نصيبها أكبر… هي كمان متعلقة بجدو. أهو كده ممكن تاخدنا إجازة طويلة يا بابا وتربيهم مكاننا!

ضحى (تنهره ضاحكة): يا زياد كفاية هزار بقى، دي بنتنا مش لعب!

مهاب (يبتسم وهو يسكب العصير لحور): أهم حاجة إن العيلة متجمعة. دي اللحظات اللي ما تتعوضش.

فيروز تلمح وجه حلا الحزين، فتمد يدها تربت على كتفها بخفة.

فيروز (برفق): مالك يا حلا؟ مش بتأكلي حاجة…

حلا تهز رأسها بابتسامة باهتة.

حلا: لا يا ماما… تمام.

يوسف ابن ثريا يلاحظ نظراتها، فيحدق فيها للحظة وكأنه شعر بثقل قلبها، لكنه لا يقول شيئاً. أما ثريا فتنشغل بمزاح مع زياد الذي لا يتوقف عن إلقاء النكات حول الطعام.

أحمد (ينظر إلى الجميع بفخر وهو يحتضن الأحفاد): شايفين؟ ده اللي كنت بتمناه من سنين… البيت مليان ضحك، وحياة، وأحفاد. ربنا يخليكم ليا كلكم.

الجميع يبتسم، والجو يمتلئ بالحب والدفء. وحدها حلا تبتسم بصعوبة، وقلبها يزداد حزناً وهي ترى صورة العائلة مكتملة… إلا هي.
**********************

بعد أن انتهوا من تناول الإفطار، بدأ الجميع ينهض تباعًا. زياد يمازح ضحى وهو يحمل رهف الصغيرة، وحور تلتقط حقيبة مهاب استعدادًا ليخرج للعمل، بينما غزل تلبس معطفها الخفيف وتحمل زين الذي يتشبث بها. الجو مليء بحركة دافئة وضحكات متناثرة.

أحمد (واقفًا): خلاص يا ولاد… يوم جديد ومستنيكم. ربنا يوفقكم كلكم.

فيروز: خلوا  بالكوا من نفسكم.

مهاب يقبل رأس والدته، وزياد يربت على كتف والده مازحًا، وريان يساعد غزل في ارتداء معطفها وهو يبتسم بخفة. يوسف يستأذن أيضًا للذهاب لشركته.

ريان (ملتفت لأخته): يلا يا حلا… أوصلك الكلية وأنا في طريقي.

حلا تهز رأسها موافقة، تجمع كتبها بسرعة. يودع الجميع بعضهم بابتسامات دافئة. يخرج مهاب وحور معًا، زياد و ضحى يتناقشان في شيء يخص تصوير زياد، أما غزل فمشغولة بزين. حلا تمشي خلف ريان بخطوات بطيئة، مبتسمة بخجل للجميع، لكن عينيها ما زالتا تعكسان حزناً دفينًا لم يلحظه سوى ريان.

بعد فترة قصيرة ، السيارة تتحرك ببطء في شوارع القاهرة المزدحمة. ريان يمسك المقود بيد، واليد الأخرى مسترخية بجواره. ينظر للحظات في المرآة الخلفية نحو أخته الصغرى الجالسة بجانبه. حلا تحدق بصمت من النافذة، وكأنها بعيدة جدًا عن كل ما حولها.

ريان (بنبرة هادئة): مالك يا حلّو؟ من أول ما قعدنا على السفرة وأنا شايفك مش على بعضك.

حلا تلتفت له، تتردد قليلًا قبل أن تتكلم، ثم تهمس:

حلا: يمكن… يمكن عشان حاسة إني مختلفة. كلهم… اتجوزوا، عندهم أولاد… وأنا لسه مكانك سر.

ريان يتنهد وهو يحاول أن يركز على الطريق لكن صوته مملوء بالحنان.

ريان: حلا… بابا مش بيأجل جوازك كده عشان يعاندك ولا يضايقك. هو بس شايفك صغيرة ولسه قدامك وقت. يعني هو عايزك تخلصي دراستك وتكوني جاهزة، بعدين تعيشي حياتك من غير ضغط.

حلا (بألم): بس أنا مش صغيرة يا ريان. أنت شايف مهاب… اتجوز وبقى عنده بيت وحياة. زياد نفس الشيء. حتى إنت… إنت كنت طالب في الجامعة واتجوزت غزل. ليه أنا لا؟ كل مرة أشوفكوا مع زوجاتكوا… بحس بغصة جوايا. بحس إني ناقصة.

ريان يلمح دمعة صغيرة نزلت من عينها، فيحاول تهدئتها.

ريان (بهدوء): مهاب كان كبير عنك بكتير يا حلا، فرق سنه يخليه جاهز. زياد برضه نفس الشيء. وأنا… وضعي مختلف. اتجوزت غزل مش عشان كنت مستعد، لكن عشان أنقذها من أبوها. كانت ظروف مش طبيعية. صدقيني لو ما كانش الموقف كده… ما كنتش هتجوز بدري.

حلا تظل صامتة لثوانٍ، ثم تهمس بصوت متكسر:

حلا: بس الغيرة بتقتلني يا ريان… لما بشوف حور مع مهاب، أو ضحى مع زياد، أو حتى غزل معاك… بقول لنفسي: ليه أنا مش زيهم؟

ريان يلتفت لها للحظة وهو مبتسم بخفة، ثم يعاود النظر للطريق.

ريان: عشان ربنا كاتبلك وقت تاني… وأجمل. صدقيني يا أختي، إنتِ وأدهم هتعيشوا قصة حب مش زي أي حد. وإنت عارفة كويس قد إيه بيحبك ومستنيك.

حلا تحاول الابتسام، لكن دموعها ما زالت تلمع في عينيها. ريان يمد يده بخفة ويمسك يدها للحظة، يضغط عليها بحنان أخوي عميق.

ريان: إوعى تفتكري إنك أقل من حد يا حلا. إنتِ أغلى حاجة عندنا كلنا… ومكانك جاي. بس امسكي نفسك لحد ما ييجي الوقت الصح.

حلا تنظر إليه بامتنان، وتبتسم ابتسامة حزينة لكنها أكثر دفئًا.

حلا: بحبك يا ريان… إنت دايمًا بتفهمني من غير ما أتكلم.

ريان (يضحك بخفة): طبعًا، أنا اخوكي الكبير.

السيارة تواصل طريقها وسط الزحام، لكن الجو داخلها صار أدفأ، يخفف قليلًا من ثقل قلب حلا.
**********************
في ساحة الجامعة – الصباح

تجلس حلا على مقعد خشبي في ظل شجرة كبيرة، حقيبتها بجانبها، وعيناها شاردة قليلًا. بعد دقائق تأتي ندى بخطوات مسرعة وهي ترتدي نظارتها الشمسية الكبيرة، وتجلس بجوارها بأنفاس متقطعة من الركض.

ندى (تضحك): يا بنتي… لو تعرفي أنا جريت قد إيه عشان ألحقك قبل ما تدخلي المحاضرة!

حلا (تبتسم بخفة): يا سلام! هو أنا رايحة أطير يعني؟

ندى (تضحك): إنتِ لا… بس قلبي طار وأنا شايفة تميم واقف بعيد بيراقبني بنظرات "تحقيق بوليسي"!

حلا تضحك بخفة، تحاول أن تبدو طبيعية رغم حزنها الداخلي.

حلا: تميم لسه زي ما هو؟ بيغير حتى من الهوا اللي بتتنفسيه؟

ندى (تلوح بيديها بمرح): لا… الموضوع بقى كارثة! امبارح أسر – أخويا – كان بيشرحلي مسألة في البيت، تخيلي؟! تميم قاعد معانا، وكل شوية يبص لأسر كده… عيونه نار!

حلا (منفجرة ضاحكة): يا مجنونة! يعني بيغير حتى من أخوك؟!

ندى (تغمز): مش أنا قلتلك قبل كده؟… تميم موسوعة غيرة متنقلة.

وفجأة، تنضم إليهما "كارما"، الفتاة الجديدة التي تعرّفن عليها منذ بداية السنة. شعرها مربوط عشوائيًا وتضع سماعات صغيرة في أذنها، تزيلها بسرعة وهي تجلس بجانبهما بابتسامة مشرقة.

كارما: صباح الفل يا بنات! إيه الضحك ده؟ لسه ما دخلناش المحاضرة وبدأتوا الحفلة من بدري.

ندى (بحماس): كارما! تعالي اسمعي الفضيحة… تميم بيغير من أخويا!

كارما (تفتح فمها بدهشة ساخرة): إيه ده؟! ده مش خطيب، ده مشروع جهاز إنذار متحرك!

حلا تمسك بطنها من الضحك، لأول مرة منذ فترة يظهر على وجهها الفرح الحقيقي.

حلا: يا بنتي هو مش خطيبك ولا حارس شخصي؟

كارما (تقلد صوت رجولي غليظ وهي تشير بيدها): "كارما ممنوع الاقتراب أو التصوير!"

ينفجر الثلاثة بالضحك، ويلتف بعض الطلاب حولهم ينظرون باستغراب من جنونهن. ندى تمسك كتف حلا وتهمس:

ندى: حلا… الحمد لله إنك معانا. من غيرك وكارما، حياتي مع تميم كانت تبقى نشرة أخبار غيرة 24/7.

كارما تربت بخفة على يد حلا وتبتسم لها بحنان.

كارما: وإنتِ كمان يا حلّو… شكلك محتاجة الضحك ده بزيادة.

حلا تبتسم بخجل، عينيها تلمعان قليلًا، وكأنها تشكرهما بصمت على وجودهما بجانبها.
***********************
في  مكتب أدهم – شركة الإنتاج والتصوير

الجو هادئ، أوراق مرتبة على المكتب، شاشة الكمبيوتر مفتوحة على مشروع مونتاج. على المكتب صورة مؤطرة تجمع أدهم وحلا في خطبتهما، يضعها بجوار فنجان قهوته. أدهم يميل برأسه قليلًا وهو يحدّق في الصورة بابتسامة غارقة بالحنين.

أدهم (يهمس لنفسه): "يلا يا حلا… سنتين بس وتبقّي ليا للأبد."

فجأة، يُفتح الباب بقوة ويدخل تميم ببدلته الكاجوال، يحمل ملفات في يده، وعينيه تلمعان بمكر.

تميم (مبتسم بخبث): ياااااا سلاااام… هو أنا لو ما دخلتش دلوقتي، كان في احتمال ألاقيك بتبوس البرواز؟

أدهم يرفع رأسه بصدمة صغيرة ثم يبتسم محرجًا ويحاول يغلق الصورة بيده كأنه يخفيها.

أدهم (بصوت جاد مصطنع): إيه يا تميم… إنتَ مش عندك شغل؟ الشركة دي مش فاتحة بس عشان تتريق عليا!

تميم (يجلس على الكرسي المقابل، يضع قدمًا فوق الأخرى): الشغل عندي… بس المنظر هنا أهم. يعني المدير الكبير اللي المفروض يكون شغال في مونتاج إعلان بملايين، قاعد يتأمل صورته مع خطيبته كأنه بطل فيلم رومانسي هندي!

أدهم يضحك بخفة ويهز رأسه.

أدهم: إنتَ مش هتتعدل يا تميم…

تميم (يمثل الجدية): لا يا باشا، دي مش قلة تعديل… دي دراسة حالة! إزاي أدهم – اللي البنات كلها كانت بتجري وراه – بقى شخصيته كلها مربوطة بضحكة حلا.

أدهم يتنهد ويبتسم ابتسامة حالمة.

أدهم: لأنها مش زي أي حد… حلا بالنسبة ليا كل حاجة، حاضرها، مستقبلها، حتى تعبي كله هنا عشانها.

تميم (يتظاهر بالبكاء): يا خرابي! يا جماعة لحقوني… أنا دمعت… 😢
ثم فجأة يضحك: بقولك إيه… ما تخليها تسمع الكلام ده بدل ما أنا اللي أتحرق من كتر الرومانسية!

أدهم يضحك ويحاول يطرده من المكتب وهو يلوح بيده:

أدهم: يلا يا عم روح لندوة – قصدي ندى – وسيبني في حالي.

تميم (يمثل الصدمة): ندوة؟! 😳 مش كفاية إن ندى هتذبحني لو عرفت إنك ناديتها كده، لأ وكمان تنطقها ببرود؟

أدهم يقف ويضع يده على كتف تميم بخبث.

أدهم: ندى ما تذبحكش… ندى ممكن تعمل فيك محكمة عرفية.

الاثنان ينفجران بالضحك. تميم يقف ويشير للصورة مرة أخرى.

تميم: بس صدقني يا صاحبي… أنا واثق، حلا هتبقى أسعد بنت في الدنيا وهي معاك.

أدهم ينظر للصورة مرة ثانية بعينين تلمعان بالعشق ويبتسم:

أدهم: وأنا أوعدك… إنها مش هتعرف في حياتها معنى كلمة "زعل" وأنا معاها.
********************

تميم ما زال يجلس يضحك على أدهم وهو يلمّح لصورة حلا.

أدهم (مبتسم بخبث): طيب يا تميم… إنتَ بتتكلم عني أنا، ليه ما نتكلمش عنك شوية؟

تميم (يرفع حاجبه): عني أنا؟ لااا، يا عم سيبني في حالي…

أدهم (يميل للأمام ويمثل الجدية): يعني إيه؟ مش إنت اللي كل يوم بتقفلي الموبايل بدري عشان تجري تكلم ندى قبل ما تنام؟

تميم يتظاهر بالبرود ويعدل جلسته.

تميم: دي خطيبتي يا أستاذ… لازم أهتم بيها.

أدهم (يمثل التفكير): أهتم بيها؟ ولا تفضل تراقبها زي الرادار لو أخوها أسر كلمها نص ساعة؟

تميم فجأة يقطب حاجبيه ويجلس مستقيمًا بانفعال:

تميم: إنتَ جبت سيرة أسر ليه؟!

أدهم (مكمل بمكر): لا، أصل حلا كانت بتقول مرة إن أسر وندى قريبين جدًا… كأنهم أصحاب مش بس إخوات.

تميم يفتح عينيه بدهشة وصوته يعلى:

تميم: قريييبين إزاي يعني؟! ده أسر لازم يعرف حدوده، هي خطيبتي أنا!

أدهم ينفجر ضاحكًا ويصفق بيديه.

أدهم: هههههههه، يا ربي على الغيرة! يا عم ده شقيقها!

تميم (متحمس بجدية): لا يهمني، أخوها ولا مش أخوها… العين بتغلط، وأنا ما أضمنش!

أدهم يقف وهو يضحك بشدة ويضع يده على بطنه من كثرة الضحك.

أدهم: والله إنتَ أكبر عاشق غيور شفته في حياتي… أنا كنت فاكر نفسي بحب حلا زيادة، بس إنت؟ إنت حالة تستحق دراسة في جامعة!

تميم ينهض غاضبًا ويحاول يمسك كتف أدهم:

تميم: بقولك إيه… أوعى تفتكر نفسك هتسلم لو قلت كلمة زيادة عن ندى!

أدهم يرفع يديه وكأنه يستسلم لكنه ما زال يضحك:

أدهم: حاضر يا سي الحارس الشخصي… اتطمن، ندى في أمان معاك… بس حاول ما تغارش من أسر وإلا تبقى كارثة.

تميم يزفر بقوة ثم يلمح ابتسامة أدهم، فيدرك أنه كان يضحك عليه، فيضربه بخفة على كتفه.

تميم (متذمر): إنت حقير يا أدهم!

أدهم (يضحك): وأنا بحبك برضه.
*******************
في  لندن، فيلا نادر ، 

غرفة فخمة، جيلان جالسة على أريكة مخملية داكنة، بيدها كوب شاي لم يبرُد بعد. أمامها هاتفها مفتوح على الإنستغرام، تحدق في صورة حلا وهي تضحك بجانب أدهم. وجهها يتبدل بين الغضب والغيرة والحسرة.

جيلان (بغصة، تحدث نفسها): تضحك… مبسوطة… بنت فيروز اللي كانت تحت إيدي… كنت أقدر أزوّجها لابني، وأصير أنا حماتها… لكن لأ، فيروز الحقيرة قطعتني من حياتها كأني ما كنت شي!

تضغط على الشاشة بعنف حتى يكاد الهاتف ينكسر.

جيلان (بصوت مرتجف): ثلاث سنين يا فيروز… ثلاث سنين وأنا أراقب من بعيد… وإنتِ عايشة سعيدة مع عيلتك… وأنا؟ أنا اللي ضيعت كل شي…

وائل يدخل الغرفة، أنيق كالعادة ببدلته السوداء، رابطة عنق مرخية، في يده هاتفه وهو يبتسم ابتسامة واثقة. يجلس على طرف الأريكة، يكتب بسرعة ثم يضحك بخفة.

جيلان (تلتفت إليه بحنق): تضحك على إيه يا وائل؟

وائل (مسترسل، دون أن يرفع رأسه): على البنت اللي بكلمها… يا سلام، شكلها مولعة الليلة. هنشوفها في الملهى بعد كم ساعة.

جيلان تنهض واقفة، تحدق به بغضب.

جيلان: الملهى؟! عاهرات ونساء ساقطات كل ليلة؟! هذا طموحك يا وائل؟ هذا مستقبلك؟!

وائل (يرفع عينيه إليها بهدوء وبرود): مستقبلي أنا أرسَمه زي ما يعجبني… على الأقل أنا واضح. ما أضحكش على واحدة أقول لها أحبك وأنا عارف إني مش عايز أرتبط.

جيلان (تضرب بيدها الطاولة): لكنك كان لازم ترتبط! كان لازم تتزوج حلا!

وائل يضحك باستهزاء ويضع ساقًا فوق الأخرى.

وائل: حلا؟ (يهز رأسه) يا أمي، البنت ما بدهاش إياي… وأنا عمري ما هفرض نفسي على واحدة ما تبغانيش. ده مبدأي.

جيلان (تغلي من الداخل): مبدأك دمرني! فيروز سرقت الفرصة من تحت أنفي، والآن بنتها متصوّرة مع واحد تاني… شوف! شوف بعينك!

تمد الهاتف لوائل بعصبية. وائل يأخذ نظرة سريعة إلى الصورة، يبتسم نصف ابتسامة ساخرة ويعيد الهاتف لها.

وائل: شكلهم مبسوطين. إيه المشكلة؟

جيلان (تصرخ): المشكلة إني كنت أشوف حلا زوجة لك! كنت أشوفها جزء من حياتنا! وبسبب عنادك وبرودك، صارت لغيرك.

وائل (ينحني للأمام، صوته بارد): أمي… اللي راح راح. أنا ما أحب غير العابر. ما يهمني حلا ولا غيرها. وأنتِ… لازم توقفي الحقد هذا.

جيلان (بحقد، عينيها تلمع): لا يا وائل… أنا ما أوقف. فيروز لازم تدفع… لازم تشعر بالوجع زي ما وجعتني.

وائل يقف ببطء، يلتقط معطفه من الكرسي، يجهّز نفسه للخروج.

وائل (بلا مبالاة): اعملي اللي يعجبك… بس ما تجرينيش معاك. أنا ليا حياتي.

يتركها غارقة في كرهها، بينما يخرج صافراً بهدوء وكأنه لا يعنيه شيء، وتبقى جيلان وحدها، نظراتها ملتهبة بالصورة على هاتفها.

تعليقات



<>