رواية المراة الرمادية الفصل الثاني2بقلم جراب الراوي

رواية المراة الرمادية الفصل الثاني2بقلم جراب الراوي


 وبصيت على سريري…
ولقيت حد كان قاعد عليه.
مش قاعد…
لا…
كان في "حفنة تراب" على شكل قعدة بني آدم.

وحاجة تانية كانت على المخدة:
كان في قميص 
قميص ازرق صغير ....
بزراير فضي ..

فضلت واقف قدّام سريري كإني متسمّر.

ريحة غريبة ملت الهوا فجأة…
ريحة تراب … ريحة مقابر.

قربت من القميص…
مدّيت إيدي ألمسه…لقيته دافي زي ما يكون حد كان لسة لابسه حالاً ..
فجأة ..
سمعت صوت…
مش عالي…
بس قريب جدًا…
في وشي حرفيًا:

"رجّع لي ابني…"

رجّعت لورا وقلبي هبينط من صدري.
بصيت حواليّا…
مفيش حد.

لكن…
كان فيه “ظِلّ” واقف ورا باب الأوضة…
ظلّ طويل…
رفيع…
زي جسم ست واقفة.
شفته لجزء من الثانية..
لما ركّزت عليه…
اختفى.
رجعت ابص على القميص 
لكن اختفى هو كمان ..كأنه ماكانش موجود اصلاً ..

الدنيا لفت بيه ..
حسيت إن اعصابي بتنهار ..
إيه اللي انا باشوفه ده ...
ده حقيقي ولا تهيؤات ...

قعدت على كرسي وحاولت أهدى و افكر ...

من أول ما لقيت القميص الأزرق الصغير على سريري… وأنا عارف إنّي مش لوحدي.
عارف إن فيه “حد” دخل… وقعد… وساب أثره.
لكن مين  ..
و مين الست اللي أنا شوفتها في الشارع ..
وليه ظهرت لي أنا بالذات ...

إيه الشارع الغريب اللي الحظ بعتني ليه ده ...

فجأة افتكرت عم عبد الجواد صاحب البيت ..
وبالمناسبة هو ساكن تحت في الدور الأول 

خرجت من الشقة وأنا بتنهّد بالعافية…
نزلت  لعم عبد الجواد…
وقولتله:

– “عم عبد الجواد… أنا عايز أسألك على حاجة غريبة حصلت معايا…”

- " خير يا ابني ..."

- " أنا شفت ست ......"

 ملحقتش أكمل…
عم عبد الجواد وشه اتبدّل، وكأن دمّه نشف.

قال بسرعة وهو بيبص حواليه كأن خايف حد يسمعه :

– “اقفل الموضوع ده يا دكتور… اقفله… وخليك ف حالك.”

- " انا بس كنت عايز اعرف ......" 

- "  عن إذنك يا دكتور ...الوقت اتأخر و أنا محتاج انام "

حسيت بالإحراج و الإهانة .. ده كأنه بيطردني من بيته ..

خرجت بسرعة وأنا متأكد إن في سر ....

ليه كل حاجة هنا مخبية حاجة أعمق؟

طلعت شقتي وانا عقلي هيقف من كتر التفكير ..
ولما وصلت ...
باب شقتي؟
كان مفتوح سنتيمترين… بالظبط نفس الفتحة اللي شفتها من شوية . رغم ان انا قافل الباب بالمفتاح ومتأكد جدا المرة دي ..

دخلت…
وأول حاجة شميتها كانت نفس ريحة الورق المحروق تراب المقابر ..

النور اشتغل لوحده.
ولقيت على الأرض…
أثر رجل صغير…
اثر رجل طفل من تراب ..
رايح ناحية أوضتي.

استجمعت شجاعتي وانا باقول :

ـ "في حد هنا…؟"

المطبخ… الحمّام… الصالة… كله فاضي.

لحد ما دخلت الأوضة…

ولقيت القميص الأزرق الصغير تاني… المرة دي مش على السرير لا…
كان "معلّق" على مسمار في الحيطة…

وفوقه… مكتوب بالتراب:

"اسألهم… مين غسّل. ومين دفن ...."

الكلمة دي جمدتني.

"اسألهم… مين غسّل… ومين دفن."

الليلة دي ما نمتش ولا دقيقة 
فضلت فاتح الراديو ومشغل القرآن طول الليل.. 

تاني يوم…
رئيس الوحدة الصحيّة، اسمه الدكتور صابر، ندّاني مكتبه.

كان صوته متوتر…
وعينه بتزوغ.

– “يا دكتور سامح… اللي شفته امبارح… وسألت الناس عنه إنساه خالص . وما تتكلمش عنه تاني "

– “ حضرتك بتتكلم عن ايه " 

ـ " انت فاهم كويس أنا باتكلم عن ايه ”

خرجت من عنده وأنا متوتر اكتر ..
إزاي عرف ؟ 
أكيد من عم عبد الجواد 
ما انا نسيت اقولكم إن عم عبد الجواد شغال ممرض في نفس الوحدة الصحية اللي انا باشتغل فيها .. 
فضلت افكر : 
واضح إن الموضوع كبير ..اكبر مما كنت متخيل

بس اللي حصل بعدها بساعات…
غيّر كل حاجة.
وانا فوق في اوضة الكشف 
سمعت صراخ و هرج ومرج. 
جريت اشوف ايه الموضوع ...
الدكتور صابر وقع فجأة في مكتبه ..
فاقد الوعي ...
وشه
وعنقه مليان خربشات بشرية…
عميقة…
كأن حد كان بيحاول يقطع جلده بأظافره..
مين عمل كدة وازاي محدش عارف ...
ومحدش دخل عليه مكتبه اصلا ...

المهم إننا حاولنا ننقذه..
 و عملنا له كل الاسعافات الاولية 
وفضل تحت الملاحظة في انتظار أنه يسترد وعيه 
ويحكي ايه اللي عمل فيه.كدة  ....

اليوم ده كان يوم شاق و طويل ..
وانا مروح بالليل  ..
كنت كل شوية باتلفت حواليه 
زي ما اكون منتظرها تظهر 
....المرأة الرمادية.
 واللي حسبته 
لقيته 
شفتها واقفة تحت نفس العمود اللي شفتها عنده أول مرة…
لكن المرة دي…
كانت باينة أكتر.
وشها مش باهت بس…
ده كأنه “محروق” من طرفه الأيمن.
وعنيها…
كانت فضية…
زي المية اللي بيترمي فيها رماد.

قربت مني ببطء…
وقالت بصوت أوطى من همس:

“اسألهم…
مين غسّل…
ومين دفن.”

ولما خلّصت الكلمة ....…
وشها اتغير لحظة…
كأنها بتتلوّى من ألم مش مفهوم.

وبعدين…
اختفت.
مش مشت ..لأ ..
اختفت..تلاشت  كأن الهوا بلعها.

المرة دي انأكدت إن الست دي مش ممكن تكون بشر ...
والكلمة اللي قالتها ...
مش أول مرة تتقال ..

“اسألهم…
مين غسّل…
ومين دفن.”

أسأل مين ؟ ومين اللي غسل ودفن مين ؟
طلعت شقتي وانا انفاسي بتسابق نبضي ..

فضلت الليلة كلها افكر زي المجنون : 

الست دي تقصد ايه بكلامها ...
إيه علاقة عم عبد الجواد والدكتور صابر بيها ..
وايه سبب خوفهم من ظهورها و سؤالي عنها ..
ويا ترى  الهجوم الغير مفهوم اللي حصل للدكتور صابر 
ده له علاقة بالمرأة الرمادية دي ولا لأ ؟؟

في حاجة معروفة عن المكان ده وانا مش عارفها ..
دخلت على الإنترنت…
وبدأت أدور باسم البلد: "أم الغزلان – طفل مفقود – وحدة صحية – جنازة".

لحد ما لقيت الصفحة القديمة بتاعة أهالي القرية.
صفحة مهجورة…
آخر بوست فيها من سنة 2015.

البوست كان بسيط جدًا…
لكن مرعب أكتر من أي فيلم:

"تحذير: لو شوفتوا ست رمادية في الشارع، ماتردوش عليها."

الناس في التعليقات كانت بتهزر…
إلا تعليق واحد…

تعليق حساب اسمه "عبدالله_مغسل_الموتى".

كلمة واحدة بس:

"هي بتظهر بس كل لما طبيب ضميره حي يجي … اللي يعرفوا الحقيقة."

دخلت على الحساب…
لقيته ميت من 9 سنين.
آخر منشور على صفحته كان عزاء .

قررت أواجه عم عبد الجواد .. لازم يقولي الحقيقة 
خرجت من شقتي عشان انزل له 
لسة بافتح باب الشقة 
لقيت عم عبد الجواد في وشي 
واقف قدام باب شقتي كأنه كان ناوي يخبط على الباب ..

اول ما شافني قالي : 
ـ " انا قلت اطلع لك قبل ما انت تنزل لي 
... عايز تعرف ايه "

ـ " مين الست دي؟
ومين الطفل؟
وليه بتظهرلي أنا ؟"

عم عبد الجواد وشه اتقلب…
بقى لونه أصفر كأنه اتسمّم.

                   الفصل الثالث من هنا
تعليقات



<>