الفصل الثالث 3
بقلم زارا
ما كنت فاهمة لغة الشفرات دي ، بس حسيتها كأنو تنفيذ لعملية ، دا ما كلام زول عادي ، ولا شغل ناس عاديين ، خفت شديد و قلبي انقبض.
قفل الخط ، ومرر يدو على شعرو بسرعة ، كأنو بيحاول يرجع الهدوء الفقدو فجأة ، قلت ليه وأنا بحاول أتماسك في شنو يا عمر؟ ، و شنو اللغة دي؟ ممكن أعرف حاجة؟.
سحب تلفونو من الطاولة ، و قام على حيلو ، قال لي دي حاجات ما بتهمك ، أنا لازم امشي حالا ، قلت ليه كيف ما بتهمني؟ ، أنت كنت بتتكلم عن الرمز الأحمر وعن تصفير موقع! أنت شغال شنو يا عمر؟ ، قال لي بنفاذ صبر ، سمر بطلي أسئلة كتيرة ، و شيلي شنطتك ارح ، كان بعااين حولو زي البتعقب في حاجة ، خلينا كل شيء زي ما هو و نزلنا ، وأنا لسه بلح عليه في الأسئلة ، قال لي انا ما ح اقدر اوصلك ، بطلب ليك ترحال يوصلك للبيت ، وقفت في محلي وقلت ليه م ح أتحرك اي مكان مالم أعرف في شنو؟! ، وبعدين كيف أمشي لشرق النيل براي في الزمن دا؟! أنت مُجبر إنك توصلني.
فجأة مسك قبضة يدو بشدة ، و كأنو بتهيأ انو يضربني ، بقى يكورك فيني و ينهرني بصوت عالي ، أنا ما عندي وقت للأسئلة و التحقيقات دي! ، كلمتِك اني بطلب ليكِ ترحال ، إنتِ ما بتفهمي؟ في حاجات أهم منك ومني الآن! ، نفذي زي ما بقول ليك بس! ، لدرجة كان في بعض الأجانب قاعدين بقوا يلتفتوا علينا.
في اللحظة دي حسيت بالإهانة و إني بقيت صغيرة قدام نفسي ، دموعي بقت تنزل بغزارة ، ما حصل اتذليت كدا ف حياتي ، وكمان في مكان عام أول مرة امشيه.
عاين لي بنظرة أخيرة وحاسمة ، ولا حاول يحنسني أو يراضيني ، طلع رزمة قروش من جيبو قال لي اركبي بيها ترحال ، و بتصل عليك لما تصلِ.
مسحت دموعي ، و إحساس الذُل مسيطر علي ، جدعت ليه القروش في وشو ، لما بقت تتطاير في الهواء ، مشيت و ما انتظرت منو رد خليتو واقف مزهول وعيونو بتطلع شرر.
طلعت من الفندق وأنا ببكي بحرقة و بتحسر على نفسي و كرامتي الضاعت ، و بكلم نفسي وانا بقول "دي أنا سمر ؟! أنا الكنت قبل ساعة قاعدة في قمة الخرطوم ، و شايفة النيل تحتي زي الخيط من فوق ، وبتوهم إني وصلت القمة و في النهاية... مهانة مطرودة ، طردني بـ رزمة قروش!.
بقيت ماشة ع طرف الظلط ، والعربات ماشة بسرعة ، وصوت الأشجار بتهتزة بقوة من شدة الرياح ، وكأنها كانت بتشاركني في نوبة البكا حقي ، كنت ميته من الخوف ، و منظري عبارة عن بنت لابسة فستان سهرة و عاملة ميكاب وماشة براها ف وقت متأخر ، المظهر كلو كان بصرخ بأني بنت "ما كويسة" أو ضايعة! ، بدت تظهر لي كمية من المعاكسات بصوت عالي "يا قمر! مالك بتبكي؟ ، تعالي نوصلك! ، الجمال دا كلوو مجدوع!.
في اللحظة دي خوفت على روحي اكتر انو تحصل لي حاجة ، بقيت افكر اضرب لصالح يجيني؟! ، طيب اقول ليه شنو؟! ، و لو شافني بالمنظر دا ح يقول عني شنو؟! ، دموعي كانت بتنزل زي المطر ، عمري ما اتختيت في موقف زي دا.
بعد هديت طلبت ترحال و رسلت ليه اللوكيشن حقي قعدت في مقعد اسمنتي ع جانب الظلط ، لغاية ما الترحال جاني ، مسحت دموعي وحاولت اكون متماسكة ، في اللحظة دي نور اتصلت علي ، أول ما فتحت الخط ، بقت تقول لي اهاا يابت الطلعة كانت كيف؟! ، وريني التفاصيل ؟! ، و رجعتي ولا لسه؟! ، ما قدرت اتكلم اتفجرت ليها بالبكاء ، اتخلعت وبقت تقول لي يابت ، الحاصل شنو بتبكي مالك؟! ، عمل ليك شنو؟! ، قلت ليها بس عايزة امشي بيتنا ، طيب انتي وين هسي؟! ، قلت ليها انا في الشارع ، بعد اصل يا نور ، قفلت فيها من غير انتظرها ترد ، و رجعت لي بألف مكالمة ..
مسحت باقي دموعي ، وكل دقيقة السواق يعااين لي بالمرايا ، و الفضول قاتلو ، ما ركزت معاه لما وصلني البيت ، حاسبتو و نزلت.
وصلت البيت أول ما فتحت الباب ، لقيت ابوي في وشي ، قال لي جاية من وين الزمن دا؟ ، وانتي ما شغالة؟! ، قلت ليه عرس صحبتنا في الجامعة مشيت مع نور ، قال لي تاني ما تتأخري للزمن دا ، قلت ليه كويس ، دخلت الغرفة لقيت اختي نايمة.
طلعت الفستان مسحت الميكاب كلو و باقي دموعي ، مشيت استحميت ، صليت المغرب والعشاء.
أول حاجة عملتها حظرت أرقامو كلها و مسحتهم خالص ، كنت بقول كيف نفسو سمحت ليهو يخليني في وقت زي دا؟! ، دا راجل ما عندو نخوة و أمان ، و للأسف أنا كنت مخدوعة فيه.
كنت حاسة بأرق شديد ، فضلت صاحية للصباح ، وأنا ما غمض لي جفن ، ما كان عندي نفس اطلع من البيت ، قررت م امشي الجامعة ولا الشغل.
فضلنا أنا وأمي في البيت ، أمي قالت لي بقيت اشتاق ليكِ يا بتي الشغل و الجامعة سروقك مني ، اطلعي من الغرفة و تعالي اقعدي اتونسي معااي شوية.
فعلا لي زمن ما قعدت مع امي ، كنت تايهة في مشاغلي ، اتونست معاها و حتى ضفرت ليها شعرها ، وشوية حسيت إني طلعت من نفسياتي ، أمي قالت لي انا ماشة لحبوبتك أودي ليها الأدوية ، بجي المساء اعملي معاك الغداء ، قلت ليها تمام.
بعد أمي طلعت عايزة اقفل الباب ، لقيت نور في وشي ، قالت لي كدا تخوفيني عليك وما تردي على التلفون؟! ، قلت ليها انا كويسة ، قالت لي على منو؟ ، انا جيت عشان أحقق معاكي ، وأعرف الزول دا عمل ليكِ شنو؟.
نور أصرت تعرف مالي كنت منهارة و ببكي ، حكيت ليها كل حاجة ، و قلت ليها الواجعني انو نهرني قدام الناس زي ما بتنهري طفل صغير! ، واداني القروش كأنو بشتريني ، كنت مترددة اوريها بلغة الشفرات الاتكلم بيها ، بس قلت ما لازم ادس منها، لأنو نور كانت حكيمة وعاقلة اكتر مني ، قلت ليها بصراحة يا نور ، كان بتكلم بلغة مشفرة مافهمتها ، وبقيت اتذكر ليها الكلمات ، فتحت خشمها من الدهشة بعد سمعت ، قالت لي هووي يا سمر انتي متأكدة؟! ، دا شكلو زول بتاع عصابات! ، الزول دا خطير و شكلو بتاجر في حاجة محظورة.
قالت لي من قلتي لي استفسر عنك وعن حياتك ما ارتحت ليهو ابدا ، ما تفتكري إنو كل زول عندو عربية و حياة برجوازية بكون زول كويس أو مالو بكون نضيف!.
الأولاد الأغنياء في البلد دي نوعين يا سمر ، يا إما يكونوا من اسر قديمة ومعروفة بالمال وديل بتكون حركتهم باينة ، يا إما يكونوا اغنياء جدد في فترة بسيطة ، وديل بالذات بكون عندهم غموض م عادي.
ما تنسي القروش الكتيرة البتجي بالسرعة دي... يا اما تكون شغل متورط في صفقات قذرة ، أو تجارة تحت الطاولة وانتي فاهمة قصدي.
الزول البختفي شهر كامل ، وبتلفون واحد يقلب الدنيا و يهين زولة قدام الناس ، دا ما مدير في شركة عادية يا سمر!.
دا زول يا إما شغال مع جهات حساسة بأمر وبنهي في ناس تحتو ، يا إما زول عندو نفوذ وشغل ما بتشوفيهو ، والغموض دا كلو عشان يحمي نفسو من عالمو الخاص دا! ، و التلفون التاني دا دليل إنو عندو حياة مزدوجة.
أنتِ المشكلة يا سمر ما راضية بحياة البساطة! ودا المخليكِ ما بتشوفي الزول الكويس زي صالح.
شوفي صالح البتشوفيهو مجرد زول فقير و م عندو مستقبل دا ، بعمل فوق طاقتو عشان يسعدك.
هو فعلا ما عندو قروش عمر ، وما بيقدر يطلعك أماكن فخمة ، لكن لمن تطلعوا سوا بحترمك وبيشوف إنو رأيك أهم من رأيو ، ولو الدنيا اتقلبت م بيهينك قدام الناس! الفرق ما في القروش يا سمر ، الفرق إنو عمر ده بشوفك سلعة ، عشان كده لما شغلو انهار ، رماكِ زي أي شيء انتهى منو ، و صالح بشوفك إنسانة وشريكة ، حتى لو فقير هو بغنيك بي احترامو ، كويس إنو عمر دا وراكِ وشو الحقيقي، عشان تطلعي من الوهم دا ، و كويس انها جات كدا من غير ما يأذيكِ في نفسك.
اقطعي علاقتك بيه نهائيا ، و ارجعي لي صالح البحبك و لحياتك البسيطة .
كلام نور اثر فيني شديد وبقيت افكر فيهو بعقلي ، ولقيتو فعلا منطقي.
نور قعدت معاي وحاولت تنسيني الحصل لي ، بعدها استئذنت مني انها ح تمشي ، وتاني حذرتني من إني ارجع اتواصل معاه.
قررت اروق نفسي ، و أصلح الأخطاء العملتها ، اتصلت لصالح و كلمتو إني عايزة الاقيه ، ما صدق قال لي هسي بجيك لو عايزة ، قلت ليه لا تعال بعد المغرب.
جاني المغرب و مشينا شارع النيل ، قال لي سمر احكي لي بصراحة مالك؟! أنا عملت ليك شنو؟! ، وريني إذا زعلتك من غير قصد؟!.
قلت ليه صالح أنا آسفة... أنا... أنا ما عارفة ، بس كنت محتاجة أبعد شوية ، قال لي تبعدي من شنو ياسمر؟! ، انا عارف إني مقصر فيكِ بس صدقيني انا بشتغل دوامين عشان نبني بيتنا ونتلم سوا ، لما تبعدي مني بالطريقة دي بتكسري قلبي.
كنت بعاين لصالح ، و لملامحو الواضحة ، و لي يديه الخشنة من الشغل ، و عيونو الما فيها أي غموض.
قلت في نفسي "صالح زول واضح، زي كتاب مفتوح. بعرفو من أول كلمة يقولها لآخر نفس.... وما عندو بروتوكول رقم ستة ولا رمز أحمر! ، هو زول عادي ، و حتى حبّو لي حقيقي وما فيه أي شفرات.
طلعني من شرودي و هو بقول لي سمر انتي معاي؟!
قلت ليه صالح أنا عايزة أرجع ليك عايزة أرجع لينا وأحس بالأمان معاك..... مسكني من يدي و قال لي انتي عارفة إني بحبك قدر شنو؟! ، و عارفة إني ما بقدر أزعل منك! ، بس تاني ما تبعدي مني كدا.....
في عز اندماجنا مع بعض ، تلفوني بقى يتصل كان رقم غريب ، عرفتو دا عمر ، اتوترت و أبيت ارد عليه ، صالح قال لي مالك ما عايزة تردي؟! ......
