رواية لاتتحدي الصقر الجزء الثانى
بقلم اسماء عبد الهادي
الفصل السابع
نغزات قوية تؤرق منامها ،مشاعرها مضطربة حزينه قلقة ،تفكر في تلكم الذين تأذوا بسببها في ذلك الانفجار اللعين ،وما هو مصير صديقتيها وبقية الطلبة تُرى هل لقيوا حتفهم أم مازالوا على قيد الحياة ،تمنت لو كان باستطاعتها كسر تلك الحواجز التي تقيد حركتها وتحول دون الوصول إليهم ،وكان أكثر ما يؤلم قلبها هو بعدها عن حبيبها التي تعشقه حد الجنون في ذلك الصقر الذي استطاع وبجدارة أن يسلبها قلبها عن رضا وقناعة تامة ،تعلم كم هو يتألم يعاني بعدها ،لكن كيف الوصول ،طال صبرها
وانتظارها لأربع سنوات لم تذق فيهم طعما للحياة بدونه ،على أمل أن يمل أبيها فيسرحها لتعود لقرة عينها لكنه على ما يبدو مازال يريد تنفيذ إنتقامه المشؤم من ابن أخيه والذي كان يوما يعده كابنه تماما ،ويحبه حبا جما ،لكن تُرى كيف تغير إلى ذلك الحد ولمَ تغير هذا الحب الى كره وانتقام
استندت على طرف الفراش ممسكة بيدها تلك الأسورة الفضية التي أعطاها إياها زوجها مرةً كهدية ،تنظر إليها بفضيان جارف من الحنين والشوق ،استندت بألم إلى ظهر الفراش الخشبي تتساقط عبراتها رغما عنها وهي تهمس باسمه عله يسمعها يوما_صقر ...وحشتني أوي
_____
ذهب إليه بعد أن أنهى عمله، في مكتبه وبعد أن غادر الموظفون الذين يعملون معه فوجده يستعد للمغادرة ،فاستغرب ترى إلى أين يذهب الصقر وهو عادة لا يغادر مكتبه سوى فى أيام يعلمها هو جيدا وذلك لزيارة قبر زوجته
رمقه بنظرات مستفسرة _صقر إنت رايح فين!!
أجابه الصقر دون أن ينظر إليه فهو كان منشغلا بترتيب صندوقا ما ولفه بطريقة جميلة جذابة _مشوار كده يا بلال ، شكلك كنت جاي عايز حاجة ،خير يا أبو يحيى!!
تجاهل بلال سؤاله فهو يود معرفة إلى أين يتجه بذلك الصندوق المُزين وكأنه هديه لأحد ما _مش قبل ما تقولي رايح فين ؟
كاد الصقر أن يجيبه حتى جاءه عم أحمد والذي أبَى أن يعود إلى بيته فمنذ أن مكث الصقر بمكتبه منذ موت مودة، والعم أحمد يبقى معه يعيشان إثنتيهما معا بالمكتب فالعم أحمد وحيد لا أبناء له لذا فضّل البقاء مع الصقر _صقر يابني في ناس مهمة عايزاك
استغرب الصقر من ذلك الأمر فمن ذا الذي يأتيه بعد انتهاء دوام العمل وقبل أن يفتح فمه يطلق نظرات متسائلة وجد والديه يدخلان المكتب
اتسعت ابتسامته برؤيتهما فتقدم نحوهما بسرعة يعانق أبيه وأمه باشتياق _كبير عيلة الزيني وحرمه في مكتبي مرة واحدة ،دي القاهرة كلها نورت ،إتفضلوا أقعدوا
مسدت أمه على ظهره_كيفك ياصقر ياولدي،اتوحشناك جوي
ابتسم الصقر لأمه بحنان _وإنتي كمان يا أمي اشتقت لكم جدا
ثم التفت لأبيه _عامل إيه يا أبو الصقر ،وأخبار البلد إيه
أجابه أبيه بنظرة عرفها الصقر على الفور فهو يريده أن يعود إلى دياره _ أبوك محتاجك جاره يا صقر ،بكفياك يابني وارجع معانا
لتردف أمه بلوعة_ملهاش لازمة عاد الجعدة إهنه ،إنت لازمن تعاود معانا البلد
تنهد الصقر ونظر لذلك الذي يتابع الحوار بصمت فهو منذ أن رحّب بأبوي الصقر لم ينطق بكلمة واحدة ومن ثم عاود النظر لوالديه_ إنتي عارفة يا أمي إني مقدرش أرجع البلد
تجهم وجه والده وقال بغضب_يعني إيه ،هتفضل عايش إهنه وتارك أهلك وناسك هناك
حاول الصقر أم يمتص غضب والده_يا والدي ،هنا شغلي ومصالحي كلها وكمان أنا هنا مع مريم بنت عمي اللي ملهاش حد غيري
أجابه والده وهو مازال على انفعاله_مريم ،معاها زوجها ،ربنا يباركلها فيه ،لكن انت عايش هنا وحيد ،لازمن ترجع معانا تعيش وسط أهلك هناك وكفياك هجر عاد
حدق به الصقر بألم_وأسيبها هنا لوحدها!!!
طأطأ رأسه لأسفل قائلا بنيران الألم والفراق تخترقه _أنا مش عايش هنا وحيد أنا عايش على ذكراها ، مودة معايا فى كل حركه بعملها ،في كل نفس بتنفسه ،ولما يضيق بيا الحال بروح عند قبرها ،قولي ياحاج ،أنا إزاي كده وحيد
هزت الأم رأسها بأسف_يابني حرام عليك نفسك ،إنت مش شايف اتغيرت إزاي ،مبقتش صقر اللي نعرفه
أخذ الصقر نفسا عميقا قبل أن يجيب أمه_أنا فعلا مبقتش أنا من يوم ما سابتني يا أمي، أرجوكم متزودوش عليا الهم بإني أرجع ،لإني مش راجع تاني
قام والده من مجلسه بضيق من أجل ولده_يعني ده أخر كلام ياصقر
إعتدل الصقر في وقفته احتراما لوالده_ أنا آسف يا والدي
هم والده بالرحيل مشيرا إلى زوجته_إذا كان إكده بينا يا أم صقر ،ملهاش لازم الجعدة إهنه ،إحنا هنعاود على البلد
عند هذه اللحظة تدخل بلال_لاا ،ودي تيجي يا عمي، حضراتكم هتيجوا عندي البيت ترتاحوا وتتغدوا معانا وبعدين نشوف موضوع رجوعكم البلد
ام الصقر_كتر خيرك يا ولدي ،سلملنا على مريم كتيير والولد الصغير يحيى ربنا يحفظه
محمد الزيني_ مرة تانية يا داكتور بلال ،إحنا لازمن نعاود قبل المسا
إلا أن الصقر وبلال أصروا عليهما ألا يغادرا قبل أن يرتاحا من عناء السفر وأخذ قسطا من الراحة بمنزل بلال
ف وافق محمد على مضض فقط من أجل ابنة أخيه فهو يود الاطمئنان عليها وعلى صغيرها
فما كان من الصقر إلا أنه أخرج ورقة من جيبه دوَّن عليها عنوانا ما ونادي العم أحمد الذى أتي في الحال_عم أحمد شوف حد يوصل العلبة دى للعنوان ده وجهز نفسك علشان انت جاى معانا
هز العم أحمد رأسه باستغراب_جاى معاك فين ياصقر يابني
الصقر بابتسامة _بلال عازمنا كلنا عنده في البيت وطبعا انت مش محتاج دعوة ياراجل ياطيب
بادله العم ابتسامة ممتنة فهو يحبه كأبنه_ماشى يابني ،ربنا يجعله عامر
______
في المساء
وبعد أن أوصل بلال والصقر والديه إلى حيث السيارة التى ستقلهما إلى البلد بعد أن رفضا رفضا قاطعا المبيت معهم فوالد الصقر لديه أعماله التي لا يود تعطلها
دار الصقر حول سيارته بغية العودة إلى مكتبه مودعا بلال ،فتح باب سيارته ومن ثم تذكر أن بلال كان يريده في شيئا ما ،فهتف قائلا_صحيح انت كنت عايزني !!
ضرب بلال على مقدمة رأسه ب تذكر _أاااه صح نسيت
أضغى إليه باهتمام_سامعك يابلال
تكلم بلال بحذر لألا يحزن صديقه_صديقات مودة يا صقر ،إنت من زمان مسألتش عنهم
ابتسم له الصقر بخفوت مبتلعلا تلك الغصة المريرة في حلقه _ومين قال كده ،أنا عمري ما نسيت صاحباتها أبدا أميرة وسلمى،بكلم عم عبد الله دايما وبيطمني عليهم ،النهاردة قررت أزورهم في البيت ،بس زي ما انت عارف متيسرتش الزيارة النهاردة
الان فهم بلال لماذا كان الصقر مهتما بذلك الصندوق المزين ،فهز رأسه بتفهم_الصندوق الجميل ده كان زيارة
هز صقر رأسه بإيجاب _ببعتلهم كل فترة ،زيارة زي هدية كده
صمت قليلا ثم تنهد بألم_دول صاحبات الغالية
ضم بلال شفتيه بأسى_ربنا يرحمها يارب
أمن الصقر على دعاءه وهم بالدخول لسيارته_انا راجع المكتب،محتاج مني حاجه ، إبقى بوسلي حبيبي اللي نام بدري قبل ما يسلم عليا ده
ابتسم بلال_يوصل
انحنى الصقر بجسده بغية ولوج السيارة فنادى عليه بلال_صقر
اشرأب الصقر برأسه مستفهما_في حاجه يابلال!!
عدل بلال عن رأيه فى اخباره بالمبيت معهم فهو يعلم أنه لن يوافق فقرر تركه كما يحب _لا مفيش حاجة بالك من نفسك
رمقه صقر بنصف ابتسامة _متخافش عم أحمد مهتم بيا كويس ،سلام ياصاحبي
__
ارتدت تلك التنورة القصيرة المنفوشة ذات اللون الوردي الجميل وذهبت بها إلى والدتها تهتف بحماس_مامي ،لوك (بصي) ،إيه رايك في الجيب دي ،لبستها علشان اوريها لجدو
قبلتها ياسمينا من وجنتها_امازنج(روعة) مودي ،يو لوك سو بيوتيفول(جميلة)
أمسكت مودة الصغيرة جهازها اللوحي الخاص بها وقالت وهي تضغط زر الاتصال بجدها_يلا نكلم جدو ،أكيد منتظر مكالمتنا
ابتسمت لها ياسمينا _يلا
____
انتبهت بأن صغيرها تأخر في العودة فكفكفت دموعها واقتربت من باب غرفتها تنادي خادمتها الى أتت على الفور
_خير يا ست مودة!!
هتفت مودة وهي تبحث بعينيها عن ابنها فلربما تلمحه بالجوار_الولد لسه مجاش ولا إيه
هزت الخادمة رأسها بالايجاب _ايوة يا ستي، رشاد بيه أخده معاه من الصبح ومرجعوشي لحد دلوك
زفرت مودة بضيق _ماشى اتفضلى إنتى
عادت إلى غرفتها تتآكل من القلق على ابنها ،الذي يجعله جده مصاحبا له كظله ،يأخذه معه في كل مكان ،من الصباح ولا يعودان إلا مساءً ولا تدري أين يكونان وماذا يفعلان
وعندما يعود ،تجده منهكا فلا يسعها سوى أن تدثره في فراشه لينال قسطا من الراحة
___
فى مكتب ذكى
بعد أن انهى مكالمته مع حفيدته ،
رحب بذلك الصديق القديم ،الذي يكن له كل الحب ،فهما كانا صديقين من الصغر ولكن فرقتهما الأيام ومشاغل الحياة ،لكنهما مازالا على اتصال ببعضهما من حين إلى آخر
_رؤوف، أخبارك إيه،ليك وحشة والله
ابتسم له رؤوف خليفة ،رجل الاعمال المعروف عنه السمت والسمعة الطيبة_الحمد لله ،عامل ايه ياذكي!!
_ها الاول تحب تشرب إيه!!
_لا أنا صراحة كنت جاي لك في مصلحة ،بس قلت لك بم إننا من زمان مشفناش بعض، أجي بالمرة وأسلم عليك انت عارف الشغل آخد كل وقتنا
ابتسم له ذكي بتفهم_مقدر يا رؤوف ،كان الله في عونك ،بس لازم تشرب حاجه ،قهوة سادة بردو
هز رؤوف رأسه بإيجاب _تمام
طلب ذكى من العامل فنجانين من القهوة السادة كما يحبانها ومن ثم اعتدل في جلسته ينتبه لصديقه_ ها خير مصلحة إيه
_بصراحة ياذكي أنا شركتك الجديده عاجبني شغلها جدا ،فقلت أجي أعرف منك اسم المقاول اللي بتتعامل معاه
تذكر ذكي الصقر والذي كان يحاول أن يتناساه فهو خجلا منه بسبب ما فعلته ابنته ويتحاشى مقابلته فهو يخاف أن يخبره بحقيقة ابنته التي تربيها ياسمينا الآن وترفض بشدة إعلام الصقر بالأمر
لاحظ رؤوف شرود صديقه _ذكي روحت فين
انتبه له ذكي رامشا بأعينه_ها،لا أنا معاك ،المقاول اسمه صقر الزيني،من الناس المحترمة جدا اللي ممكن تشوفها ،هترتاح بالتعامل معاه
هز رؤوف رأسه _تمام ،اعطيني بياناته علشان اتواصل معاه
فكر ذكي أن يستغل ذلك الموقف ويذهب للصقر للاطمئنان عليه،فهو لم يره منذ اربع سنوات ولا يعلم أخباره حتى _متشلش هم إنت ،قولي إيه طلباتك وأنا هبلغه وهخليه يكلمك بنفسه
تنفس رؤوف براحة_ تبقى عملت فيا معروف،انا اليومين دول مشغول جدا
ذكى_كان الله في العون
____
لفت انتباهه صندوق جميل موضوع على الطاولة أثناء عودته من العمل ،فقال لأمه التي تقف قبالته في المطبخ _السلام عليكم يا ماما ،عاملة ايه ياست الكل
ادارت رأسها الى ابنها ورمقته ببسمة واسعة_حمدا لله على سلامتك يا حبيبي، ثواني والأكل يكون جاهز ،زمانك على لحم بطنك يا ضنايا
نظر عادل لذلك الصندوق متسائلا _بتاع مين الصندوق ده يا ماما!!
خرجت أمه من المطبخ تحمل بيدها ،طبق من الكشري الأصفر وتضعها على الطاولة_دي هديه جاية لسلمى و أميرة
ضيق عادل ما بين حاجبيه _هدية!!, من مين
تنهدت أمه بأسى_فاكر استاذ صقر زوجة مودة الله يرحمها صاحبة البنات!!
هز عادل رأسه بإيجاب _ايوة طبعا فاكره
_هو اللي باعتها ، ربنا يباركله بيسأل خالك عن البنات دايما،ومن وقت للتاني يبعت هديه زي دي ،ياحبة عيني مخلص حتى لصحبات مراته ،ربنا يحميه لشبابه
(كان الصقر ،يستن بهدي الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم،فهو لم ينسى قط صديقات خديجة بعد موتها ودائما ما يسأل عنهن ويودهن دائما،صلوات ربي وسلامه عليه خير خلق الله)
أعجب عادل بصنيعه وتمنى له الخير _كتر خيره ،حقيقي من الناس القليلة الطيبة اللي ممكن تقابلهم ،بس هو يعرف اللي حصل للبنات
هزت أمه رأسها للخلف_لا يابني ،خالك مرضاش يزود همه ، كفايا اللي هو فيه
أشار عادل لأمه موافقا على صنيع خاله_معاه حق ،ربنا يصبره
أمنت أمه على دعاءه واخذت تدعوا له من قلبها أن يصلح الله حاله
____
في الصباح
قرر ذكي أن يزور الصقر في مكتبه فذهب إليه في حوالي الساعة العاشرة صباحا
رحب به العم أحمد _أهلا وسهلا بحضرتك يا بيه ،اتفضل اقعد
جلس ذكي على الاريكة الموضوعة في الردهة الخارجية المقابلة لمكتب صقر_ هو صقر لسه مجاش ولا إيه
العم أحمد _لا يابيه جوا ،هروح أصحيه ،أصله معرفش ينام طول الليل أمبارح من الصداع ،مرتاحش غير لما أخد الفجر حبيايتين مسكن
استغرب ذكي من حديثه _نايم!!
انتبه العم أحمد إلى أن لسانه قد زلَّ،فالصقر قد نبه عليه بألا يعلم أحد من العملاء بشأن نومه بالمكتب
فقال بتوتر_أأصل كان عنده شغل كتير أمبارح فاضطر يسهر يخلصه
هز ذكي رأسه بتفهم_تمام،ممكن تبلغه إني منتظره
_حاضر يابيه،أقوله مين حضرتك
ناوله ذكي الكارت الخاص به فأخذه العم أحمد ودلف إلى غرفة مكتب الصقر وأغلق الباب خلفه
اقترب منه بهدوء،يوقظه_صقر ،صقر يابني،ذكي بيه منتظرك برا
فتح الصقر نصف عين فمازال الصداع يتملكه ،فهو قضى ليلته حزينا على فراق حبيبته ،وتناول الكارت من العم أحمد وما إن قرأ الاسم ،حتى هب من مكانه بسرعة يقول_بسرعة يا عم أحمد ظبط الدنيا ،هروح أخد شاور سريع واستعد لمقابلته ،اطلبله قهوة سادة أنا فاكر إنه بيشربها كده
وانطلق سريعا نحو الحمام الملحق بغرفة مكتبه
عدل العم أحمد من وضع الوسائد على الاريكة الجلدية وأخفى الملاءة التي كان يتدثر بها الصقر في الخزانه المصطفة عند الركن الشمالي للغرفة
خرج الصقر من المرحاض بعد أن ارتدى حلته السوداء ومشط شعره وهندم منظره استعدادا للضيف القادم وأمر العم أحمد بإدخاله
وما إن دخل ذكي حتى تقدم منه صقر معتذرا_اهلا يا ذكي بيه، أنا بعتذر خليتك تنتظر ،اتفضل نورت المكتب
بدا ذكي متفهما ،فجلس على أحدى الكراسى المقابل لمكتب الصقر ،يرمقه باستغراب من تغير في هيئته فهو لم يكن كذلك منذ اربع سنوات ،يبدو أكبر سنا وكأنه كبر عشرون عاما وليس اربع سنوات،وجهه أصبح منطفئا وليس كذي قبل ،فما يعهده عليه هو ذاك الصقر القوي ،ذو العزيمة والهمة العالية_عامل إيه يا صقر ،أربع سنين يغيروك بالشكل ده
اجابه صقر بوجه خال من التعابير التي تبين حالته الحقيقية _الحمد لله على كل حال يا ذكي بيه ،أخبار حضرتك إيه
ذكي_بخير،طمني،إنت أخبار مودة إيه، وابنك ،تقريبا بقا عنده اربع سنين مش كده
في هذه الاثناء كان العم أحمد يدلف للمكتب ويحمل فنجان القهوه الخاص بذكي،وكوب الشاي الخاص بصقر،ولكن ما أن استمع لسؤال ذكي حتى سقط منه ما يحمله مشفقا على الصقر من ذلك السؤال وخاصه وهو يعرف جيدا معاناته بالامس فتلك الليلة كانت ذكري وفاة زوجته
هب الصقر من مكانه منحنيا يجمع بقايا الزجاج المتناثر_خد بالك يا عم أحمد
العم أحمد_سيبه ياصقر يابني ،أنا هلمه
ولكن على ما يبدو أن الصقر كان شاردا في عالم آخر فقبض بيده على قطعة زجاج ،فسال الدم من يده ،لم ينتبه إلا على صوت ذكي وهو يقول_صقر خد بالك ،إيدك اتجرحت
اعتدل الصقر فى وقفته ناظرا لجرح يده ،فاستغرب فهو لم يشعر بأي ألم ،ربما جرح قلبه طغى على جرح يده فلم يؤثر به ،فقال محاولا التهرب من المكان_عن اذنك يا ذكي بيه ، هشوف حاجه اوقف بيها الدم ده
انحنى العم أحمد بهم من أجله،يلتقط قطع الزجاج المكسورة
فقال ذكي متسائلا _ماله صقر يا عم أحمد ،شكله مش مظبوط
رفع العم أحمد رأسه إليها منتصبا فى وقفته_هو حضرتك متعرفش ،ان الست مودة ماتت باللي فى بطنها فى حادث الانفجار من أربع سنين!!!
اتسعت حدقتي ذكي وهب واقفا_انت بتقول ايه ،مودة ماتت من اربع سنين
اخفض العم أحمد رأسه مجيبا بأسف_ومن يومها وهو على الحال ده ،اللي بينهم مكانش مجرد حب عادي،ده كان حب يتحكي في الحكايات ،ربنا يرحمها
رمش ذكي عدة مرات محاولا استيعاب ما سمعه ومن ثم هم بالمغادرة _أنا همشي ،بلغ صقر إني هجيله وقت تانى
...
خرج من المكتب يشعر بالاختناق,ايعقل أن زوجة صقر وابنه ماتا منذ اربع سنوات ،ايعقل انه حرمه نعمة الابوة ،حرمه من ابنته طوال اربع سنوات ،كانت ربما ستعوضه عما يعانيه
زفر بغضب من ابنته وقرر إلزامها بالعودة في الحال إلى مصر وإخبار الصقر بالحقيقة ،يعلم أنه لن يمرر الأمر على خير لكن عليه أن يخبره مهما كلف الامر
____
خرج صقر بعدما ضمد جرح يده فلم يجد ذكي فرمق العم أحمد باستغراب_هوا راح فين
نظر العم إلى يد الصقر _ بيقول مشغول وهيعدي عليك وقت تانى
رفع الصقر أحد حاجبيه
_غريبة جه في إيه ومشى في إيه
اقترب العم أحمد منه يتفقد يده_إيدك عاملة إيه
حاول الصقر رسم بسمة خفيفة على ثغره عندما وجد علامات القلق على وجهه_لا متشغلش بالك بسيطة ،بس معلش هتعبك ،عايز كوباية شاى ضروري
العم أحمد _حاضر هجهزلك الفطار ومعاه كوباية الشاي
التف صقر حول مكتبه لكي يباشر عمله_لا ،مليش مزاج أفطر، هات إنت كوباية الشاي حالا الله يكرمك ياعم أحمد ،علشان أعرف اركز فى الشغل
رمقه العم بحزم _مفيش فطار يبقى مفيش شاي ،قولت إيه
تنهد الصقر بقلة حيلة_اللي تشوفه يا عم أحمد
____
جلست جوارها على طرف الفراش_لحد امتا يا ميرا ،هتفضلي قافلة على نفسك كده !!!
تنهدت أميرة تنظر إليها بوجه خال من التعابير _قافلة إزاي يعني ،ما أنا قاعدة معاكي أهو
أمسكت سلمى يد أميرة برجاء _أميرة ياحبيبتى،إنتي بقالك أربع سنين متخرجيش من البيت ، ده انتي حتى مرضتيش تحضري الامتحانات ،اللي أجلوها علشان اللي حصل
سحبت أميرة يدها بهدوء من يد سلمى_ سلمى،أنا الحمد لله رضيت بحالي كده ،لكن هخرج بشكلي ده أعمل إيه،وهخرج ليه أصلا مبقتش حاجه تفرق خلاص
تجهم وجه سلمى للعبوس_يعني إيه ،هتدفني نفسك بالحيا هنا في البيت
زفرت أميرة وقامت من مكانها_سلمى إنتي عايزة مني إيه ،سيبيني في حالي
وقفت سلمى قبالتها تقول بنبرة صوت منفعلة_تفتكري لو كانت مودة عايشة كانت هتحب تشوفك بالشكل البائس ده !!
اغرورقت عينا أميرة بالدموع_ربنا يرحمها، بإيدي إيه أعمله يا سلمى قوليلي، أنا مش هتحمل نظرة الناس ليا بوشى ده
وضعت سلمى وجه أميرة بين يديها _حبيبي ،أي حد مُعرض يحصله اللي حصلك ،لازم تتابعي طريقك علشان الحياة تمشي
_طريقي وقف لحد هنا يا سلمى ،الحمد لله أنا راضية ،ثم إننا خلال الفترة دي قدرنا نختم القرآن مع بعض،وده في حد ذاته إنجاز ،عايزة إيه أكتر من كده!!
نظرت لها سلمى بحب صادق_عايزة أشوف أختي وحبيبتى ميرا مبسوطة وسعيدة ده كل الل بتمناه
رسمت أميرة على ثغرها بسمة خفيفة _ربنا ما يحرمني منك ابدا يا سلمى
حاولت سلمى إضافة جو من المرح _ياشيخة حتى الضحكة صغيرة،ده إيه البخل ده ،اضحكي يا ماما اضحكي
ضحكت أميرة بعلو صوتها طويلا ،فلربما هي بحاجه إلى ذلك فعلا
فبادلتها سلمى الضحك ،عل قلبهما يرتاح قليلا مما ألمّ به
____
تحدث إليها من غرفة نومه ،عبر الكاميرا المثبتة بحاسوبه الشخصي _ياسمينا إنتي لازم ترجعي مصر حالا وبدون مناقشة
أجابته وهي ترتشف مشروبها المفضل اليمون بالنعناع_دادي ،سورى نو واى
ولأول مرة يتحدث ذكي بحدة مع ابنته_ياسمينا ، لو منزلتيش مصر حالا ، يبقى لا انتي بنتي ولا أعرفك
تجهم وجه ياسمينا ووضعت الكأس جانبا_وااات دادى انت بتقول ايه!!
ظل ذكي على عبوسه حتى ترضخ ابنته لمطلبه_اللي سمعتيه يا سو ،سلام
رفعت ياسمينا يدها أمام الكاميرا الخاصة بحاسوبها_نونونو..استنى يا دادي ،ويت
تكلم ذكي بحزم _مفيش كلام بعد النهاردة،لو بتحبيني ،انزلي ياسو
عضت ياسمينا على شفتيها بضيق شديد_ذيكو إيه اللي حصل ،ليه قلبت فجاءه ،أنا ياسو تعاملي كده!!!
خشي ذكي أن يخبرها بالسبب الحقيقي لجعلها تعود لمصر فقال _ياسو ،أنا هفضل لإمتا عايش فى الفيلا الطويلة العريضه دى لوحدي ،أنا كبرت يابنتي ،وعايز افرح بوجود بنتي وحفيدتي معايا قبل ما أموت
تحشرجت الدموع في عيني ياسمينا_دادي ،نو ،متقلش كده ،ربنا يخليك ليا
ذكي بألم حقيقى وليس إدعاء_أنا تعبت ياياسو من البعد وعايزك جنبي ..
ضمت ياسمينا شفتيها بتأثر_دادي،وأنا كمان ،محتاجاك جنبي،بس....
_ياسو ،القرار بين إيديكي ،مع السلامة
اغلق ذكي حاسوبه وأغمض عينيه بضيق شديد من أجل الصقر ،وهو على يقين ان ابنته لن تفعل ،لن تعود الى مصر ،بل ستحاول بكل الطرق إقناعه للعدول عن تلك الفكرة
حاول ذكي النوم لكنه لم يستطع لذا قر في اليوم التالي ،اخبار صقر بالحقيقة كي يرتاح من تأنيب ضميره
في اليوم التالي ،وبعدما قص ذكي كل شىء على مسامع الصقر
لم يصدق الصقر ما يسمعه اتسعت أعينه شيئا فشيئا وضرب على مكتبه بقوة بيده فأصدر صوتا عاليا جدا،هدر بذكي بحدة_إزاي يعني كل ده يحصل وأنا معرفش،
إزاي يكون عندي بنت عمرها اربع سنين معرفش عنها حاجه ...المتخلفة دي كانت بتفكر ازاي وبأي حق تعمل اللي عملته ده
لم يتمكن ذكي قول شىء فهو لا يلومه فالحق كله معه_أنا آسف يابني
اقترب منه صقر بأعين تشع شرا_أنا آسف يا ذكي بيه أنا هقاضي كل اللي ليه يد في الموضوع ده .....
ولقراءة الجزء الاول جميع الفصول من هنا
