لا تتحدى الصقر الجزء الثانى
الفصل الخامس
بقلم أسماء_عبد_الهادي
عندما يتجرد قلبك من المشاعر ،عندما لا تشعر بمن حولك ،عندما لا تراعي أحاسيسهم ،فلا تبكي على موت قلبك ،فهنيئا لك فأنت الآن لا قلب لك
__
ضم عادل قبضتة بقوة حتى كاد يعتصرها ،كان غاضبا منفعلا من تلك السيدة الفظة ،تحرك من مكانه بغية أن يُسمعها ردا مناسبا حادا فهي السبب فيما آلت إليه أحوال أخته أميرة
إلا أن أسامة أمسك ذراعه بقوة يمنعه من الحراك
نظر له عادل بحدة لكي يفلته ،لكن أسامة شدد على قبضته وتكلم بهدوء_بلاش مشاكل ياعادل ،سيبهم يمشوا بهدوء
ليكز عادل على أسنانه _إنت مش شايف أميرة بقت نفسيتها إزاي من الست دي لا وخطيبها واقف زى الحيطة متكلمش خالص ولا عارف يوقف أمه ،دي باينلها جوازة غبرة
تنهد أسامة بأسي وتكلم بصوت مكلوم_في ساعة الشدة كل واحد بيبان على أصله ، قريب أوي هنشوف الأستاذ محي ده من أنهي نوع
صمت عادل على مضض وتابعهم بنظرات مغتاظة وهم يستأذنون خاله ويهمون بالرحيل
فأستأذن أسامة هو الآخر للرحيل حتى يتسنى للفتاتان أخذ قسطا من الراحة بحرية
____
وقفا على باب غرفة العمليات منتظرَين خروج مريم والاطمئنان على صحتها وصحة طفلها
استند صقر بصمت قاتل على إحدى الجدران أغمض عينيه وتخيل أن مودته هي من تلد الآن ،فهي إن كانت ما زالت على قيد الحياة ،فلربما كانت أيضا تلد الآن ولكان سيخرج للنور ولده الحبيب ويمسكه بين يديه يقر عينه به
ابتلع غصة مريرة تقف في حلقه وتمتم مستغفرا ربه وتمنى لمريم أن تقوم منها على خير
رفع يده يمسح تلك الدمعة الفارة من عينيه وكأنها إن لم تفر الآن ستجعل قلبه يئن كبركان ثائر من الحزن والأسى، فنزلت هي لتخفف عنه نيران الشوق والحنين
فتح أعينه على صوت باب الغرفة يُفتح وتخرج منه الممرضة تحمل بيدها طفلا صغيرا جدا يحمل بشرة بيضاء كوالدته ملتف في ملاءة زرقاء جميلة وتناولِه له وهي تقول_مبرووك ،ولد زي العسل ..يتربى في عزك
وقف هو مشدوها بالموقف فهي تظنه والده
بدَّل نظراته بينها وبين الطفل وبين بلال الذي اقترب منهما بلهفة فعلى ما يبدو أن الممرضة لم تنتبه له فهو كان يقف على الجانب الآخر من الباب
تكلم الصقر بصوت متلعثم مشيرا لبلال_أأ ..أنا مش..... والده أهو
أشار له بلال بعينيه لكي يحمله منها، فمد يده بارتباك وتردد يتناوله منها ، تركت الممرضة الطفل بعد أن استقر بين يديه
والتفت لتدلف للداخل مرة أخرى فناداها بلال يسألها على مريم فطمئنته _المدام كويسه الحمد لله دقائق وهتخرج هيا كمان
تنهد بلال براحة وحمد ربه على سلامة زوجته وولده
ومن ثَم التفت إلى الصقر الذي يحمل الطفل بين يديه ينظر له بشعور غريب يچتاحه ، عيناه مغرورقتان بالدموع ،قرَّب الطفل
من وجهه يُقبله بحنان بالغ ومن ثم ضمه إلى صدره يحيطه بذراعيه وكأنه يحميه ،يخاف عليه ،يخاف فقده هو الآخر
لم يتحمل بلال رؤيته على هذا الحال ،فاقترب منه ممازحا محاولا أن يخفف حدة ما يشعر به الصقر الآن فقال راسما على وجهه بسمة _ها يا بابا صقر هتسمي ابنك إيه!!!
رفع صقر رأسه تجاه بلال مستوعبا ببطء ما يقول
فمد بلال يده مربتا على كتفه _الطفل ابنك زي ما هو ابني بالظبط ..يمكن يكون تعويض ربنا ليك ...عارف أن اللي راح صعب يتعوض بس مش بإيديا غير إننا نبص للجانب المليان من الكوباية
حدق به الصقر بصمت ومن ثم عاود النظر مرة أخرى للصغير
فصمت بلال هو الآخر ونظر إلى صغيره ،فوجد الصقر يقول بخفوف_هسميه يحيى ..الولد فيه شبه كبير منك
إعتلى ثغر بلال ابتسامة راضية لتجاوب صقر معه_ يحيى ....تمام نسميه يحيى ،يلا أذِّن في ودنه
فقرَّب صقر فمه من أذن الصغير يحيى وأذَّن بصوت خفيض مسموع في أذنه اليمنى
إقتداء بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
"فعن أبي رافع قال ،رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذَّن في أُذن الحسن بن علىّ حين ولدته فاطمة."
عند هذه اللحظة خرجت الممرضات تدفعن الترولي الذى يحمل مريم ليضعانها في غرفتها حالما يذهب عنها أثر التخدير وتستعيد وعيها بالكامل
____
صمت قليلا يحدَّق بها بنظرات ثاقبة فارتعد قلبها خوفا من أن يكون شرطه فوق طاقتها
لحظات صمته طالت وكأنها ليالي شتاء قاسيه تلفح قلبها بأمطار مثلجة قارسة البرودة ،فتعذبها بألم أكثر مما تعانيه
ثم بعد برهه قال_شرطي إنك تتغذي كويس وتهتمي بصحتك ،علشان حفيدي يچي بالسلامة بصحة زين
تنهدت هي براحة وقالت وهي تنظر لصينية الطعام التي تحملها الخادمة_بس كده أنا هآكل الأكل كله ،طالما مش هتأذي صقر
أثار ذكر اسم الصقر غضبه لكنه بقي صامتا عندما رآها تأكل بنهم كبير
زفر بضيق من ابنته وقال في نفسه ألهذا الحد تحب ذلك المعتوه الخائن
قام من مكانه مغادرا الغرفة حانقا من ابنته ،لكنه توقف مكانه إثر سماعه صراخها يدوي المكان فأدار برأسه إليها
لتقول الخادمة بهلع _إلحق يا باشا ،مدام مودة بتولد
__
ليولد الصغيران تقريبا في نفس اليوم ولكن في مكانين متباعدين ولا يعلم بشأن مودة ومولودها أحد .
___
وقف بجانب فراشها يحمل صغيرها ،يمد يده يضعه بجوارها وهو يقول محاولا رسم ابتسامة صغيرة على ثغره _حمدا لله على سلامتك يا مريم
ها ياستي إيه رأيك في اسم يحيى
ليجدها تنفجر في البكاء فيستغرب اثنتيهم من بكاءها ذاك
فمسد بلال يده على حجابها_حبيبتي في حاجة بتشتكي منها
لتقول من بين شهقاتها وهي تضم صغيرها _كنت انا ومودة ماشين مع بعض في شهور الحمل ...يعني كان زمانها ولدت دلوقتي ...
صمت قليلا بينما وقف اثنتين وكأن على رؤسهم الطير
فاردفت هي بصوت باكي _كنا إحنا الاتنين بنخطط لكل حاجه سوا ..بس للأسف سابتني وراحت
كان صقر في أشد الحاجة لمن يشد بأزره لكنه عندما رأى مريم على هذا الحال قال بصوت بدى متماسك _ربنا يرحمها ويغفر لها ويصبرنا على فراقها يامريم ..مش عايز أشوفك حزينة إنتي دلوقتي بقيتي أم ومسئولة عن طفل ..لازم تكوني متماسكة أكتر من كده علشان نفسيتك السيئة ممكن تأثر على يحيى بالسلب
لتهز هي رأسها _مش قادرة مش قادرة يا أبيه
تحدث بلال بحنو بالغ _ مريم ..صقر معاه حق ..فكري دلوقتي في يحيى ..يمكن ربنا بعته لينا في الوقت ده بالذات ،كجبر لقلوبنا المجهدة
سكنت مريم وهدأت قليلا ناظرة لصغيرها بعينين تلمعان فتمتمت بخفوت_الحمد لله على كل حال
أعتذر صقر منهما وطلب الانصراف على أن يعود لهما فى وقت لاحق وانطلق مغادرا على عجل
لحق به بلال قلقلا بشأنه_صقر ،رايح فين
أجابه الصقر دون أن ينظر له_جاي تاني يابلال خليك مع مريم ويحيى
____
حمل الطفل بين يديه القوتين القاستين ،لكنه رغم قسوة قلبه ،حنَّ لذلك الصغير ،حفيده الذي كان طالما ينتظره ،نظر إليه ومن ثم ابتسم إبتسامة متشفية في ذلك الذي لا يعرف بشأن ابنه شيئا ،فها هو ابنه سيتربى بعيدا عنه فقال بصوت مسموع
بدى سعيدا للغاية_ابنك ،هربيه بنفسي وعلى مزاجي ،هخليه نسخة مني ،هخليه يكرهك ويكره يسمع اسمك ...ماهو مبقاش أنا رشاد الزيني اللي ميجرعكش من نفس الكاس اللي سقتهولي
____
فى المساء
سمح الطبيب لهن بمغادرة المشفى فلا داعي لبقائهن بها أكثر من ذلك
عادت أميرة وسلمى لمنزلهن بصحبة والديهن وعادل وأسامة
كانت أميرة صامتة حزينة على وجهها الذي تشوه بالكامل ،لذا فضلت أن تبقى في غرفتها ولا تُحادث أحد
فلم يبدي أحد إعتراضه ،فهم يريدون لها مساحة من الخصوصية كي تُخرج ما بجوفها من ألم
___
انتظرت إلى أن عاد من الخارج حتى تبث كلامها المسموم فى عقله فيسمعه ويصدقه وينفذه على الفور
فمجرد أن وجدته يدلف عتبة باب المنزل حتي اتجهت نحوه_محي إنت كنت فين إيه اللي أخرك كده يابني مش عوايدك يعني
أجابها باختناق _مفيش ياماما ،مخنوق شويه ،مشمش نَفَسى ولا إيه
لتقترب منه تقول بضيق وهي تمط شفتيها بغيظ _طبعا لازم تكون مخنوق ،مش خطيبتك الفقر دي اتشوهت ،أنا كنت حاسة من الأول إن البت دي وشها شؤم عليك
ليبدو على وجه محي الإمتعاض ويقول متوجها نحو غرفته _بقولك ايه يا ماما ،بلاش بقا كلامك ده دلوقتي، أنا مش ناقص
لتمسكه أمه من ملابسه _تعالى هنا ياواد خطوبتك على أميرة مينفعش تستمر
رفع محي حاجبه بدهشه _بتقولي إيه ياماما
_بقولك اللي لازم يتعمل ، إنت تفشكل الخطوبة دى وتطالب بشبكتك وحاجتك ترجعلك
___
_جهزلي عربية حالا ،علشان هنرجع على الصعيد
_أوامرك ياباشا
غادر المساعد وعاد مرة أخرى بعد برهه ،فرمقه باستغراب _رجعت ليه ياغبى؟
فتح فمه يقول بخوف_مهو ياباشا ، هنشمي ازاى والمدام لسه تعبانة ..أا..أنا بقول نستنى كم يوم لحد ما تشد حيلها شويه
فهدر به رشاد ممسكا إياه من ملابسه بحدة_إنت بتفهم أكتر مني يا بجم إنت ،نفذ حالا اللي قلت لك عليه
ابتلع الرجل ريقه _ح..حاضر يا باشا
___
دخل الغرفة حيث ترقد موده مع الخادمة التي ترعاها
وقال بلهجة آمرة_جهزيها وجهزي الولد بسرعة
وقفت الخادمة تنفذ ما طلبه في الحال رغم حزنها على حالة تلم المسكينه التي مازالت تعبة من الولادة
فاستدار مغادرا لكنه توقف عندما تذكر شيئا ما ،فأدار رأسه مرة أخرى تجاه ابنته الراقدة فى فراشها تضم صغيرها وتبكي بصمت ،كانت تتمنى وجود زوجها وحبيبها معها في تلك اللحظة ،أن يبثها الامان الذي تفتقده هي رغم وجودها في كنف والدها
تتمنى ان ترى السعادة على وجهه برؤية قرة عينه يخرج للنور ،لكن أنى لها به الآن ووالدها يضع بينهما آلاف المسافات والاميال ،ناهيك عن أن صقر يعتبرهما في عداد الاموات ولا مجال لمعرفته الحقيقة
انتبهت لصوت أبيها يسألها بلهجة آمره_هتسمي الولد إيه؟؟
بسرعة وبدون تفكير منها هسميه ...
رفع حاجبيه _إشمعنى يعني الاسم ده
اذردت ريقها خوفها من أن تخبره سبب اختيارها الحقيقي لذلك الاسم ،فقالت بحذر_أ.أصل .. فكرته يعني هيكون اسم مناسب كحفيد رشاد الزيني
ما أن قالت ذلك حتى اتسعت ابتسامته راضيا بذلك الاسم .
___
ياترى اسم ابن صقر ايه
وصقر مشي راح فين
وخطيب أميرة هيسيبها ولا لا ؟
وياسمينا هترجع مصر بعد ما تولد هيه كمان ولا لا
ولقراءة الجزء الاول جميع الفصول من هنا
