لا تتحدي الصقرج2
الفصل الثانى والعشرون
بقلم أسماء_عبد_الهادي
كان ما سمعته من مكالمة أبيها كالفتيل الذي أجج النار في قلبها التعيس, الذي ما إن يفرح حتى يلبث ان يجد ما يكدر صفوه, احتد قلبها وهاج من فرط خوفها على رفيق دربها.
حسمت أمرها على ألا تقف مكتوفة الايدي هكذا لابد ان تفعل شيئا لتنقذ حبها, لتنقذ أبو ولدها –والذي لم يره ولو لمرة واحدة ولا حتى يدرى بوجوده من الاساس_
عصفت ذهنها تفكر ما الذي يمكن ان تفعله لأجله.. كانت في السابق تحاول ان تخرج من سجن والدها لكن محاولاتها كلها باءت بالفشل.. او بمعني هي لم تحاول كما يجب خوفا على ولدها من تهديدات والدها.
لكن الان حياة زوجها على المحك لابد وان تفعل المستحيل .. تعافر حتى تصل له.
لجأت إلى أنيسها في وحدتها .. الى سجادة الصلاة ..كي تكون اقرب ما تكون من ربها وهي ساجدة ..تناجيه؛ تدعوه أن يحفظ زوجها ويرضه إليها ويلهمها حلا لمشكلها تلك
فتُرى ما الذي ستفعله.....
--------------------
استعد الجميع لتناول الطعام بل بالأحرى الوليمة التي اعدتها رباب استقبالا لولدها وصديقه..
لاحظت ياسمينا ان الرجال سيكونون بمكان والنساء بمكان آخر فاستغربت الأمر فهي طوال حياتها التسعة وعشرون عاما, يتواجد النساء مع الرجال في مكان واحد ولا فرق.
فسألت مستفسرة – انطي رباب.. هو ليه إحنا مش هنقعد مع صقر وبقية العيلة ..ليه إحنا هنا بعيد عنهم؟
نظرت رباب الى مريم ومن ثم وجهت حديثها لياسمينا- حبيبتي مينفعش واصل الحريم يجعدوا مع الرجال في مكان واحد...مفيش عندنا رجالة ياكلوا مع الحريم .
تدخلت مريم لإقناع ياسمينا والتي على ما يبدو انها لم تقتنع – كده أفضل يا ياسمينا علشان نكون على راحتنا مش كده؟.
هزت ياسمينا رأسها- اوك نو بروبلم
أبدت ياسمينا إعجابا كبيرا بالطعام فكانت تأكل باستمتاع كبير – انطي الأكل تحفة أوي.. أنا مش عارفة أوقف أكل.
نظرت رباب الى الطبق الخاص بياسمينا فلاحظت ان الطبق لم تنتهي منه بعد فقالت- بالهنا والشفا يا حبيبتي .. بس انتي ما اكلتيش حاجة لسه طبجك زي ما هو .
مسحت ياسمينا ايديها وفمها بالمحرمة القماشية الخاصة بالمائدة – ميرسي انطي انا أكلت أكتر من اللي انا متعودة عليه .. انا كده محتاجة اعمل رياضة علشان انزل السعرات الحرارية الزيادة دي .
ابتسمت لها رباب- اه بتعملي البتاع دَهون اللي بيقولوا عليه ..رجيم باين؟
ثم التفت الى مريم وقالت- وانتي يامريم ياحبيبتي مش بتاكلي ليه.. عاملة رجيم انتي كمان ولا ايه؟
رمقتها مريم بابتسامة صافية- لا باكل ياخالتي تسلم ايدك.
قالت رباب بتعجب – هو ايه ده يا خواتي مافيش ولا واحدة فيكم عارفة تخلص طبجها ..ده حتى الكتاكيت الصغيرين كمان أكلهم ضعيف زي امهاتهم.
ضحكت مريم- خالتي انتي عاملة اكل كتير جدا هناكل كل ده ازاي.. تعبناكي معانا يا حبيبتي
رمقتها رباب بحب- تعبكم راحة يا حبايب جلبي .. انتي متعرفيش الفرحة مش سايعاني ازاي بوجودكم اهنه حواليا.. ده اللي كنت بحلم بيه طول عمري.
ياسمينا – صحيح انا لاحظت حاجة مش عارفة هيه صح ولا ايه؟
حثتها رباب على ان تكمل ما تود قوله- ايه هيه جولي يا حبيبتي.
ياسمينا-لاحظت ان صقر مش شبه انكل الزيني ولا حتى يشبه لحضرتك .. يعني فيه ملامح منكم بس مش اوي
ابتسمت رباب لدقة ملاحظة ياسمينا وخمنت ان ياسمينا تهتم لأمر الصقر حتى تلاحظ شيئا هذا –صحيح وده لان صقر ولدي يشبه جده الزيني الله يرحمه, ويشبه كمان الى حد كبير عمه رشاد الزيني اللي كان كبير العيلة بعد أبوه. ومش بس اكده الصقر كان زي عمه كمان في الطباع .. في الحدة والخشونة
والجوة والصرامة كمان ..الصقر اللي جدامك دلوك اتغير كتير .. على يد بت عمه حبيبتي اللي راحت منيه في عز شبابها ياحبة عيني ربنا يرحمها ويصبر جلبنا على فراجها
ترحم الجميع على مودة فهي كانت محبوبة من الجميع،وكذلك ترحمت مريم على أبيها.
---------------------------
عند الرجال
حيث الصقر يتناول الطعام مع والده وصديقه بلال
الزيني لبلال- كيف حال شغلك يا ولدي؟
بلال- الحمد لله يا عمي.. الدنيا تمام.
حرك الزيني رأسه متمتما بالحمد – الحمد لله .. ربنا يصلح حالك يا داكتور ..... ثم وجه حديثه لابنه- وانت يا بني عامل ايه في الشغل هناك؟
فهم الصقر ما الذي ينويه والده من وراء سؤاله وقال-الشغل ماشي كويس الحمد لله يا بوي ومش بفكر أسيبه في الوقت الحالي.
تنهد الزيني فالصقر فهم ما كان يريد قوله فقال لمحاولة تغيير رأيه -
نفسي تسمع كلامي يا ولدي، البلد كلياتها تتمنى انك تكون العمدة الجديد، أني خلاص كبرت ومبجتش حمل للمسئولية الكبيرة دي، أخاف أظلم حد من أهل البلد .
ربت الصقر على كتف والده_ربنا يمن عليك بالصحة والقوة يا بويا ..لكن انت عارف اني مليش في شغل العمودية ورئاسة البلد دي..أكيد في حد أحق مني بيها..لو حضرتك قررت تتنازل عنها في يوم من الايام.
تنهد الزيني بأسف _أني مأمنش على حد يمسكها غيرك ياصقر، رئاسة البلد محتاجة حد ثقة وأمين على أهل البلد...وأنت أكتر حد أهل للموضوع ده
ابتسم الصقر لوالده_انا عارف يابويا انك خايف على أهل البلد وخايف حد يمسكها ميكونش رحيم عليهم ،بس أنت بحكم خبرتك وعقلك اللي يوزن بلد أكيد بحنكتك تقدر تعرف مين الي يستاهل يمسكها .
زم الزيني شفتيه باستياء من ابنه _يعني بردو مصمم على الرفض يا ولدي ؟
أجابه وهو يلهو بملعقته بالطعام_يابويا انت عارف اني مش هطول هنا ..أنا جاي أغير جو وهرجع تاني لشغلي ومصالحي
عرف الزيني أن ابنه لن يغير رأيه فقال _ماشي يا صقر اللي يريحك ..أنا عمري ما غصبتك على حاجة واصل .
____
عاد من العمل متعبا فقال بخلع جاكيته وتوسيع ربطة عنقه ومن ثم جلس بانهاك على اول أريكة تقابله فاليوم كان مزدحما جدا بالأعمال ..بحث بعينيه عن زوجته لكنه لم يجدها فنادى عليها بصوت عالى حتى تسمعه_هنا ..يا هنا !؟
جاءت إثر نداءه ترتدي ملابس الخروج وتمسك ابنتها في يدها ومعها حقيبتها التي تعدها دائما عندما تهم بالذهاب الى اهلها فهي تضع بها غيارات احتياطية لإبنتها، ووقفت على مقربة منه في صمت
استغرب هو ذلك فقالت _انتي لابسة كده ورايحة فين!! معقول رايحة لأهلك ؟ بس انتي معادك بتروحي كل خميس، يعني كنتي هناك من يومين.
هتفت بضيق تحاول أن تكظمه_أهلي وحشوني وعايزه أروحلهم إيه هتمنعني إني أزور أهلي؟
ضيق حاجبيه مستغربا تلك اللهجة التي تتحدث بها فهو لم يعتادها عليها_في ايه يا هنا مالك ..انتي زعلانه من حاجة
حركت جسدها بعصبية وقالت بنرفزة_لا مش زعلانة وهزعل ليه يعني مفيش حاجة تستاهل زعلي أبدا
علم حقا أنها غاضبة من شيء ما فتحامل على نفسه واقترب منها ليعلم سبب غضبها فمد يده ليمسكها _هنا حبيبتي ممكن اعرف ايه اللي مزعلك؟
أزاحت هي يده وابتعدت قليلا عنه وهتفت بحدة _قلتلك مش زعلانة ..مش زعلانة
تنهد بحيرة واقترب منها ثانية_طيب في إيه بس ..أنا راجع من الشغل هلكان ومش حمل مناهدة دلوقتي ياهنا
أبعدت يده هذه المرة متعللة بأنها تهندم حجابها وقالت محاولة التماسك حتى لا تسقط دمعاتها _قلتلك عايزة اروح لأهلي .
زفر أيمن بضجر_حاضر ياهنا ..نتغدى بس تكوني روقتي وبالليل أخدك يا ستي تقعدي معاهم شوية
هزت رأسها بالنفي بعصبية فهي تريد المغادرة الآن_لا أنا عايزة أمشي دلوقتي..هتوصلني ولا أنزل لوحدي!!
_يا هنا استهدي بالله وروقي كده قلتلك هوديكي خلاص بقا
زاد انفعالها فعلى صوتها _وأنا مش قاعدة هنا ثانية واحدة .
هتف بعصبية_طيب ممكن تفهميني ليه؟؟ سألتك زعلانة قلتي لا..يبقى ايه فجاءة كده طقت في دماغك انك تروحي عند اهلك ودلوقتي..طيب غديني الاول حتى!!!
أشارت بيدها نحو المطبخ وهتفت صارخة بصوت مختنق_الأكل عندك جاهز في المطبخ..وصلني لبيتنا وارجع اتغدى براحتك ..المهم مشيني من هنا بقا
عندما شاهدها على هذا الحال قل انفعاله قليلا ليحاول تهدئتها _هنا حبيبتي..مالك بس ايه اللي وصلك للحالة دي..أنا عملت حاجة زعلتك وأنا مش واخد بالي
ابتسمت هي له بمرارة فكم تود أن تصرخ في وجهه تواجهه بكل ما رأته..تفجر بركان غضبها وما يعتلي صدرها لكنها فضلت الابتعاد فهو أنسب حل لذا أجابت بصوت مخنتق والعبارات تهدد بالنزول_مخنوقة يا أيمن عايزة أمشي ارجوك سيبني أمشي بقا
مد يدها ليحتضن رأسها ليضمها الى صدره فهو لا يتحمل رؤيتها على هذا الحال_حبيبتي اهدي..انا مش عارف مالك بس ما احنا كنا كويسين ...أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
أبعدت رأسها عن صدره فلو كانت لم تعرف حقيقته التي يخفيها عنها لكانت صدقت لهفته تلك عليها وظلت مستكينة بين ذراعيه لكنها تعده خائن مخادع لا يستحق أن تكون معه
بمكان واحد لكنها هتفت بغضب_ لا ..أنا ماشية يا أيمن، لو مش هتوصلني هنزل أنا ،أمسكت يد ابنتها( التي تنظر اليهما لا تعي شيئا) وتوجهت ناحية باب المنزل
لحق بها أيمن متبرما ضجرا_ماشي يا هنا هوديكي عند أهلك ..بس خليكي فاكرة إني سألتك مالك وانتي مجاوبتنيش
لم تجبه هنا وسبقته في الهبوط الى أسفل، ارتدى هو جاكيته على عجل ليلحق بها وهو يتمتم بغضب بينما يغلق باب شقته بإحكام _مجنونة وهتفضل طول عمرها مجنونة مفيش فايدة مش هتتغير أبدا
سؤالي( هل هنا محقة في ردة فعلها تلك ام أنها بالغت قليلا ..وما كان ينبغي عليها أن تفعله من وجهة نظركم).
_________"__#أسماء_عبد_الهادي
أخذت مودي تتجول في أنحاء البيت الكبير تستكشفه وعينا جدها وجدتها تراقبانها بسعادة كبيرة ..حامدين ربهما أنه أمد لهما في عمريهما حتى رأوا ذرية ابنهما الوحيد.
لاحظ الجد أن يحيى يجلس مستكينا جوار أمه ،يراقب تحركات مودي تارة وتارة أخرى يلعب بالدمية في يده في صمت فقال_مالك يا يحيى شكلك مستغرب المكان إهنه..جاعد ساكت وراكز إكده.
إستمعت مودي لما يقوله جدها فإقتربت منه تقول ببسمتها البريئة الساحرة_ أصل يحيى يا جدو بيتحرج أوي ..بس لما يتعود على حضرتك وعلى تيتا..هتلاقيه يجري ويلعب زيي بالظبط
جذب الزيني حفيدته يقبلها بابتسامة _وإنتي بقا اتعودتي علينا ؟
هزت رأسها مبتسمة_اه جدا..أنا حبيتكم أوي ياجدو..والمكان هنا عاجبني أوي
ضمتها رباب الي صدرها_ياروح جدتك إنتي ..ربني يحميكي يا بتي انتي ويحيى يارب
لاحظت مودي شيئا ما موضوع على الطاولة جوار جدها، يشبه زجاجة الماء لكنه مصنوع من مادة غريبة تجهلها هي فهتفت بتساؤل_تيتة هوا ده إيه!!.. وكمان في زيه عند الباب برا واحد يشبهه بس كبير؟
ابتسم الزيني فحفيدته تشبه أبيها في دقة الملاحظة
بينما أجابت رباب_دي اسمها جلة ..جدك بيحط فيها ماية علشان بيحب يشرب منيها جوي .واللي برا أكبر منه واسمه زير.
رددت مودي خلف جدتها_ج..جلة ..زير.
هتفت جدتها مشجعة اياها_ايوة إكده براوة عليكي
كانت ياسمينا تستمع للحوار فهي تجلس معهم هي ومريم بينما انصرف بلال مع صقر للخارج فهتفت باستنكار_وات!! آنكل بيشرب من دي..نوو!!
عرفت رباب أن ياسمينا استنفرت تلك الأُولة( وهي عبارة عن وعاء او قنينة من الفخار يوضع به الماء قديما اما الان فأصبحنا نستخدم الزجاجات البلاستيكيه او الزجاجية لشرب الماء)_ دي جميلة جدا يا ياسمينا يابتي، عمك احمد
مبيستغناش عنها واصل ..بيجول أنه لما بيشرب الماية من مكان تاني مش بيحس بحلاوة الماية زي شربها من الجلة .
رفعت ياسمينا حاجبيها باستغراب ما تسمعه
فقالت مريم مؤكدة كلام خالتها (زوجة عمها وتناديها بخالة احتراما)_ الكلام اللي بتقوله خالتي صحيح لأن الاواني الفخارية بتنقي الماية من أي شوائب او مواد كيميائية فيها فيها
هتفت ياسمينا بعدم تصديق _زي فلتر تقصدي!
هزت مريم رأسها بإيجاب _بالظبط كده..وكمان بتستخدم كمبرد للماية..فهيه بتخلي درجة حراره الماية طبيعية مناسبة وخاصة في ايام الحر زي الايام اللي احنا فيها كدا
زادت دهشة ياسمينا جدا_بتتكلمي جد يا مريم..دي تعمل كل ده!!
أكد الزيني أيضا كلام مريم_براوة عليكي يا مريم لسه منسيتيش عوايدنا ...
والتفت الي ياسمينا قائلا_وكمان يا بتي بتعزز عملية التمثيل الغذائي وتسهل عملية الهضم لانها بتحافظ على المعادن اللي في الماية
اعجبت ياسمينا كثيرا بما تسمعه ونهضت مقتربة من مكانها تمسك الاولة باعجاب وفضول ينتابها لتذوق تلك المياة_ طيب ممكن أجربها!!
هتفت مودي بحماس ايضا_ وأنا وأنا
هز الزيني رأسه _جربي يا بتي هتعجبك جوي
رفعت ياسمينا الفخار الي فمها لتشرب منها ،لكنها ما أن بدأ ينزل الماء إلى فمها حتى ابتلت ملابسها ايضا فالماء وقع على ملابسها اثناء الشرب
فضحكت رباب وقالت_خدي بالك يابتي..دي مش زي أزايز الماية اللي متعودة عليها
فضحكت ياسمينا هي الاخرى فرحة بتلك التجربة وأمسكت ملابسها_ بهدلت هدومي ..بس فعلا طعمها غريب، عجبني ..أنا عايزة واحدة ليا ممكن يا أنكل!!
هتفت مودي أيضا تقلد أمها _وانا كمان ويحيى كمان زينا ياجدو
ابتسم الزيني _من عينيا التنين هجيب لكل واحد واحدة..وانتي يا مريم منفسكيش في واحدة انتي كمان
ضحكت مريم وهزت رأسها بالنفي_لا ياجدو أنا عندي واحدة في البيت بس صراحة من زمان مشربتش منها لأن يحيى كان صغير فخفت يكسرها فاحتفظت بيها بعيد عنه.
قالت ياسمينا وهي تنوي الصعود لأعلى و
لتبديل ملابسها_ هطلع أغير هدومي عن اذنكم
هتفت رباب _معلش يابتي البنات على بعد بكرة بالكتير وتخلص الجناح بتاعكم وتتنقلوا هناك
حركت ياسمينا رأسها بالنفي _نو برولم أنطي.. انا بدأت اتعود على أوضة صقر خلاص
نظرت رباب الى زوجها نظرة ذات مغزى لم يفهمها سواهم
ثم نظرت مبتسمة لياسمينا _ماشي يابنتي .
_____
في اليوم التالي
في الصباح
أرادت ياسمينا الخروج مع الزيني بصحبة الاطفال لاستكشاف المنطقة، فهي لأول مرة ترى تلك المناطق الريفية الجميلة المليئة بالمناظر الطبيعية الخلابة، فطلب الزيني من مريم أن تأتي معهم هي الاخرى _تعالي معانا يا مريم يابتي.
وافقت مريم على اقتراح عمها ولكنها طلبت أن تستأذن من زوجها قبل الذهاب.. هاتفته بالهاتف اأنه كان بالخارج مع الصقر ( فهُم يخرجون باحثين عن جمال وبدير في كل مكان ويتابعون مع الرجال حتى يصلوا إليهم)
أذن لها بلال فصعدت سريعا لتبدل ملابسهم وتستعد للجولة مع عمها الزيني.
في هذه الاثناء دخلت مريم غرفتها وأحضرت ملابس ما، أحضرتها لياسمينا بطلب من الصقر ،وتوجهت الى غرفتها لتطلب من ياسمينا أن ترتدي أحدهم .
طرقت باب الغرفة ففتحت ياسمينا فرمقتها مريم بإبتسامة _كويس انك لسه ملبستيش، اتفضلي دول ليكي، ممكن تختاري واحدة منهم وتلبسيهم واحنا خارجين دلوقتي
تفحصت ياسمينا الملابس لتجدها جميلة لكنها واسعة جدا من وجهه نظرها فقالت وهي تنظر للفستان_ نايس، بس انا شايفة انهم مش مناسبين ليا ،واسعين جدا
هزت مريم رأسها بالنفي_لا هما مش ضيقين اوي ولا واسعين اوي وده الصح يا ياسمينا ، أظنه مناسب ليكي أنا جبته على مقاسك بناءا على طلب صقر
عندما سمعت ياسمينا أن للصقر يد في الأمر فرفعت احد حاجبيها وقالت بعند _اه صقر اللي عايز كدا!!
حركت مريم رأسها _اه ..صقر عايزك تلبسي زي ما ربنا أمرنا بالظبط
نوت ياسمينا أن تفعل شيئا ما لتتحدى الصقر فقالت بهدوء لمريم_اوك مريم ثانكس
ولجت الى الداخل وعمدت إلى الخطة التي جالت بخاطرها فأمسكت حقيبتها وافرغت منها ادوات الحياكة التي لا تفارقها(
علبة صغيرة بها مقص صغير وإبرة وبعض الخيوط المتختلفة الالوان "تستخدمها ياسمينا في اوقات الطوارىء" فربما مزقت مودي فستانها فتضع هي وردة جميلة فوق الجزء الممزق حالما تذهب للمتجر لتبديله بفستان آخر جديد )
وشرعت في تنفيذ ما يدور في رأسها وما إن انتهت من اعداد نفسها نزلت إلى أسفل بينما كان الجميع قد ملّ من الانتظار .
أول من علّق على ملابسها هي رباب فقالت بتعجب_واه يابنتي انتي هتخرجي إكده كيف..صقر مش هيوافق على إكده واصل.
تنهدت مريم باستياء فياسمينا قد حولت الفستان الى آخر تماما فأصبح ضيق للغاية يصف تفاصيل جسدها بعناية، كما
أنها انقصت من طوله ليكشف عن الجزء السفلي من قدمها ولفت الجزء المقطوع حول خصرها كحزام ووضعت في المنتصف قلب قلادة لها على شكل طاووق جميل أحجاره من
الألماس .. كانت تود إحداث فتحة ليست بالكبيرة على إحدى الجانبين لكنها خافت من الصقر والذي حذّرها من إظهار جزء من جسدها فتراجعت عن تلك الفكرة واكتفت بما قصته من الفستان.
هتفت ياسمينا بعدم اكتراث_ يس أنطي هخرج كده .. واتس زا بروبلم؟؟
لم تعي رباب ما قالته فنظرت لمريم كي تفهمها،
فقالت مريم_ياسمينا يا خالتي معندهاش مشكلة تخرج كدا
هزت رباب رأسها بإستنكار _لا يابنتي ما يصحش حد من أهل البلد يشوفك إكده ..طب حتى داري رجليكي دي! ده ولا بتوع السيما
ابتسمت لها ياسمينا وقالت بعند وهي ترى الصقر يدلف من الباب ويتجه نحوهم _دونت وري أنطي ..أنا متعودة على كده ..وكمان صقر بنفسه طلب من مريم تجيبلي الفستان ده
ضيقت رباب عينيها بدهشة_صقر ابني!! معجول!؟
تجمد الصقر مكانه لبرهة عندما استمع كلماتها وحملق بها بغيظ فهو لم يكن ليطلب من مريم أبدا أن تحضر ملابس هكذه
هزت رباب كتفيها وقالت لنفسها_جايز بردو..أكيد بيفهمها واحدة واحدة ماهو مش كل حاجة بتبجى مرة واحدة إكده.
جاءت إحدى الخادمات تعلمهم أن الزيني ينتظرهم بالخارج ويستعجلهم بالذهاب
فانطلق الصغيران للخارج بحماس شديد ، وخلفهم ياسمينا التي تجاهلت رؤيتها للصقر تماما..هي تعلم أنه لن يوافق على ما ترتديه لذا اسرعت الخطى نحو الخارج، تتصنع عدم رؤيته رغم أنها مرت من جواره
وكادت مريم أن تتحرك هي الاخرى، فاقترب منها صقر بغضب شديد قال بصوت خافت وهو يكز على أسنانه _مريم ده اللي طلبته منك ..مش قلتلك خليها تلبس زيك كدا؟!!
حاولت مريم أن تبرر موقفها _والله يا ابيه جبتلها زي ما طلبت بالظبط ..لكنها عدلت فيه ومعرفش لحقت عملت ده ازاي وبالحرافية دي..الفستان تحفة عليها ومش باين إنه متعدل أبدا
رفع هو حاجبيه بغضب_والله عاجبك أوي!!
تنحنحت مريم باعتذار_ إحم.. هو صراحة جميل اوي عليها ..بس طبعا مينفعش تخرج بيه .
_طيب ومقلتيلهاش الكلام ده ليه؟
_خالتي قالتلها وهيه مهتمتش وقالت عادي..هقول أنا إيه!
ثبت الصقر محله يتآكل من الغيظ من تلك التي تتحداه صراحة ..لكنه قرر أن يُمرىء الأمر هذه المرة ..إما اذا تمادت في ذلك فسترى ما لا يعجبها أبدا ..
___
شاهدها تمشي وحدها تحاول اللحاق بالسيارة لتلحق بعمها، فقطع طريقها قائلا بهيام، يريد مغازلتها _الجميل رايح فين؟!
ابتسمت بخجل وهتفت بخفوت_رايحة مع عمي نغير جو شوية ..ما أنا قلتلك
اقترب منها وعينه مسلطة على أعينها تحاصرانها مما أصابها بالارتباك _بقولك ايه ماتيجي نتفسح أنا وانتي وسيبيهم هما يروحوا مع بعض
هتفت بارتباك وفرحة معا_ بس يابلال ..هقول لعمي إيه!!
بلال _ولا حاجة ..هتخرجي تتفسحي مع زوجك ..فرصة نستغل إنشغال يحيى مع مودي ..ونخرج لوحدنا .
هزت رأسها بالموافقة وهي تنظر لزوجها بسعادة فهما لم يخرجان سويا منذ فترة، لذا سعدت باقتراحه زاك.
شاهده ينطلق نحو الخارج مع مريم فعلم ما ينوي فعله فقال ممازحا _رايح فين يا عم الحبيب!!!
التفت إليه بلال ضاحكا_ ما انت قفشتني أهو بتسأل ليه بقا
وضع الصقر يده في جيب بنطاله وادعى الضيق_ يعني مش خارج معايا!!
هز بلال كتفه_معلش ياصاحبي..مرة تانية.. فرصة مينفعش أضيعها
ابتسم له الصقر متمنيا له السعادة لكنه قال ممازحا _ ماشي هنياله ياعم..ماهو من لقي أحبابه نسي أصحابه
تخضب وجه مريم خجلا وأخفضت رأسها لاسفل إثر كلمات الصقر
فقال بلال مدعياً الضيق_ كده يا ابني حرجتها ..يلا يا مريم مش هنخلص أنا عارف أنه قاصد يغلس علينا
قهقه الصقر_ ماشي يابلال أنا مش راضي أزعلك علشان خاطر مريم بس
رفع بلال يده ومدها أمام الصقر وقال ممازحا_ايوة خليك على كدا ..لما تيجي تزعلني افتكر الغلبانة دي
أخرج صقر يده من جيبه مشيرا له بالرحيل_
روح يابني روح ربنا يسهلك
ودّع بلال صديقه وانطلق مع زوجته ليحظيان ببعض الوقت الممتع معاً .
___
تنهد الصقر وخط بقدمه للداخل ليجلس في الردهة السفلية يفكر ترى أين يختبأ جمال وبدير ويتوعد لهما بشدة فهو لن يرحمهما أبدا..
وجدته أمه يجلس شاردا فجلست جواره لكنه على ما يبدو أنه لم ينتبه لها ،فربتت على رجله _صقر يا ولدي
انتبه هو لأمه فاعتدل في جلسته فقال محاولا رسم ابتسامه على وجهه حتى لا تعلم أمه يا يجول في نفسه_نعم يا أمي، محتاجة مني حاجة؟!
قالت بحنان أم تتمنى أن ترى ابنها سعيد فهي تستطيع وبجدارة أن ترى الحزن المستتر، القابع خلف ستار تلك البسمة التي يحاول أن يرسمها على وجهه_مروحتش انت كمان تتفسح معاهم ليه!؟
أجاب بهدوء_يا أمي أنا حافظ المنطقة هنا شبر شبر ..فمش محتاج فسحة .
_يعني تغير جو معاهم وتكون حد بنتك ومرتك
شعر صقر بالغضب لكونها تنعت ياسمينا بزوجته فهو لا ولن يعترف بها زوجة له ابدا فلا إمرأة على وجه الارض ستحل
محل مودته ،لذا هب منتصبا محاولا ألا يرد على أمه بانفعال_ إمي أنا افتكرت ان في مشوار لازم أعلمه عن اذنك يا حبيبتي.
تنهدت بحزن وهي تراه يبتعد، هي تعلم كم يتألم فهي تتألم أضعافه فمودة كانت بمثابة ابنتها ايضا ..لكنها تظن أنها أن قرّبت بينه وبين ياسمينا قد ينفتح قلبه مرة أخرى لحب جديد ينسيه حزنه ولو قليلا ..لذا قررت أن تقرب بينهما قدر إستطاعتها .
___
سار بالسيارة الى غير وجهه...مشاعر كثيرة تجتاحه لا يدري ما أصابه وهو الذي يدعي التجلد والصبر..(اشتياق ..لوعة ..ألم ..حب ..فقد.. غضب..انتقام..شر)
وحدها مودة من كانت باستطاعتها أن تخفف عنه،فلقد كانت ببسمتها الصافية قادرة على أن تزيح جبل هموم من عاتقه .
ما أن سار بالسيارة قليلا حتى اكتشف أن بها عطلا ما .....
___________🌹🌹🌹🌹🌹
رآه يتوجه إلى الخارج فناداه فصوته الغليظ القوي_ شاهين
انتبه شاهين إلى جده فذهب إلى حيث يجلس وهتفت بصوته الطفولي البرئ_نعم يا چدي
عمد رشاد الى أن يتحدث مع شاهين بغلظة ليرى ردة فعله فهو لن يتهاون معه اذا رأى نظرة الخوف في أعينه، فرمقه بنظرة حادة مخيفه وتابع قائلا_ كنت رايح فين دلوك؟
لكن شاهين لم يبالي بتلك النظرة ولم يكترث بها وأبدى شجاعة أعجبت جده _رايح ألعب مع الولاد ياچدي .
ابتسم رشاد إلى حفيده معجبا بأنه لم يهتز له جفن وهو يحدثه لكنه قال مستغربا_ أى ولاد.. مفيش عيال في عمرك إهنه في المنطقة دي
شاهين_لاه ياچدي ..أنا بطلع على البلد ألعب وياهم هناك.
رفع رشاد حاجبيه مستطردا _واه بتمشى المسافة دي كلها وحدك؟
أجابه بثقة وثبات_ أنا مش صغير ..أنا راچل.
هتف مضيقا أعينه_يعني مش بتخاف تعاود لحالك؟
_الرچال مبتخافش يا چدي.
صفق رشاد بكلتا يديه فها هو يجني ثمرة تعليمه في شاهين فأصبح كما يريده تماما، وكأنه عجينة طرية يشكلها كيفما يشاء _ براوة عليك ... بس جولي ..أمك تعرف إكده؟
هز شاهين رأسه بنعم_ ايوة ياچدي ..بتزعل لما مقلهاش ..وأنا مش عايز أشوفها زعلانة كفاية عليها اللي هية فيه.
أستغل رشاد تلك الفرصة واستطرد قائلا بخبث_ وأظن إنت عارف مين سبب حزنها ؟
هتفت شاهين بحزن_عارف ياچدي، صقر الزيني.
أكمل بدناءة ليست بغريبة عنه _ ولو شفته هتعمل إيه ؟
_هنتقم منيه، على اللي عمله في أمي.
هتفت بدناءة_كيف يعني؟
_ مش هيكفيني روحه يا جدي.
ابتسم رشاد وسُر كثيرا بما يسمعه فأخرج نقودا كثيرة من حافظته_ خد دول هات اللي انت عايزة ..أنا مبسوط منك جوي
_____
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
تعطلت سيارته أثناء سيره على ذاك الطريق الزراعي ،فوقف ليرى ما ألَم بها ،خرج من السيارة ووقف أمامها محاولا إصلاحها حتى يتسنى له إكمال مسيرته ،فاصطدم به ذاك
الصغير الذي يعدو بسرعة مع أصحابه ،فإختل توازن الصقر وكاد أن يقع لولا أنه أمسك بطرف السيارة جيدا ليحافظ على توازنه
انتصب في وقفته ونادى على الصغار بغضب_استنى عندك إنت وهو
وقف الأطفال محلهم ناظرين بخوف لذلك الذي يرمقهم بحدة
فهتف بهم _ينفع كده مش تأخدوا بالكم أكثر ،بعدين غلط تجروا في طريق العربيات
أبدى الاطفال اعتذارهم ما عدا ذلك الصغير الذي بدى غير عابئ بالصقر ولا حتى خائف منه
فسأله الصقر متعجبا من عدم مبالاة ذلك الصغير _وانت مش هتعتذر زيهم
التفت له الصغير بوجه يكسوه البرود _إنت بتكلمني؟
رفع الصقر حاجبيه وهتف بتهكم_هو في حد غيرك معتذرش؟
رمقه الصغير بعيون ثابتة قائلا بعدم اهتمام_ أعتذر ليه وانت أصلا موقعتش
_يعني لو وقعت كنت هتعتذر؟
اجابه بعند_لا
_يعنى مش خايف مني؟
_لا
استغرب الصقر تصرفات ذاك الفتى وثباته والذى يشبه ما كان عليه يوما فى صغره ،كان أيضا مشاغبا لا يخشى أحد حتي لو كان هو الملوم
فنظر إليه بفضول يسأله ما إسمه _إنت إسمك إيه
أجاب الطفل بنبرة واثقة_شاهين
اتسعت أعين الصقر _شاهين !!!!!
وشرد فى ذكرياته
وعندما فاق منها ،كان الصغير قد اختفى هو والبقية
