CMP: AIE: رواية الباسمة الفصل التاسع والعاشر 9و10بقلم روتيلا حسان
أخر الاخبار

رواية الباسمة الفصل التاسع والعاشر 9و10بقلم روتيلا حسان

رواية الباسمة 

الفصل التاسع والعاشر 

بقلم روتيلا حسان 

 

.

.

وقفت مبهورة للغاية أمامه... نجمات من الفصوص اللامعة تنتشر بكثافة على الجزء العلوي بالكامل حتى ما بعد الخصر بقليل ثم يتباعد تدريجياً حتى

 نهاية الثوب الطويل على قماش من الدانتيل الفاخر الذي كان يحدد الجسم بروعة ثم تنتفخ التنورة لتعطي شكل ملكي فخم ,,ستصبح أميرة تزف لأمير أحلامها ..

هكذا رأت نفسها الباسمة عندما وقفت لا تتزحزح من أمام فستان أحلامها نظرت بطرف عينيها لهارون الذي كان بمنطقة الانتظار في المتجر الكبير حتى تختار ما يعجبها مانعة إياه من الدخول معها خجلاً منه ..وحمدت الله على اصرارها بمنعه فما سوف تفعله الأن سيعد أول كذبة بحياتهم الزوجية وستكون الأخيرة إن شاء الله ..فهي أحبت الفستان ولا تريد إحراج هارون وهي تعلم بضيق سعة يده ..

توجهت للبائعة وقررت شراء الفستان بدل من تأجيره فاستجابت البائعة فوراً مانحة إياها الجزء الأكبر من سعر الفستان من بطاقتها المصرفيه بينما تأخذ البائعة من هارون الباقي كثمن التأجير ...

وهكذا عادت لبيتها سعيدة بحصولها على فستان عرسها الذي حلمت أن تحتفظ به ..

فليس كل يوم تتزوج هارون...

وكانت كما تخيلت يوم عرسها أميرة متألقة لامعة أثارت إعجاب الجمع الغفير الذي حضر الاحتفال ..حضر والدها دامع العينين جزء من الاحتفال ثم تركها عائداً مع أخيه للمنزل ليكون باستقبالهم ..

كانت عيني هارون لا تحيد عنها يشاغلها بكلماته يسير حنقها بلمساته الجريئة حتى قرب النهاية أقترب منه مجموعة من أصدقائه يحملوه من جانبها ليقذفوه عاليا ثم يتلقفوه وبعدها تحلقوا حوله بدائرة واسعة يرقصوا على الأنغام  

و كانت رقصتهم الجماعية و خبطة أرجلهم بالأرض كأنها ريح عصفت بدقات قلبها وقلبه 

لا أدري كيف مشيت إليّ وكيف مشيت إليكِ

 دافئةٌ أنتِ كليلة حب ...

من يوم طرقت الباب عليّ ابتدأ العمر 

 كم صار رقيقاً قلبي حين تعلّم بين يديكِ

 كم كان كبيراً حظّي حين عثرت يا عمري عليكِ

 آه يا ناراً تجتاح كياني 

يا فرحاً يطرد أحزاني

 يا جسداً يقطع مثل السّيف ويضرب مثل البركان

 يا وجهاً يعجّ مثل حقول الورد ويرفض لحني كحصاني


ومع كل نغمة وجملة شعرت أن هارون بين أقرانه يشاغلها بنظراته  ويخصها بحروف العشق التي تسمعها معه حتى رأت إمرأة كانت كحية تتلوى بفستان بني بخطوط سوداء كجلد النمر اقتربت بهدوء بخطوات راقصة لتدخل بين مجموعة الرجال الذين لم يمانعوا وجودها بينهم أو يستغربوه فأعطى الباسمة لمحة من ماضي هارون بين هؤلاء الأصدقاء الذين جاءوا ليحتفلوا بوقوع أشهر عازب بينهم في قفص الزواج ..

ذلك الماضي الذي إخترق مساحة الغيرة الشاسعة  داخل الباسمة لتشعر ناحيتها بالخطر فتقف هي الأخرى مكانها لتجذب الأنظار لها ويقترب زوجها بتحفز وكأنه قرأ أفكارها الجريئة عندما بدأت النغمات تلحن بكلمات نزار

    قولي لي كيف سأنقذ نفسي من أشواقي وأحزاني

 قولي لي ماذا أفعل فيكِ .. أنا في حالة إدمان

 قولي لي ما الحلّ فأشواقي وصلت لحدود الهذيان

 قاتلتي ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني ..

من أين أتيتِ وكيف أتيتِ 

وكيف عصفتِ بوجداني

لترفع رموشها التي غطت لمعان عينيها البنية للحظة فتجد هارون يداريها بجسدة العريض من بداية وقفتها التي اكتفت فيها بتحريك ذراعيها بنعومة دون تحريك جسدها لتغمز له بعينيها القاتلة 

فيهمس لها : أنا في لهفة لرؤيتك ترقصيها لي كاملة في خلوة تجمعنا لكن لكِ وعدي أن أعلمكِ قبلها أولاً كيف تتلوي هكذا تحت أنظار الرجال يا زوجتي العزيزة...

وينتهي الحفل .....


أخيراً وصلوا لبيتهم الذي علقت عليه زينة من سلاسل المصابيح الصغيرة التي تطلق أنوار بألوان مبهجة ..

ساعدها بالترجل بفستانها الضخم من السيارة هامساً لها ضاحكاً : لا أدري كيف بجسدك الرقيق تحملي كل هذا الوزن ..

قابلت كلماته بابتسامة مهزوزة ثم وجدت والدها وعمها بانتظارهم بالشارع وسمعت التهاني والزغاريط من الجيران وهي بحضن أبيها الغالي التي تركته مرغمة عندما جذبها هارون منه بلطف لتتقدمه بالدخول من الباب الخارجي 

ليقف هارون عابساً بغضب مكتوم عندما وجد أمه تركن بظهرها على جانب من الحائط تسد الباب وتضع ذراعها على الجانب المقابل في سلوك عفا عليه الزمن لتمر الباسمة من تحته فتكون حسب معتقداتها تحت طوعها  

 انتبهت احسان لفعلة اختها فبالمقارنة بين طول أختها  القصير وطول الباسمة ستضطر العروس ان تنحني كثيراً حتى تمر وهي صورة سوف تتناقلها الألسن بكل  جمع سيمر عليهم بالمستقبل  فهي تعرف النسوة وثرثرتهم.... فجاءت من الخلف دون ان ينتبه لها أحد واخذتها بالحضن وهي تزيحها جانباً فيدخل هارون الذي لم يغفل عن ما حدث والباسمة الغافلة كليا عنهم وكل ما يدور بذهنها وعيد هارون لها بنهاية الحفل وهي توبخ نفسها بدل منه على صبيانية تصرفها 

بينما علي كان يضحك ملئ فيه وهو يرى زوجته وأختها القصيرتان المكتنزتان يتصارعان خفية ليترائى للأعين التي تحيطهم أنهما بأحضان بعضهما للتهنئة لا لغير ...


كانت تتقدم هارون بفستانها وهو يحاول أن يساعدها تلكأت قليلا أمام شقة والدها ليحثها للصعود لشقتهم هامساً 

: لا تقلقي بلمح البصر تكوني معه سواء كان بحاجتك أو لا ..

فنظرت له بدموع غشية عينيها وهمست تستنجد به :هارون 

مد يده يمسح على خدها : عيوني

 :  هذه هي المرة الأولى التي أبعد فيها عنه ...

قاطعها هامساً بلطف وهو يضع يده على ظهرها يحثها على صعود السلالم 

: هيا باسمتي أنا أسمع أصوات تتبعنا  ..ثم من قال إننا سنبعد عن عمي حسن ..


استجابت لكلماته ودفعه الرقيق بيده على ظهرها لتجد نفسها بمساعدته بغرفة نومهم تنظر لنفسها للمرأة جالسه على المقعد الصغير ومن خلفها هارون يخلع سترته ورابطة العنق دون أن يحيد بعينيه عن تلك الباسمة التي خطفت قلبه اليوم بطلتها البهية ليتقدم منها ويمد يده يساعدها على رفع طرحتها الحريرية المشبوك بحجابها الأبيض حتى وجد شعرها  الليلي بين يديه يحرره لتلتقي اعينهم للحظة فيهمس 

: ما بكِ 

حركت رأسها يمين ويسار : لا أعرف كأني بحلم 

ظل يحرك أنامله بين حرير شعرها وبلطف: هل تريدي الاستيقاظ منه 

نظرت لعمق عينيه وبثقتها التي تبهره : أبداً ..أبداً يا هارون 

ووقفت برشاقة تحسد عليها داخل فستانها الثقيل والتفتت تكاد  تصل لذقنه بحذائها ذو الكعب العالي وهي تحرك يديها بلغة الاشارة مع كلماتها الواضحة 

: أنت أكثر من مجرد حلم يا ابن عمي ..لكن هل أكون بالنسبة لك كذلك و من فضلك كن صريح معي الأن حتى لا أرتفع بسقف طموحاتي فاحلم بحبك مثلاً 


ابتسم بثقة: أنه أمر بيدك وحدك 

:كيف 

: الزوجة بيدها ان تكون مجرد شيء أو كل شيء

عبست بعينيها مفكرة ولكنها حركت رأسها بعدم فهم 

فضحك وبصوت اجش اقترب منها : قد تكون زوجة فقط أو كل شيء كأن تكون  صديقة عشيقة معشوقة وزوجة ....

لمس ثغرها برفق : هل فهمتِ 


: وأنت ما دورك 

إلتف من وراء ظهرها يبدأ بحل خيوط الفستان الصعبة 

:دوري التركيز بتلقي كل هذه العطايا التي تمنحيني إياها محللاً شفرتها 

: وبعدها 

قبلها من عنقها الظاهر ليصيبها الخجل فتحاول البعد فيمنعها هامساً : بعدها يكون حل الشفرة إما صدق حبك أو كذب إدعائك


دارت لتواجهه بقوة وإصرار فهي ليست غافلة عن محاولاته الهروب من منحها وعده بالحب 

: ما مشكلتك 

تنهد رافعاً يديه بقلة حيلة ثم وضعهما يجيبي بنطاله

: بل ما مشكلتك انت يا ابنة عمي  كما كنتِ عقلانية وأردتِ زوجاً أنا أيضا أردت زوجة وفكرت مثلكِ وحسمت أمري ووجدتك أكثر من ملائمة لي ..

غابت ابتسامتها مع تصريحه البارد أمام أعين هارون الذي تنهد بتعب 

: باسمة لماذا نتحدث بهذا الموضوع الأن ألا تري أن الزواج التقليدي نجح مع والديك ووالداي .. فإذن هناك أمل لنا 

ثم همس بتردد واضح 

: لا أنكر أني اكتشفت..  أني أكن لكِ بعض المشاعر إذا كان هذا ما تبحثي عنه إلا إننا نحتاج لبعض الوقت 

: لما 

: لتفهميني 

اقترب مرة أخرى منها يختصر القلق الذي أصابهما وهو يمرر بأنامله يفك عقدة جبينها ثم يمررها على ثغرها يحثها على الابتسام ويتابع 

: ولكي أفهمك ولكي استطيع دائما الحفاظ على ابتسامتك وهذا هو وعدي لكِ

لم تفهم ..حاولت ولم تفهم ... ابن عمها وهو يحاول أن يكون واثق ومسيطر وأيضاً الرجل القوي نجح فقط بأن يجعلها تلمس قلقه ..هل يمكن أن يكون خائف من فشل تجربتهم كما فشل سابقاً وهل الرجل مثل المرأة يخشى تعدد مرات الفشل ..لما لا .. قد يكون هذا ما يريده منها فهمه واحتواء قلقه وأيضاً بذل مجهود اكبر لإنجاح زواجهم 

ابتسمت برقة لما توصلت له وأمسكت طرفي فستانها الذي حل هارون شرائطه جزئياً 

: امنحني وقت أريد أن أتوضأ لتؤمني بصلاة العشاء ومن بعدها ركعتي سنة الزواج

ضيق بين عينيه بتفكير من تبدل حالها فجأة بعد صمتها المفكر وهو يشير لها بذهول : بفستانك 

ضحكت وهي تجر الفستان  : حلم أخر من أحلامي تحققه لي 

ضحك هارون عاليا : وبعدها 

هتفت وهي تغلق باب الحمام : سنرى يا ابن عمي 

همس وهو يمنحها الوقت ويبدأ بابدال ملابسه ضاحكاً : فعلاً سنرى يا باسمتي ..قد يكون عدم صلاتي في زواجي الأول هو سبب فشله 

عبس بوجهه : ما الذي أقوله فهذه النجلاء كان لن يستقيم معها الأمر حتى لو حجيت لبيت الله ...

 تتمطى بكسل وهي تشعر بدفء غريب يحاوطها ليس دفء غطاء محكم ولكنه دفء له رائحة تحبها بل تعشقها رائحة هارون ..

 وعندها فتحت عينيها على وسعهما وانتفضت أو حاولت فهارون كان يحاوطها بيده نظرت لوجهه بالبداية بحذر ثم استرخت بهدوء وابتسمت و نظرت لسقف الغرفة..

تتذكر كل ما مر بها باليوم السابق فابتسمت عندما رأت نظرة الاعجاب بعينيه عندما شاهدها تخرج من صالون التجميل .. ثم عبست عندما تذكرت فستان عرسها الذي تعلقه بخزانتها الأن قلقاً من رد فعل هارون عندما يعلم بشرائها له ..ثم عادت وابتسمت عندما تذكرته وهو يُقذف لأعلى ثم تتلقفه يد اصدقائه ثم عاد العبوس لها عندما تذكرت تلك القزمة التي كانت ترقص معه ... وأصبحت الراحة بخبر كان عندما  فكرت بكم العراقيل التي ستقابلها لنيل قلب ابن عمها فلازالت تلك الرنات المزعجة تأتيه حتى وإن كان يتجنب الإجابة عليها وهي معه ولكنه لا يبتر طريق الشيطان معهم ... 

كان تقلب مشاعرها تحت أنظار هارون المراقبة فانتفاضتها من البداية ايقظته ..تخيله أنها كانت تريد زواج مؤقت أو صوري ترضي به عمه جعله على صفيح ساخن  لا يدري سببه ولكن الذي هو واثق منه ان ابنة عمة اختيار رائع بكل المقاييس ... 

على الأقل تخلص من رغبة أمه بتزويجه  ليلى  ..عندها ابتسم هارون ..ثم مال بجذعه ليقابل أعين الباسمة التي قرأت حركة شفتية بخجل أحمرت له خديها : صباح مبارك بسمتي الخجولة 

ثم  أمسك يديها التي امتدت ناحية الطاولة الجانبية تسحب منها سماعة الأذن خاصتها وأخذها هو ووضعها لها برفق

: أريدك ان تعلميني لغة الاشارة 

عقدت بين حاجبيها بابتسامة : لماذا 

: لأني أريد أن أفهمك عندما تكوني متوترة فلا تحتاجي أن تترجمي ما يدور برأسك من أفكار 

:أنا لا ...

يقاطعها : بل نعم أنتِ عندما تتوتري تنسي لغة الكلام فتتحدثي بطلاقة بلغة الإشارة 

هل هي صعبة 

كان يحدثها وهو يمرر انامله بخفة على وجهها ويستقر على شفتيها فيرسمهما ببطئ وتصاب هي بنسيان لغة الكلام 

يقبلها بهدوء ثم يهمس : هل ستعلميني باسمتي 

تفيق على همساته لترد له بإشارة من رأسها بنعم ..

ويفيقا الاثنان على دقات قوية على الباب من اعتماد ثم ندائها الصاخب على هارون 

فبعد هارون عنها ونام على ظهره واضعاً ذراعه على عينه 

فهمست : أمك 

ضحك هارون بتنهيدة وأبعد ذراعه عن عينيه يتابعها بنظراته : نعم أمي ..نسيت أن أخبرها أن لا توقظنا ..كان لابد أن أنبه عليها 

وقفت الباسمة وارتدت روب على قميص النوم الأبيض ..ونظرت له بحيرة وقلق لمس قلبه 

فتنهد هاتفاً وهو يجلس على طرف الفراش أمامها  : أريد ان أطلب منكِ شيء واعتبريه رجاء 

: تفضل 

: لا تحزني من تصرفات أمي حاولي أن تعطيها العذر بكل مرة تخطئ بالتدخل بحياتنا  وأوعدك أن لا أنفذ إلا ما نتفق عليه أنا وأنتِ ..ولكنه سيكون من المريح لنا أن تقول هي ما تحبه ونفعل نحن ما يريحنا وتأكدي إنها لن تعاتبنا بمخالفتنا رأيها لكنها تحب إبداء رأيها معظم الوقت  أنا أعرف أمي جيداً قلبها طيب ولا تقصد الأذى 

تقاطعه الباسمة : وتحبك وتغيير عليك 

وقف هارون هو الأخر أمامها واضعاً يديه على كتفيها محدثها بجدية 

: ما يهمني أن تعلمي جيداً أني لن استطيع أن أكون السبب بحزنها ومن واجبك كزوجة حثي على البر بها  هل أطلب الكثير  ... وهل ستكون هذه نقطة خلاف بيننا مستقبلاً ..

: لا ..لكني أحتاج وعدك أن تكون عادل بيننا عند أي خلاف 

نظر لها بتمعن قليلاً بتفكير عميق : أعدك أن أكون عادلاً بقدر المستطاع لكنك بالمقابل لا تضعيني في موقف الحكم بينكم وحاولي أن تضعي نفسك مكاني ..هل كلامي مفهوم لكِ


أشارت له بنعم بوجوم وتركته لتجهز نفسها لاستقبال حماتها لا تريد أن تفتعل مشكلة لهم بأول يوم زواج ولكنها متوجسة خيفة من مستقبل علاقتها بهارون بوجود تدخلات من أمه 

بينما خرج هو لفتح الباب لأمه وهو يفكر أن الباسمة غابت ابتسامتها بالرغم من وعده الذي أطلقه لها أن يحافظ عليها بالأمس القريب فقط  ...


كانت جلسة لطيفة تخللها بعض الأسئلة المحرجة من خالتها اعتماد ولكن هارون كان يتدخل بمهارة لإلهاءها ..

أحضرت معها صينية كبيرة بها فطور العرسان كما يطلق عليه وكانت معها أختها إحسان  التي كانت هي الأخرى مرحة معهم وهي تحاول التخفيف من  كلمات اعتماد اللاذعة 

كانت تقدم لهم عصير وبعض الحلويات وكادت تسقطهم من يديها عندما سمعت اعتماد تهتف: إحضرِ فستان العرس كي أعيده ونسترد نقود التأمين 

رد هارون : أي نقود تأمين لم أدفع سوى سعر التأجير 

ثم نظر للباسمة : هل دفعتِ شيء ولم تخبريني 

كان ظاهر عليها التوتر الشديد عندما أجابته وهي تشير له بلغة الإشارة : لا لا 

نظر لها قليلاً وهو يحرك يده على ذقنه لم يغب عليه قلقها الواضح فلم يرد إحراجها أمام أمه وخالته فهتف : لا داعي يا أمي سأعيده أنا بنفسي لا نريد أن نرهقك 

أدارت عينيها بين الباسمة وابنها واستشعرت القلق  :  وما الذي سيرهقني سأذهب أنا وخالتك ونعود سريعاً 

وقفت إحسان ممسكةً بيد أختها لتقف هي الأخرى : بل سَتُرهقي ونحن لدينا أعمال كثيرة هل نسيتي الحلويات التي سنوزعها على الأقارب والجيران بمناسبة العرس هيا لنذهب لعملنا ونتركهم ليتناولوا الإفطار 

ثم قبلت هارون ومن بعده الباسمة وهي تربت بيدها الحانية على ظهرها 

: إذا إحتجتِ شيئ من خالتك العجوز لا تترددي بطلبه 

قبلتها الباسمة بتقدير لتلك السيدة التي لم تغفل عن يتمها 

: أشكرك خالتي

وخرجتا تاركين هارون الذي ظل بمكانه واضعاً ساق على الأخرى مريحاً ظهره للخلف وعاقداً ذراعيه على صدره والباسمة تقف أمامه بذنبها الصغير تهرب بعينيها منه 

: فسري 

دارت على عقبيها هاربة من المواجهة لغرفتهم ترتدي حجابها هاتفة

: أبي لابد ان يكون استيقظ سأذهب لاطمئن عليه 

تبعها وقد تأكد من إخفاءها أمراً وسحب من يديها حجابها الحريري 

: ما الأمر ..لا أحبذ أن أفكر إنكِ ستبدأي حياتنا الزوجية بإخفاء أمر ما عني 

نظرت للأرض بذنب وهي تمط شفتيها بطفولية متأوهة : لا ..أرجوك 

مد يده بلطف يرفع وجهها لتنظر له وبابتسامه : صارحيني إذن 

رفعت يديها تشير له بلغة الاشارة وهي تتلكئ بالحروف : عندما رأيته وقعت بغرامه ..فستاني الحلم ..دائماً ما كنت أحلم بفستان زفافي بتلك الصورة الملكية ..كنت أوعد نفسي بالحصول عليه والاحتفاظ به كي أرتديه كل عام بذكرى زواجي ثم امنحه لابنتي لترتديه بفرحها ...

ضيق بين عينيه وهو يقترب منها محركاً رأسه بعدم فهم : وكيف يحدث ذلك ونحن سنعيده للمتجر 

أغمضت عينيها بتوتر : اشتريته 

لم يحب توترها معه يحب انطلاقها.. وثقتها تمنحه القوة.. ولكن الأن كان أمام ضعف أنثوي  لذيذ يموت شوقاً لإحتوائه و لهفةً لتحقيق أحلامها الصغيرة البريئة فابتسم بخبث لعينيها المغمضة واحتوى جسدها بيده اليسار لاصقاً إياها بصدره بينما يده الأخرى صفعتها من الخلف جالباً شهقة ذهولاً لفعلته بعد أن كانت تعتقد إنه يحتويها متنازلاً عن غضبه من كذبتها البريئة وهو يهمس بجانب أذنها التي تحمل وسيلتها للسمع

:تلك واحدة حتى لا تكذبي مرة أخرى ونقود الفستان ستكون عندك غداً 

ثم صفعها أقوى جالباً شهقة ألم خفيف وخجل من تصرفاته وهتاف باسمه: هارون توقف ..

:تلك الثانية لتجرؤك أمس ورقصك أمام الناس أم أعتقدتي إنني نسيت ..

ثم رفع يده  : أما تلك فهي وعدي لكِ بيوم ضربتني بغرفتك هل تتذكري..

أفلتت يدها التي كانت مقيدة بينها وبين صدره وأمسكت يده قبل أن يصفعها الثالثة وأغرقت  وجهها الأحمر بصدرة هامسة بتدلل

: أعتذر عن أفعالي وأطلب السماح 

وضع أنفه بين خصلات شعرها يشتم عبيره هامساً : جميل .. عليكِ إذن التكفير عن خطأكِ بالقبول بشرطي 

ظلت بحضنه الدافيء مهمهمةً  : وما هو 

أجابها بصوت أجش : الرقص لي على أنغام نفس الأغنية 

ظلت بحضنه قليلاً تحرك وجهها على صدرة تتنعم به ثم فجأة خطفت  حجابها وهرولت للخارج على أنغام ضحكاته وهو يهتف 

: سأظل أطالبك بشرطي للعفو عنك 

هتفت من خارج الغرفة : ستنتظر كثيراً ..


اطلا على أبيها الذي كان يراقب فرحتها بعينين دامعة وخاصة عندما كان يشاهد هارون كل حين يهامسها أو يمسك يدها ويحبسها بيده فترة طويلة حتى تختطفها بغفلة منه وتحبسها بحضنها فيضحك هارون ويعود ويشدها بحضن يده مرة أخرى..

 ثم تركاه عندما تأكدا من جنوحه للراحة وصعدا لشقتهما تعد له الإفطار الذي تركاه حتى يطمئنا على الغالي ..


بنظرة عابثة يراقبها عندما رأها تضع البسكويت بالحليب الساخن وتلتقطها بشفايفها سريعاً قبل أن تسقط كان يحرك لسانه بتلقائية معها ويبلع ريقه وهو يقاوم أن يرفع يده ..بل بالحقيقة فمه ليلمس فمها عوضاً عن يدها التي تحركها بنعومة فوق ثغرها الباسم ..

إذا كنت وصفتها قبلا ناعمة فهي الأن لينة مثل البسكويته المسكينة التي لمست الحليب ..

رفعت عينيها صوبه لتهاجمها قشعريرة نتيجة مراقبته لها أصابتها بالخجل فتركت ما بيدها هامسة : ماذا 

ينتبه هارون لها ضاحكاً : كما أنتِ من صغرك تعشقي وضع البسكويت بالحليب وأكله لم تتغيري أبداً يا ابنة عمي ..

: و كأنك لم تفعلها في الماضي ..

هارون بتنهيدة باسماً: بل فعلتها كثيراً ولكن نسيتها كما نسيت أشياء عديدة كنت أفعلها ..

ثم نظر لها بنظرة ذئب جائع : سعيد أن استعيدها معكِ 

أحمر خديها خجلا من تصريحه وهي تزيح طبق البسكويت ناحيته ثم تصب كوب حليب ساخن وتضعه أمامه : تفضل 

اقترب برأسه منها وهو يكاد  يلامسها وهمس :  أفضلها عزيزتي من يدك كبداية ..هيا أطعميني ....

.

🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵

الحلقة 10 

.

.

ثلاثة أيام تتفنن اعتماد بالحول دون بقاء الباسمة بشقتها بالنهار بحجة استقبال المهنئين... كلما صعدت شقتها تنادي عليها حتى تكون باستقبال شخص ما  ولو طفلاً جاء ليأخذ من حلوى العرس ..

كاد هارون يجن لكنه وجد الحل  ..

: أخيراً 

قالها عندما وجدها تدلف لحجرة المعيشة بشقتهم بإرهاق واضح  

: إلحقي بي 

لحقته لغرفة النوم وهي ترفع حجابها : ما الأمر 

ظلت مكانها تراقبه بذهول وهو يضع حقيبة ملابس صغيرة فوق الفراش ويتنقل بين خزانته والحقيبة ينقل بها بعض ملابسه بنظام شديد يشتهر به

هتفت بحزن : هل انتهت عطلتك ..هل جاءك طلب استدعاء 

اقترب منها مبتسماً وأخذ وجهها بين كفيه بحنية 

: لا لم تنتهي عطلتي ..بل بدأت باسمتي ..سنهرب 

ضحكت بتوتر : كيف وإلى أين 

قبلها على وجنتيها  : الاسكندرية 

ثم واصل عمله  : هيا ساعديني وإحضري ملابسك

: في هذا البرد 

أخذها من يدها و قربها من خزانتها وهو خلفها يهمس بإغواء : وهل تحلى الاسكندرية إلا بالبرد ..شهر عسل نختصره لظروف عملي إلى أسبوع عسل ما رأيك 

نظرت لوجهه من فوق كتفها : لن نستطيع.. ستحزن خالتي  

أدارها ورفع رأسها لتواجه الإصرار بعينيه : بل نستطيع ..سنبحث بنفسنا على ما يريحنا ..لقد قابلنا طوال الثلاثة الأيام السابقة بشر لم أراهم منذ عزاء جدتي صباح ..

ضحكت هامسه : خالتي اعتماد تدعوهم للتعرف علي 

: أعلم ..واشكر لكِ تفهمك وكما قلت لكِ سابقاً سنبحث عن سعادتنا دون جرحها 

:ولكن 

ضحك يقاطعها وهو يرفع يديها ناحية الأرفف : لا لكن أرجوكِ ... زوجك مل ..انظري أصبحنا قرب الفجر ولا زلنا نتحدث بأمر مفروغ منه أنتِ الأن زوجتي و واجب عليكِ طاعتي 

و أبدلي ملابسك بشئ مناسب للسفر ولا تنسي إحضار معطف ثقيل  

: سنسافر الأن أليس الأفضل انتظار الصباح كي نخبرهم أيضاً

توجه لخزانته وبدأ في تحضير ملابسه التي سيرتديها  : نعم الأن فأنا أحب السفر بالليل كما إننا بتلك الطريقة نتجنب لحظات الوداع مع أمي ونضعها أمام الأمر الواقع ..  ونجعلها  تفاجئ بسفرنا ما رأيك 

نظرت للأرض وبإحباط : لا استطيع السفر دون إخبار أبي 

رفع رأسها بلطف وهو يمرر أنامله على جبينها يفك عقدته بعادة أصبحت تلازمه معها : باسمتي وهل استطيع أن أقرر السفر دون إخباره 

هتفت سعيدة : صحيح 

: نعم بالتأكيد .. .. و هيا يا ابنة عمي كوني جريئة 

.....

هل كل هذه السعادة من نصيبها ..هل أخيراً وجدت نفسها بجانب فارس أحلامها وهي تضحك على حكاياته ومقالبه المرحة مع أقرانه ..لا تستطيع سوى أن تردد الحمدلله كل دقيقة ..

ساد صمت بالسيارة فترة قطعته الباسمة بمرح : هل تلعب معي 

ضحك هارون وهو ينظر لها بطرف عينه ثم يعود وينتبه للطريق : الأن 

: نعم لعبة بسيطة 

ثم مدت يدها على مذياع السيارة وقالت : سأدير المذياع والأغنية التي ستنطلق منه ستكون إهداء مني لك و أنت بعدها تفعل المثل ما رأيك 

ابتسم لها بحب : موافق 

وأدارته وكأن الدنيا تزيدها فرح لتجد النغمات تلحن حبها لهارون وتختصر أمالها وأحلامها معه


هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر

هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر

هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر

هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر

فإرحم القلب الذي يصبو إليك

فغداً تملكه بين يديك

وغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاّ

وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى

وغداً نسهو فلا نعرف للغيب محلا

وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا

قد يكون الغيب حلواً ..

 إنما الحاضر أحلى..


كان يستمع للكلمات وكأنها رسالة تطرق قلبه ..يلمحها تومئ برأسها على كل كلمة وبشفتيها ابتسامة لولا طريق السفر كان وقف يلتهم حروفها..تثير جنونه بأفكارها لا تدع لحظة صمت تطول بينهما تملئ قلبه وفراغ وقته بالكلمات أو الابتسام ... دائماً وجهها راضي باسم تملئ الصدر محبة ..

أيام قليلة باتت فيه زوجته وأيام قليلة أيقن الفرق ....وهل هناك مقارنة يا هارون 

   وصلت رسالتها دون أن تحتاج لحروف تنطقها ... وأنا بالمقابل شعرت بتقبل رسالتها..بل شعرت بقلبي يرقص فرحاً من إحساسه بحبها له

توقفت النغمات فابتسم لها 

: الأن حان دوري 

ضحكت الباسمة بحب : نعم أريني إهداءك  ...

وامتلئت السيارة بالصخب وهو يحاول غلق المذياع بينما هي بمرح تبعد يده فيوقف السيارة جانباً وعلى أنغام الأغنية يحاوطها ويوقف ضحكتها مرتشفها ومحتفظ بها بصدره عندما قبلها بشوق 

ابتعد واضعاً جبينه على جبينها يلهث من روعة لحظة الحب بينهما

: كدت أجن إن لم أفعل ذلك 

تراجعت مخطوفة الأنفاس مشتعلة الوجه تنظر لنجوم السماء من نافذتها المغلقة وهو يدير السيارة لينطلق في طريقه 

ضاحكاً للموقف وعلى كلمات الأغنية التي لازالت تصدح بالسيارة 

بطلوا ده واسمعوا ده ياما لسه نشوف وياما

الغراب يا وقعة سودة جوزوه أحلى يمامة

هى كانت فين عنيك يا يمامة 

لما دورت بإديك ع الندامة

الصدامة.. اللمامة 

انت عاجبك فيه جنانه 

ولا لخبطته فى كيانه ... ولا تعويجة سنانه

اترك البلبل يا خيبة للقيافة

هي دي مش تبقي عيبة عالظرافة

اللطافة الخفافة

كل ده يطلع عشانه

اللي لو خبا في ودانه جوز أرانب لم يبانوا

.. بطلوا ده واسمعوا ده


أسبوع عسل بل أسبوع حب انطلقوا بالنهار برحلات لمعالم الأسكندرية تنتهي بوجبة الغداء دوماً عند الشاطئ وبالمساء انطلقوا برحلات البوح بما في الصدور والإحتواء والتفهم لمشاعر كل منهما للأخر ..

ودوماً يطالبها بتعليمه لغة الإشارة التي لم تشعر أنها بحاجة لها أبداً طوال فترة وجودهم فأين التوتر عندما نكون بحضن من نحب وحمايته وتفهمه ...

وأين القلق بينما قلبها يرقص فرحاً بقرب حبيبه ودفئه ...

ويكلل كل ذلك تاج الراحة استمرار والدها بتلقي العلاج والاستجابه له بصورة كبيرة..

وباليوم السادس بينما كانت نائمة بحضن حبيبها هانئة مطمئنة انتفضت  من نومها وهمست بارتياع : أبي ..إنه صوت أبي ..

أشعل هارون الضوء بجانبه وهو يمسح على وجهها الغارق بالعرق يحاول إفاقتها : باسمة .. باسمة أفيقي هيا 

فتحت عينيها بتشوش  تنظر لشفتيه تتكلم فمدت يدها للطاولة متناولة سماعتها وهي تقف بعجالة وهي تكاد تسقط أرضاً من استعجالها  : إنه أبي يا هارون أبي يناديني هيا 

وقف يحاوطها وهو يحاول أن يجلسها ويهدئ من خوفها : كنا معه على الهاتف قبل النوم وكان  بخير ..ماذا حدث 

بكت بحضنه وهي تردد : لقد حلمت به يناديني ..أرجوك هيا لنسافر له ..أرجوك 

: حبيبتي هو بخير لماذا التشاؤم ثم قلقك عليه هو ما يجعلك تحلمي بتلك الأحلام ..استغفري 

: استغفر الله العظيم ..

ثم نظرت له برجاء : هيا لنسافر ألم تخبرني أنك تحب السفر بالليل ..

حملها برقه وأجلسها بحضنه : نعم حبيبتي ..لكن ألم تنتبهي لصوت الرياح والمطر بالخارج هل تريدِ السفر بهذه الأجواء 

سمعت صوت الرياح الشديد بالخارج فهزت رأسها بلا : هل سنسافر بالنهار 

: نعم 

 استقامت وعادت للفراش وساعدها هو للإستلقاء ودثرها جيداً

: هل ستعودين للنوم مجدداً  

: نعم 

جاورها وهو يأخذها بحضنه :هل أنت متأكدة 

غرقت بوجهها بدفء صدره : نعم 

كان يمرر يديه برقة على شعرها يهدهدها : لما 

همست بنعاس :حتى يأتي باكر سريعاً

.....

عادت ملهوفة على والدها بالرغم من اتصالها الذي بدأت به يومها معه وإطمئنانها عليه ..

احترم هارون صمتها وتوترها بل شعر بالقلق يصيب قلبه هو الأخر واتصل بوالده الذي اكد له أن عمه بخير   ..

استقبال أمه كان بصورة مثالية بكاء لم يصدمه وعيون حمراء ورابطة معقودة على مقدمة رأسها وجلبابها الأسود الحزين  وأحضان كأنه كان بحرب ونظرات مؤنبة للباسمة كأنها هي صاحبة الفكرة التي بالمقابل لم تمهلها أكثر من سلام وهرولت على والدها حتى اشعرته بالوحدة بدونها عندما عوضت غياب الأسبوع بالبقاء مع والدها طوال اليوم ..تنظف وتغسل وتعد غذاء صحي تراعيه وتدلله ...

وأصبح هذا روتينها مضاف إليه تنظيف شقتها و كل ما يخص هارون ومساعدة حماتها التي رفعت يديها جزئياً تاركة أمر المنزل بيد الباسمة التي كانت لازالت بعطلتها بينما عاد هارون لعمله ...

ويمر الشهر الأول يليه الشهر الثاني  وتزداد الباسمة إرهاقاً بالبيت التي أصبحت تحمله بكل تفاصيله على عاتقها خفية عن هارون الذي يعود مساءًا ولا يعلم ما يدورمع زوجته فكل ما يراه هدوء من أمه و دعوات له وهدوء أكثر من الباسمة التي يعود لها ليلاً ليجدها بكامل بهاءها مجنبة إياه تسلط أمه ومشاكلها كما وعدته طالماً هي سعيدة مع زوجها فلما تجعله يعود من مشاكله بالعمل ليجد مشاكل تافه في المنزل ولكنها تنغص حياة أي زوج فتجعله يهرب من  بيته إبتعاداً عن الخوض فيها  ..

هل فعلتِ الصواب يا باسمة ...

انتهاء عطلتها كان البارحة ..جهزت نفسها  وسبقت هارون لشقة والدها أولاً ثم عمها ترتب إحتياجات والدها  ليتولى عمها رعايته بغيابها.. 

على أن تتولى حماتها تفاصيل حياتهم اليومية  كما مضى وصرحت لهم ..

بمجرد أن انتهت وجدت حماتها تعقد ذراعيها على صدرها وتقف أمامها تمنعها من المرور لخارج الشقة 

: إلى أين 

: إلى عملي.. انتهت عطلتي 

: ولماذا لم تخبريني البارحة 

: لم أكن أعلم إنكِ لا تعرفي أعتقد أني أخبرتكم بمدة العطلة من البداية 

مطت اعتماد شفتيها : نسيت ..أليس من المفترض أن تخبريني بتحركاتك أول بأول 

: ولكن هارون يعرف 

أشارت إعتماد بسبابتها على نفسها : أنا قبل هارون ..كل ما يدور بهذا البيت لابد وان أخذ به خبر قبل حدوثه هل تفهمِ 

هل يجب أن أرد عليها بنعم  أفهم فيكون إقرار بموافقتي على تسلطها...

 أم لا فيكون إقرار بغبائي فوقفت بدون إبداء أي رد فعل لأغمض عيني وأنا أكتم غيظي عندما سمعتها 

: هل انتِ غبية أم تدعي الغباء أمامي ..

ثم ضاقت بعينيها مقربة من أذن الباسمة : هل تسمعيني 

تراجعت الباسمة للخلف تخفي ضيقها وبهدوء : اسمعك خالتي 

: الأن ماذا نفعل 

: بماذا خالتي 

وقفت تفتح يدها أمام الباسمة : أريد أن أحادث رباب على الحاسوب ..هاتي مفتاح شقة ابني 

أمر أخر تريده إعتماد ولن ترتاح إلا لو حصلت عليه مفتاح شقة ابنها 

وقفت أمامها الباسمة تفتح فمها بذهول مرددة لنفسها عن أي مفتاح تريد الحصول عليه

 فهتفت بهدوء كاتمة غيظها

: وهل تعرفِ كيفية تشغيل الحاسوب والاتصال برباب 

: الأن ترديها لي وتنعتيني بالغباء 

ثم تراجعت للخلف وهي تبكي... 

ستموت قهراً لو لم تحصل على هذا المفتاح وكأن حياتها معلقة به 

دخل هارون على أخر جملة لأمه فعقدت الباسمة ذراعيها بانتظار ما سيفضي إليه المشهد الدرامي لخالتها 

نقل بنظره بينهم وهو يضيق بعينه : ماذا يحدث 

: تعال يا هارون اسمع زوجتك وهي تنعتني بالغباء 

أحمر وجه هارون بضيق وهو يتنظر من الباسمة تفسير لما تقوله أمه فهو ليس غبي ليعتقد أن الباسمة قد تقول ذلك وتقف بهذا الهدوء أمامه ..

ولكنها ظلت بوضعها ولم تعقب لتجن اعتماد من هدوءها فتبكي وهي تحكي لهارون احتياجها للحديث مع أخته المغتربة 

: أريد الاطمئنان على أختك أموت يا هارون إن مر اليوم دون أن أحادثها وخاصة وانها تكون بمفردها بالنهار بينما زوجها بالعمل ..هل أجرمت عندما طلبت من بسمة تعطيني مفتاح شقتك كي أحادثها ..أجبني بني هل أجرمت 

واستمرت ببكاءها بينما يجلس هارون بجانبها أخذاً إياها بحضنه وهو يحاول تهدئتها 

: أمي أرجوكي إهدئي لا اريد ان يرتفع ضغطك من الصباح ثم أن الأمر بسيط لا داعي لكل هذا الحزن ..

ثم نظر للباسمة : أليس كذلك 

أشارت له الباسمة بنعم فاعتقد موافقتها الضمنية للموضوع بينما هي وافقته فقط على تفاهة الأمر 

: انظري حتى الباسمة لا تعترض ..

رفعت اعتماد راسها هاتفة بفرح وهي تمسح دموعها  : صحيح ..أين المفتاح 

الباسمة بهدوء تعيد عليها السؤال السابق : وكيف ستقومي بتشغيله 

اعتماد برفعة حاجب : كنت سأجعل ليلى تأتي وتساعدني بالإتصال بها 

ردت الباسمة بسخرية : بشقتي ..ستدعي ليلى بشقتي وأكيد صديقاتك وقريباتك المقربين ..هل تعتقدِ إنني سأوافق بتحويل شقتي لنادي للتواصل 

هارون انتفض غضباً أمام الباسمة وهو ينطق بتمهل هامساً بنبرةٍ لا تخلو من الحدة : أمي لا تطلب مرتين ..هل فهمتي .. هل هذا ما اتفقنا عليه 

نطقت هامسة : وهل هذا ما وعدتني به أن تكون حكم عادل 

اقترب منها جازاً على أسنانه هامساً : هل تعتقدي إنها ستحضر صديقاتها لشقتنا كما برعتي بالقول ووضحتِ ..

نطقت بتمهل وهي لازالت عاقدة ذراعيها بصوت تسمعه اعتماد قصداً : أنا أحافظ على خصوصية حياتي 

يسمع هارون شهقة أمه على كلام الباسمة وبكائها المتزايد وهي تردد : لا أريد يا هارون دعها سأذهب لأختي وأحادث ابنتي من هناك أمام كل الناس حتى لا تستطيع حبيبتي البوح بما يقلقها ..مسكينة يا رباب... وحيدة يا رباب

: هل أنتِ راضية الأن ثم ما الذي سيجرح خصوصياتك هل تتصوري أن أمي ستفتش أو تتلصص على خزائنك 

ظل منتظر منها إجابة أو رد فعل ولكنها ظلت بوقفتها وصمتها المغيظ فاستقام واضعاً يديه بجيب بنطاله وبإشارة أمرة من رأسه وبكلمات أكثر أمراً : مفتاحك إمنحيه لأمي 

فأشارت برأسها بلا 

فضيق هارون بين عينيه هامساً لها  : كما تريدين لكن كنت انتظر أن تكوني أكثر تفهماً وتساعدي على تمرير أمر تافه مثل هذا 

أخرج من جيبه سلسلة مفاتيحه الخاصة وأخرج منها مفتاح شقته وسلمه لأمه 

: مالي هو مالك يا أمي بل تزيديه بدعواتك الطيبة .. واعتبري شقتي من اليوم شقتك تدخليها بأي وقت ودون حتى استئذان 

ثم وجه حديثة للباسمة بهدوء: هيا حتى أوصلك للمدرسة بطريقي ..

وضعت الباسمة حقيبتها على كتفها وتحدثت ببرود : وهل لا زال طريقنا واحد يا ابن عمي 

أمسكها من عضدها بقسوة وحثها للسير معه  بإصرار :  دوماً سيظل طريقنا واحد يا ابنة عمي 

ساد الصمت بالسيارة حاول الحديث معها بلطف كي يخفف من حدة الموقف الذي لازال يرى انه لا يستدعي كل هذا الغضب فما المشكلة أن تحصل أمه على مفتاح شقته ولكنها لم تتجاوب معه بل رأها ترفع سماعة الأذن وتضعها بحقيبتها في تقرير برفض أي حوار معه وأراحت رأسها للخلف وعينيها على الزجاج المغلق الذي يعكس صورة حبيبها فتملئ عينيها برؤيته وقلبها بقربه ليصبرها على حزنها من موقفه  المتخاذل من وجهة نظرها...

 وهل كل ما تحتاجه ليحكم بينهم بالعدل سيكون هذا مسلكه يقف مع أمه حتى ولو ظالمة  ..

هل هذا هو العدل من وجهة نظره ..

وقف بالسيارة بانتظار الضوء الأخضر ليسمح له بالمرور فسحب حقيبتها وأخرج منها سماعة الأذن ووضعها بيدها حتى ترتديها فوضعتها وانتظرت حديثه الذي سيكون بالتأكيد عن أمه والتي حاولت تأخيره حتى لا يتحدثان وهما غاضبان ولكنها وجدته يتنحنح باحراج وكأنه لا يدري كيف يحادثها

: كنت صغير عندما كان والدي يسافر ويتركني مع أمي تحارب وحدتها وقسوة جدتي صباح ..

وسائل الإتصال لم تكن سريعة مثل الأن وكان والدي يكتفي بمكالمة واحدة شهرية تستولي على معظمها جدتي بينما والدتي كانت تقتنص منها دقيقة أو اثنتين  ..

لا انسى عندما كان يموت لها ابن بعد ولادته فتظل أكثر من شهر ليعرف أبي بمصابها وإن مصاعب حملها الذي مرت بها لم يعيشها وإن ولادتها الصعبة لم يقف معها فيها وأنها بالنهاية دفنت قطعة من قلبها دون أن يعرف بنفس اللحظة ليساندها ويخفف حزنها ..

أصيبت بتسمم الحمل نتيجة ارتفاع ضغطها بحمل رباب وحذرها الطبيب من إعادة تجربة الحمل والولادة ما دامت لا تستطيع الاعتناء بنفسها ..

تحملت الكثير في سفر والدي  حتى عمي أخذكم وسافر فاتحملت وحدها بالإضافه لمراهق وطفله جدتي التي مرضت وماتت وأبنائها الذكور بعيدين عنها ..

ضعي نفسك مكانها ألا تري أن أمي سيدة تحتاج بعض الاهتمام وتنفيذ رغباتها ما دامت غير مؤذية 

تنهدت الباسمه وبهدوء : وهل تريد مني تحمل أخطاء الأخرين والسماح لها بالتدخل بحياتي على حساب راحتي ..هل هذا رأيك 

: بل أطلب منك القليل من المرونة 

: وأحلامي يا هارون ..عشي الصغير ما دخله بمرض أمك او إرضاءها ..

أنا أرى إنك تغالي بالاهتمام و.

يقاطعها هارون بحدة : وهل تري إهتمامك بوالدك عدم مغالاة لدرجة إنك تطلبي ..

ثم صمت غضباً من نفسه كيف يزل لسانه بما لا يفكر فيه 

ولكنها فاجأته وضحكت عالياً حتى أدمعت عينيها : إزدواجيتي تقلقك ..من قال لا تفكري بطلبك فهو كان الشرارة لإطلاق رغبتي بك يا ابنة عمي 

دارت فوق مقعدها تواجهه دون الانتباه أنهم وصلوا فعليا لمحل عملها 

: انظر.. أمر الاتصال برباب سوف أحله بطريقة ترضيها اليوم سأعتبره استثناء لكن من باكر هاتف من أحدث طراز سيكون عند والدتك والمفتاح لن أخذه منها ولكني سأغيره تماماً ..

قاطعها هارون بغضب وهو يجز على اسنانه : لن يحدث 

: بل سيحدث 

أمسك يدها وضغط عليها بعصبية أوجعتها دون أن يشعر : باسمة لا تثيري غضبي ...

جلست باعتدال بعد أن ترك يدها وحملت حقيبتها وهي تمسك مقبض الباب : إذا ظللت تعامل والدتك بهذه الطريقة سيصبح تدخلها بالمستقبل أكثر أذية ..أوقفها يا هارون نصيحة مني ..

واطمئن لن أفعل ما قلته لن أضعك بموقف محرج أمام أمك ولكني أحببت أن أبلغك بالتفكير العقلاني أما تفكير قلبي فيمنعني من التصرف بطريقة قد تحزن أم زوجي حتى إن كان زوجي لا يهمه حزني..

ترجلت من السيارة وهي تردد : أستودعك الله ..

 قالت لن تفعلها جعلت قلبها الذي يئن ألماً من معايرته لها هو الذي يقرر ..كيف كانت ستصر على رأيها العقلاني وهي تُعاير بطلبها الزواج منه ..كان لابد أن تظهر عدم اكتراثها..وإلا كيف ستواصل حياتها معه ..

لكن إلى متى يا باسمة ..

ظل مكانه يؤنب نفسه كيف سمح لها بالترجل من سيارته وهي حزينة ودموعها مخنوقة بعينيها حتى لو منحته ضحكة صاخبة ولكنه شعر ببرودتها تقتله ..كيف وصل به ان يعايرها ..وهل بعد أن عاش معها وعرف جوهر قلبها جيداً يُعايرها ..

هل بعد أن حركت به مشاعر كان غافل عنها يُعايرها ..

 لازلتِ أقوى مني يا ابنة عمي حتى وأنتِ تسمعي جنون ابن عمك و زلة لسانه لم تحاولي أن تعاقبيه عليها بل بكرم أخلاق تخطيتي قوله بمرح حتى ولو كاذب ..

سامحيني ..ما بالي لا استطيع أن انطقها بدل أن أبرر لها سلوك وتصرفات أمي التي لا ترضيني أنا شخصياً..

وهل أنا لا أريد ان أقولها أم لا استطيع أن أعطيها الأمان لأقولها ..

 

مرت الأيام والحال كما هو عليه أحداث ومواقف وتصادم مصالح وأحلام تدمر بعد أن كانت تحقق ببداية زواجها ..

ما بالي أقول بداية زواجي كأنه مر عليه سنين ولم يمر فقط ثلاثة أشهر ..

لولا تحسن صحة والدي وحنية هارون التي زادت بعد موقف الشقة كنت هربت بعيد عن حماتي ..

مؤمنه أن الدنيا تعطي بجانب من الحياة وتأخذ من جانب أخر حتى يستقيم الأمر ..

.....

أفضل أوقاتهم عندما يكونوا بخارج البيت بعيداً بطريق الذهاب والعودة من عملها التي يصر عليها هارون حتى بأشد أوقات عمله ازدحاماً .. أو مثل الأن وهم في طريقهم لوالدها الذي بجلسة علاج متأخر بالمدينة القريبة حتى يعيدوه ..

قبل خروجهم كان هناك مناقشة أخرى حامية سرقت الابتسامة من زوجته عندما اشتكت اعتماد من عدم انتهاء الباسمة من الأشغال المتبقية ليهاجمها كالعادة ويطالبها بالتفهم لأمه التي تستغل تراخي ابنها ليهتف بالباسمة 


: كنت أعتقد إنك ستقدمي على مساعداتها دون طلب ...فكما تري البيت كبير ولا يوجد من يساعدها ..اعتبري نفسك مكان رباب على الأقل   


تركت حقيبتها وبإحباط واضح  : أنا لا زلت جديدة بالمدرسة ومع ذلك استنفذت عطلاتي  ...أوعدك بمجرد عودتي سأقوم بكل ما هو مطلوب 

تدخلت اعتماد وهي تمط شفتيها  : دعها وعندما تعود يكون لي معها اتفاق يتيح لها القيام بواجباتها دون إخلال 

أخفى هارون سريعا توجسه من المعنى المبطن لحديث أمه

وخرجوا لمشوارهم الهام لوالدها الذي يرافقه أبوه بالذهاب وهو والباسمة بالإياب بسبب إصرار حسن على عدم تعطيل أحد منهم عن أشغاله فأمر علاجه سيطول والدنيا لابد أن تسير بأحبابه 

حاول تشغيل المذياع فأطفئته الباسمة  فهي ليست بمزاج للعبتها الرومانسية فأمسك يدها يقبلها وعينه على الطريق 

: ابتسمي أرجوكِ أكاد أشعر أني قاتل ابتسامتك  

سحبت يدها ونظرت لبعيد عنه : لأخر مرة يا هارون أحذرك من تراخيك بالعدل بيني وبين أمك ..الانسان بطبعه غير صبور 

قبض على المقود بعنف وهو يهتف :كل ما أطلبه منك بعض الليونة بالتعامل معها  حتى تفهم أمي وحدها أنه لن يقل اهتمامي بها أو حبي  بالزواج بكِ

نظرت له بحدة : أمك لم ينقصها أي اهتمام بل بالعكس أنا أشعر أنك توليها اهتمام أكبر من بعد زواجنا ثم إن خالتي حولها أنت وزوجها وأختها وكل صديقاتها بينما أنا من حولي ..

هل تتفهمني كما تتفهم أمك ..

هل تدرك احتياجي كما تدرك احتياج أمك ..

هارون أنا أفكر أحيانا أنك تعاقبني على مواقف لم أفعلها ..كما أنك تحذرني قبل أن تحدث المشكلة وتوبخني كطفلة بعدها ..

لا أحب أن أشعر إني أعاقب على أخطاء غيري ..

حدثها بغضب : من غيرك الذي تقصديه 

: نجلاء التي لا تبخل خالتي بتعديد محاسنها أمامي وأنا أحاول التغاضي ولكن الأمر زاد عن حده ويبدو أن صمتي أعطاكم الحق بالتمادي ..لا تختبروا صبري أكثر من ذلك أنا الباسمة يا هارون 

: هل تهدديني الأن ..هل تجرؤي على ذلك 

: أنا لا أهدد يا هارون أنا أفعل أفضل من ذلك أنا أمنحك الفرصة لعلاج مشاكلنا قبل أن تتفاقم  وأن تحكم بالعدل حتى تستقيم حياتنا ...وإلا ..

ثم صمتت بقصد ليفهمها وحده لتفاجئ بقبضته التي تلكم سقف السيارة وهو مكانه يصرخ بها 

: عيديها مرة أخرى وهدديني ..أو لمحي لضعفي أمام أمي أو عقاب تلك عن طريقك ...  كما أنتِ الباسمة أنا هارون العابد وإذا كنت تراخيت مع أمي إرضاء لربي فلن أتوانى عن عقابك وهو حقي ..

انكمشت الباسمة وغاب الكلام على لسانها وغابت البسمة وحتى الطريق الذي كانت تتمتع بالهروب من خلاله من نار حياتها مع حماتها أصبح هو الأخر جحيم مع زوجها التي كانت تعتمد على سعادتها معه كوقود للتحمل 

فلما تتحمل الأن ...  

                        الفصل ا لحادي عشر من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-